إنَّ الحمْدَ للهِ نحمَدُهُ ونستَعِينُهُ ونستَهْدِيهِ ونَشْكُرُهُ ونَستغْفِرُهُ ونَتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفُسِنا ومِنْ سَيِّئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هَادِيَ لَهُ. وأشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ الواحِدُ الأحَدُ الفَرْدُ الصَّمَدُ الذي لم يتَّخِذْ صَاحبَةً ولا وَلَدًا، جَلَّ رَبِّي لا يُشبِهُ شَيئًا ولا يُشبِهُهُ شىءٌ ولا يحُلُّ في شىءٍ ولا يَنحَلُّ منهُ شَىءٌ، جَلَّ رَبِّي تَنَزَّهَ عَنِ الأَيْنِ والكَيْفِ والشَّكْلِ والصُّورَةِ والحدِّ والجِهَةِ والمكَانِ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ وهوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ. وأشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنا وحَبيبَنا وعَظيمَنَا وقَائدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنا محمَّدًا عَبدُ اللهِ ورَسولُهُ وصَفِيُّهُ وحَبيبُهُ. الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى سَيِّدِنا محمَّدٍ النبيِّ الأُمِّيِّ الذي عَلَّمَنَا الحضَارةَ وأرْشَدَنا إِلى مَا فِيهِ خَيرُنا وصَلاحُنا ونَجَاحُنا في الدُّنيا والآخِرَةِ.

أمَّا بعدُ عِبادَ اللهِ فإنِّي أوصيكُمْ ونفْسِي بتقوَى اللهِ العَلِيِّ القديرِ القائلِ في مُحْكَمِ كِتابِه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } (سورة الحشْر/18).

يقول الله تبارك وتعالى في القرءان الكريم:” وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ {56} مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ {57} إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ {58} ”  سورة الذاريات.

فإذا سُئِلْتَ لِمَ خَلَقَنا اللهُ؟ فَلْيكُنْ جوابُك مستمَدا من هذه الآيةِ القرءانيةِ: لقد خَلَقَنا اللهُ ليأمرَنا بعبادتِه. فنحن مكلفونَ مأمورون بعبادةِ اللهِ وطاعتِه وذلك بأن نلتزمَ الحدودَ الشرعيةَ فلا نتعداها بل نؤدي الواجباتِ ونجتنبُ المحرماتِ.

وإذا سُئلتَ لِمَ ليس كلُّ النَاسِ على الإيمانِ ؟ فجوابُك أيضا مستمَدٌّ من القرءانِ الكريمِ، قالَ تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}( سورة السجدة/13).

فاللهُ سبحانه وتعالى لم يشإِ الإيمانَ لكلِّ الناسِ. فالعبادُ منساقون إلى فعلِ ما يصدرُ عنهم باختيارِهم لا بالإكراهِ والجبرِ. ولو لم يشإِ اللهُ عصيانَ العصاةِ وكفرَ الكافرين وطاعةَ المطيعين لَمَا خلقَ الجنةَ والنارَ.

وإذا سُئلتَ لِمَ جعلَ اللهُ مؤمنين مثابين متنعمين في جنةِ الخُلدِ ولِمَ جعلَ كفارا مخلدين في السعيرِ؟ فليكن جوابُك أيضا من القرءانِ الكريمِ قولَه تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلّامٍ للعَبيدِ} وقولَه تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُريدُ}، وقُلْ للسائلِ إياكَ أن تذهبَ مذهبَ الهالكين المتَنَطِّعينَ وتكونَ من جماعةِ إبليسَ المعترضين على اللهِ المطرودينَ مِن رحمةِ اللهِ في الآخرة فإنّ اللهَ عزّ وجل يقولُ: {لا يُسأَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُون} فالعبادُ هم الذين يُسألون.

يقولُ اللهُ تعالى في القرءان الكريم:” وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ”. (سورة البقرة/34) . اللهُ تعالى أمرَ الملائكةَ أن يسجُدُوا لآدمَ عليه السلام سجودَ تحيةٍ لا سجودَ عبادةٍ، فسَجدوا إلا إبليسَ الذي كانَ من الجنِ (ولم يكن مَلَكًا لأن الملائكةَ لا يعترضونَ على الله) أبى واستكبرَ واعترضَ على الله فصارَ من الكافرين الخاسرين باعتراضِه على الله.

فلا شك إخوة الإيمان والإسلام أن المعترضَ على حكمِ الله تعالى خارجٌ من الإسلامِ وهو خاسرٌ خاسرٌ خاسرٌ. فالحذرَ الحذرَ مِنَ الاعتراضِ على ربِ العزةِ عند نزولِ المصائبِ والبلايا فإن هذا هلاكٌ وضلالٌ والعياذ بالله.

إخوةَ الإيمانِ إن الدنيا لو كانت هي دارَ جزاءٍ ما أُصيبَ نبيٌّ منَ الأنبياءِ ، البلاءُ على الأنبياءِ في الدنيا أكثرُ من غيرِهم. رجلٌ قالَ لرسولِ الله إني أُحِبُّك، فقالَ له صلى الله عليه وسلم: “انظُرْ ماذا تقول” . قالَ: إني أُحبُّك. قالَ: “انظُرْ ماذا تقول”. قالَ: إني أحبُّك. قال: “انظُرْ ماذا تقول فإنَّ البلاءَ أسرعُ إلى مَن يُحبُّني مِنَ السَّيْلِ إلى مُنْتَهَاه” .

وتذكر أخي المؤمنَ أن هذه الدنيا دارُ بلاءٍ وعملٍ واستعدادٍ لِما بعد الموت، فإذا ابتُليتَ بمصيبةٍ قل: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإياك والاعتراضَ على اللهِ فإن منِ اعترضَ على الله خرجَ عن دين الله والعياذ بالله. مَن أصابته فاقةٌ منْ فقرٍ واعترضَ على حكمِ الله فإنّ كفرَه هذا لا يُقرّبُ له رزقا بعيدا. ومَن أصابَه مرضٌ واعترضَ على حكمِ اللهِ فإنّ مرضَه لا يزولُ بكفرِه، ومن ماتَ له عزيزٌ أو قريبٌ واعترضَ على حكمِ اللهِ فإنّ الميتَ لا يعودُ بكفرٍه. فيكون هذا الإنسانُ المعترضُ على اللهِ قد أهلكَ نفسَه والعياذُ باللهِ من الاعتراضِ على اللهِ وعلى قضائِه وحُكْمِه.

أما إذا إنسانٌ مسلمٌ ابتُلي فصبرَ وقالَ الحمد ُلله على كلِ حالٍ، للهِ ما أعطى وللهِ ما أخذَ، إنا لله وإنا إليه راجعون، لا حولَ ولا قوة إلا بالله، اللهم لا تجعلْ مصيبتي في ديني فله أجرٌ عظيم عند الله. قالَ اللهُ تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (سورة ق/18)

أي أنّ كلَّ ما يتلفَّظُ به العبدُ من الجدِّ والهزلِ والغضَبِ يُسجِّلُه الملكان فهل يَسُرُّ العاقلَ أن يرى في كتابِه حين يُعرضُ عليه يومَ القيامةِ هذه الكلماتِ الخبيثةَ ؟ بل يسوؤه ذلك ويُحزِنُه حين لا ينفعُ الندم ! فلْيَعْتَنِ بحفظِ لسانِه من الكلامِ بما يسوؤه إذا عُرِضَ عليه في الاخرة. وقد قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ” أكثرُ خطايا ابنِ آدمَ من لسانِه” (رواه الطبراني) .

ومما يساعدُ على الرضا بقضاءِ الله أن يعملَ الواحدُ بما وردَ في صحيحِ البخاري رحمة الله عليه أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: “إذا نَظَرَ أحدُكُم إلى مَنْ فُضِّلَ عليه في المالِ والخَلْقِ فَلْيَنْظُرْ إلى مَن هو أسْفَلُ منه“.

فالنبيُ صلى الله عليه وسلم يُعلمنا أن مَن نظرَ إلى من هو فوقَه في المالِ أو الجسمِ فلينظرْ إلى من هو أسفلَ منه أي إلى من هو أقلُ منه.

إن كثرةَ الدخولِ على الأغنياء تزيدُ النفسَ رغبةً وتعلقًا بالمالِ وزخارفِ الدنيا ومباهجَها. ومن تعلَّقَ قلبُه بحبِ الدنيا، يجُرُه هذا إلى محاولةِ جمعِ الأموالِِ من غيرِ تمييزٍ بَيْنَ الحلالِ والحرامِ ويصيرُ همُه تكديسَ الأموالِ ولو عن طريقِ السرقةِ أو الاحتيالِ غيرَ مبالٍ بما يترتَّبُ على ذلك من مظالمَ.

ورسولُ الله محمدٌ صلى الله عليه وسلم يدلنا على سبيلِ الوقايةِ قبلَ أن تقعَ قلوبُنا في حبِ الدنيا وقبل أن تصيرَ قاسيةً كقساوةِ الحجرِ وقبل أن تنشغلَ بالدنيا عن الاستعدادِ للآخرة والتزودِ لها وذلك بأن ننظرَ إلى من هو أقلُ منا في أمرِ الدنيا. فإذا كانَ الشخصُ يجدُ كفايتَه فقط فلينظُرْ إلى من لا يجدُ كفايتَه. وإذا كانَ يسكنُ بيتا صغيرا فلينظُرْ إلى من لا يجدُ ما يأوِي إليه، وإذا كانَ يلبسُ ثوبا رَثًّا فلينظُرْ إلى من لا يجدُ ثوبا يستُرُه أو من البردِ يقيه، وإذا كانَ لا يأكلُ اللحمَ إلا قليلا فلينظر إلى من لا يجدُ كِسرةَ خبزٍ أو شَربةَ ماءٍ ترويه.

أيها الإِخوة الأحباب، أمَّا في أمرِ الدِّينِ فالمطلوبُ منَّا أن ننظرَ إلى من هو فوقَنا، فلا ينبغي للواحدِ منا أن يغترَّ بنفسِه وينظرَ إليها بعينِ الإعجابِ والتعظيمِ، وينسى نعمةَ الله عليه الذي أقدرَه، أي أعطاه القدرةَ على النطقِ والمشي والبصر. والمطلوبُ من كلِ واحدٍ أن ينظرَ إلى من هو أكثرُ طاعاتٍ منه وأكثرُ اجتهادا وأكثرُ نشاطا وهمةً كي يجتهدَ مثلَه، لأن علوَ الهمةِ في الدينِ أمرٌ مطلوبٌ، وصاحبُ الهمّةِ الدّنيئةِ لا يَصِل.

اللهم لا تجعلْ مصيبَتنا في دينِنا وتوفَّنا وأنت راضٍ عنا يا أرحمَ الراحمين.

هذا وأستغفر الله لي ولكم.

< Previous Post

خطبة الجمعة | المِعْــرَاجُ

Next Post >

خطبة الجمعة | إِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ ءَادَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map