إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديْه ونشكرُه، ونعوذُ بالله مِن شرورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سيئاتِ أعمالنا، مَن يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ولا مَثِيْلَ وَلا ضِدَّ وَلا نِدَّ له، وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائِدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنَا محمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيْبُه مَنِ انْشَقَّ لَهُ القَمَر، وسَلَّم عليه الحَجَر، وانقَادَ إليه الشَّجَر، هو فَخْرُ رَبيعةَ وَمُضَر، وصلى اللهُ وسلَّمَ على سيدِنا محمدٍ الأمينِ، وعلى ءالِهِ وصَحبِهِ الطيبينَ الطاهرينَ.

     أما بعد فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي القدير القائل في القرءان الكريم:

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا “.

     أيُّها الإخوة، لقد أرسلَ اللهُ تبارك وتعالى خاتمَ الأنبياءِ سيدَنا محمدًا فأدّى وبلّغَ وبشّر وأنذر، وأُوذِيَ وصبر، وعلَّمَ وأمر، في حرٍّ وبردٍ وصيفٍ وشتاءٍ وليلٍ ونهار مِن غير كللٍ ولا ملل، حتى انقادتْ له نفوسٌ كانتْ جامحة، ولانَتْ لِوَعظِهِ صلَّى الله عليه وسلم قلوبٌ كانت جلاميدَ قاسِيَة، وأشرقَتْ مِنْ نُورِ هَدْيِهِ أفئِدةٌ كانتْ مُظْلِمَة، وأيّدَه اللهُ تبارك وتعالى بالمعجزاتِ الباهراتِ لِتَكُونَ دليلًا على صِدْقِهِ صلى الله عليه وسلم.

     والمعجزاتُ التي حصلَتْ لرسولِ الله محمد صلى الله عليه وسلم في حالِ حياته كثيرةٌ جدًّا، قيل إن عددَها بينَ ألفٍ وثلاثةِ ءالاف، وقد قال الشافعيُّ رضي الله عنه “ما أَعْطَى اللهُ نبيًّا معجزةً إلا وأعطَى محمدًا مثلَها أو أعظمَ منها”. فقيل للشافعيِّ أَعْطَى اللهُ عيسى إحياءَ الموتى، فقال رضي الله عنه “أُعْطِيَ محمدٌ حنينَ الجِذعِ حتى سُمعُ صوتُه، فهذا أكبرُ مِن ذلك”، فقد روى البخارىُّ فى صحيحه ” أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأنْصَارِ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ لِي غُلَامًا نَجَّارًا؟ قَالَ إِنْ شِئْتِ، قَالَ فَعَمِلَتْ لَهُ الْمِنْبَرَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ قَعَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ الَّذِي صُنِعَ فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ الَّتِي كَانَ يَخْطُبُ عِنْدَهَا حَتَّى كَادَتْ تَنْشَقُّ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَخَذَهَا فَضَمَّهَا إِلَيْهِ، فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّتُ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ” وفى صحيحِ ابنِ حبانَ أنَّ الحسنَ رضى الله عنه كانَ إذا حدَّثَ بهذا الحديثِ بَكى ثم قال “يا عبادَ الله، الخشبةُ تَـحِنُّ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم شوقًا إليه، فأنتُم أحقُّ أنْ تشتاقُوا إلى لقائِه”

     ومن مُعْجزاتِه صلى الله عليه وسلم إقبالُ الشَّجرِ وشهادُته فقد روى ابنُ حبانَ والبيهقيُّ وغيرُهما عن عبدِ الله بنِ عُمَرَ قال: كُنا معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في مَسيرٍ فأقبلَ أعرابيٌّ، فلمَّا دنا منه قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أينَ تُريد؟ قال إلى أهلِي قال هلْ لكَ إلى خَير؟ قال ما هو؟ قال تشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأن محمدًا عبدُه ورسولُه؟ قال هلْ منْ شاهدٍ على ما تَقول؟ قال صلى الله عليه وسلم هذه الشجرة، فدعاها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهي في شاطئِ الوادي، فأقبَلَتْ تَـخُدُّ الأرضَ خدًّا، حتى قامتْ بين يَديهِ فاستَشْهَدَها ثلاثًا فشهِدَتْ أنه كما قال.

     ومن مُعْجزاتِه صلى الله عليه وسلم تَسْبيحُ الطَّعَامِ في يَده الشريفة، فقد أخْرجَ البُخاريُّ من حَديثِ ابنِ مَسْعُودٍ قالَ “كنَّا نأكلُ معَ النّبي صلى الله عليه وسلم الطَّعامَ ونَحنُ نَسْمعُ تَسْبيحَ الطَّعام”.

     وهذه المعجزاتُ الثلاثُ إخوةَ الإيمانِ أعجبُ مِن إحياءِ الموتى لأنَّ إحياءَ الموتى يتضمَّنُ رجوعَ هؤلاءِ الأشخاصِ إلى مثلِ ما كانُوا عليه قَبْلَ أن يموتوا، أما الخشبُ والشجرُ ونحوُهما فلم تكُنْ منْ عادتِه أن تتكلَّم، فبكاءُ الجذعِ وشهادةِ الشجرِ وتسبيحِ الطعام أعْجَب.

       ومن مُعْجزاتِه صلى الله عليه وسلم أيها الأحبة تفجُّرُ الماءِ مِن بينِ أصابعِهِ بالمشاهدةِ في عِدَّةِ مواطِنَ في مشاهِدَ عظيمةٍ حضَرَها الجمعُ الكبير، فقَد أخْرجَ البُخاريُّ ومسلم “عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ وَهُوَ بِالزَّوْرَاءِ – وهو موضعٌ فى المدينة – فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ” قَالَ قَتَادَةُ: قُلْتُ لأنَسٍ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ “ثَلاثَ مِائَةٍ “. ورَوى البُخاريُّ ومُسْلمٌ من حَديثِ جَابرٍ أيضًا “عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الحدَيْبِيَةِ وكانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بينَ يدَيْه رَكْوةٌ يتَوضَّأُ مِنْها، فَجهَشَ النّاسُ، فَقالَ مَا لَكُمْ؟ فَقالوا يَا رسُولَ الله ليسَ عندَنا ما نتَوضَّأُ بهِ ولا ما نَشْرَبُه إِلا ما بَيْنَ يَدَيْكَ، فَوضَع رسولُ الله يدَهُ في الرَّكْوةِ فَجعلَ الماءُ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أصَابِعِهِ الشريفة كأمْثالِ العيُونِ، فشَرِبْنا وتَوضَّأْنا، فَقيْلَ كَمْ كُنْتُم؟ قالَ لَو كُنّا مائةَ ألفٍ لكَفَانا كُنّا خَمْسَ عشْرَة مائةً“.

      ومن مُعْجزاتِه صلى الله عليه وسلم ردُّ عَينِ قتادَةَ بعدَ انقِلاعِهَا فقَد روى البَيهقيُّ في الدّلائلِ عن قَتادَةَ بنِ النُّعمانِ أنّه أُصيبَتْ عَيْنُه يَومَ بَدرٍ فسَالَتْ حَدَقَتُهُ على وجْنَتِه، فأرادُوا أنْ يقْطَعُوها فسَألُوا رسُول الله فَقال لا، فدَعَا بهِ فغَمزَ حدَقَتَهُ براحَتِه، فكَانَ لا يَدْرِي أيَّ عيْنَيهِ أُصِيْبَت.

    وفي هَاتينِ المعجِزَتينِ معجزةِ نَبْعِ الماءِ منْ بينِ أصابعِه ومعجزةِ ردِّ عينِ قتادةَ بعدما قُلِعَت قالَ بَعضُ المادِحينَ شِعْرًا من البَسِيطِ

إنْ كانَ مُوسَى سَقَى الأَسْباطَ مِن حَجَرٍ         فإنَّ في الكفِّ مَعْنًى ليسَ في الحجَرِ

إنْ كانَ عيْسَـى  بَرَا  الأَعْمَى   بدَعْوتِـه          فـكـمْ  بـراحَتِه  قدْ  ردَّ  مِنْ   بَصَرِ

     ونبوعُ الماء مِن عَظْمِهِ وعصَبِهِ ولَحمِهِ ودَمِهِ صلى الله عليه وسلم وهو أبْلَغُ من تفجُّرِ المياهِ من الحجرِ الذي ضرَبَهُ موسَى لأنّ خروجَ الماءِ من الحجارةِ معهودٌ بخلافِهِ من بين اللحمِ والدَّمِ.

     فيا عِزَّنا بهذا النبيِ العظيم الذي أيّدَه ربُّه بالمعجزاتِ الباهراتِ التي جاءَتْ دليلًا واضحًا وبرهانًا ساطعًا على صِدْقِه صلى الله عليه وسلم، فطُوبى لِـمَنِ اقْتَدَى به، وطُوبَـى لِـمَن نَصَرَ دِيْنَه وأَحْيَى سُنَّتَه.

هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

< Previous Post

خطبة الجمعة | الملائكة عباد الله المكرمون

Next Post >

العِبادَةُ في الهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إليَّ/ خطبة الجمعة من مسجد السلام

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map