الحمد لله رب العالمين قيوم السماوات والأرضين مدبر الخلائق أجمعين، باعث الرسل صلواته وسلامه عليهم إلى المكلفين لهدايتهم وبيان شرائع الدين بالدلائل القطعية وواضحات البراهين، أحمده على جميع نعمه وأسأله المزيد من فضله وكرمه وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد الكريم الغفار وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وحبيبه وخليله أفضل المخلوقين المكرّم بالقرءان العزيز المعجزة المستمرة على تعاقب السنين، وبالسنن المستنيرة للمسترشدين المخصوص بجوامع الكلم وسماحة الدين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى سائر إخوانه من النبيين والمرسلين وءال كل وسائر الصالحين.

     أما بعد عباد الله فإني أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله العلي العظيم القائل في كتابه الكريم ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(102) ﴾ فاتقوا الله فيما أمر وانتهوا عما نهى عنه وزجر.

     إخوة الإيمان يقول الله تعالى في حق الملائكة ﴿ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ (98)﴾ ويقول تعالى  ﴿ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا(136) ﴾.

     اعلموا عباد الله أنه يجب الإيمان بوجود الملائكة وهم أجسام نورانية لطيفة ذوو أرواح مشرفة فهم عباد مكرمون عند الله، ليسوا ذكوراً ولا إناثاً، لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون ولا يتعبون ولا يتوالدون وهم عباد مكلفون لا يعصون الله تعالى ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.

     وهم عباد مكلفون موكلون بأعمال شتى، فمنهم من هم موكلون بالمطر والنبات، ومنهم موكلون بكتابة أعمال بني ءادم، وبعضهم موكلون بتوفي الأرواح، وبعضهم موكلون بحفظ بني ءادم، يحفظونهم من تلاعب الجن بهم إلا أنهم لا يمنعون وقوع القدر، فما شاء الله تعالى كان وما لم يشأ لم يكن، ومنهم موكلون بتبليغ السلام إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم من أمته ومنهم موكلون بكتابة ما يسقط من ورق الشجر.

     والملائكة الكرام خلق من خلق الله تعالى، وأصل خلقتهم ليست كخلقة البشر بل هي خلقة خاصة، فأصل الملائكة نور، خلقهم الله تبارك وتعالى من نور كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم ” اهـ وقد خلق الله تبارك وتعالى ملائكته ذوي أجنحة، فهذا له جناحان وهذا له أربعة وهذا له ستة وهذا له أكثر من العدد، يزيد الله تبارك وتعالى بعضهم على بعض في ذلك، فقد ورد في الحديث الشريف عن نبينا صلى الله عليه وسلم أن جبريل عليه السلام الذي هو رئيس الملائكة خلق على ستمائة جناح. فسبحان الخلاق العظيم الذي يخلق ما يشاء ويفعل ما يريد، قال الله تبارك وتعالى ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۚ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) ﴾ وقد ثبت أن ملائكة الرحمن عليهم السلام يتشكلون أحيانا بغير صورهم الأصلية التي خلقهم الله تعالى عليها ، فقد ثبت في الحديث الشريف الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيء جبريل أمين الوحي إلى النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم بصورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ولكن اعلموا رحمكم الله أن الملائكة إذا ما تصوروا بصورة رجل لا يكون لهم ءالة الذكورية كما أنهم لا يتصورون بشكل أنثى كما يزعم بعض أصحاب الملل من غير المسلمين حتى إنهم يصنعون لهم تماثيل نسائية ذات جناحين، وهو خلاف عقيدة المسلمين قال تعالى﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنثَىٰ (27) ﴾ فليحذر من اعتقاد ذلك.

     وقد يتشكل الملك أيضا بصورة طير، وأما الأفعى والعقرب والكلب والخنزير ونحوها فالملائكة المكرمون لا يتشكلون بصورها.

     واعلموا أحبتنا أن الملائكة الكرام هم أولياء الله وأحبابه، وهم عباد لله مكرمون، وقد مدحهم الله تعالى في القرءان فقال الله تبارك وتعالى في وصفهم ﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(6) ﴾ وقال عليه الصلاة والسلام ” ما في السماوات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كف إلا وفيه ملك قائم أو ملك راكع أو ملك ساجد ” اهـ دأبهم الطاعة يصلون ويسبحون لا يفترون فلا يجوز سبهم ولا الإستهزاء بهم بل قال العلماء إن من سب ملكاً من الملائكة كفر وخرج من الدين والعياذ بالله تعالى، فقد قرن الله تعالى من عادى الملائكة بمن عاداه، ثم بين سبحانه أن هؤلاء المعادين كفار فقال الله تعالى ﴿ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ (98)﴾. وأما إبليس فليس من الملائكة، بل هو من الجن، والدليل على ما ذكرناه في القرءان الكريم قوله تعالى عن إبليس﴿ إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾ وقوله عز وجل ﴿وان عليك لعنتي الى يوم الدين ﴾ فلو كان إبليس ملكاً من الملائكة لما عصى الله تعالى ولما كفر، لأن الله تبارك وتعالى قال في القرءان الكريم في وصف ملائكته﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ وقال سبحانه ﴿لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27)﴾

     وما قاله بعض الناس عن إبليس إنه كان طاووس الملائكة أي رئيسهم المقدم فيهم فهو باطل لا أصل له يعارض ما تقدم من الآيات ويناقض صفات الملائكة الثابتة لهم في الشريعة.

     وقد قال العلماء بوجوب العصمة للملائكة كلهم من المعاصي والذنوب، فما يروى عن الملكين هاروت وماروت أنهما ركبت فيهم الشهوة ففتنا بامرأة يقال لها الزهرة وأنهما عصيا الله تعالى بأن شربا الخمر وزنيا بهذه المرأة ثم قتلا نفساً بغير حق وأن هذه المرأة مسخت بعد ذلك كوكباً فهذا كله كلام باطل وهي قصة مكذوبة ليس لها أساس من الصحة ولا يجوز اعتقادها. وقوله تبارك وتعالى في القرءان الكريم في حق الملكين هاروت وماروت ﴿يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ﴾ فمعناه أن هذين الملكين كانا يعلمان الناس نوعا من السحر ليعرف الناس الفرق بين السحر والمعجزة لا بقصد أن يعملوا به فافهم يا أخي المسلم ذلك واثبت على العقيدة الحقة عقيدة أهل السنة والجماعة التي كان عليها الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح تفز فوزاً عظيماً.

 اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وتوفنا وأنت راض عنا أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

< Previous Post

خطبة الجمعة | الغيبة

Next Post >

من معجزات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (الجزء الأول)

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map