بدعوة خاصة من مفتي مصر أ.د شوقي إبراهيم علام، شارك سماحة الأستاذ الشيخ سليم علوان الأمين العام لدار الفتوى المجلس الإسلامي الأعلى الأسترالي، في المؤتمر الدولي للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم بدورته السادسة تحت عنوان “مؤسسات الفتوى في العصر الرقمي” “تحديات التطوير وآليات التعاون “في العاصمة المصرية القاهرة يومي الثاني والثالث من الشهر الجاري للعام 2021، برعاية كريمة من فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس مصر. بحضور وفود من خمس وثمانين دولة يمثلون كبار المفتين والوزارات والشخصيات العامة، كما شهد مشاركة نخبة من القيادات الدينية وممثلين دور الإفتاء على مستوى العالم.
حيث أكد سعادة أ.د. إبراهيم نجم كبير مستشاري مفتي مصر وأمين عام الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم أن جلسات المؤتمر ستتركز على بحث عدد من المشروعات وورش عمل ومبادرات مهمة تثري الحقل الافتائي في العالم، كما سيتم الإهتمام بشكل خاص على تحليل القضايا المتعلقة بالتحديات التي تواجه التطور التقني والدخول بالمؤسسات الإفتائية إلى عصر الرقمنة عبر دعم التحول الرقمي، وكل ما يحقق مقاصد الشريعة الإسلامية السمحاء.
وقال الدكتور نجم “لقد تم إطلاق عدد من المبادرات الهامة التي يمكن تعريفها على أنها خطوات نوعية نحو التحول الرقمي في مؤسسات الفتوى في ضوء تطوير آليات التعاون المشترك خاصة عندما يتعلق الأمر بمعالجة الأوبئة والأزمات”.
الشيخ الدكتور سليم علوان يخاطب المشاركين في مؤتمر دار الافتاء المصرية الدولي السادس (القاهرة)
الحمد لله ثم الحمد لله، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين سيدنا وقائدنا محمد وعلى جميع إخوانه النبيين والمرسلين وعلى ءاله وصحبه وأزواجه وذريته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، يقول الله تعالى:
{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
أيها السادة الحضور فردا فردا، كلٌ بجميل اسمه وكريم وصفه.
كما هو معلوم لديكم أنه لا يخلو عصر من الأوبئة والأمراض التي تتنوع أشكالها وطرق انتشارها، وتختلف الأمم في سبل مواجهتها، ولكن المنهج الإسلامي، الذي عمّت أطروحاته مناحي الحياة كافة، يتميز بأنه فصل الخطاب فيما يتناوله من قضايا ومشكلات، وذلك لسببين أحدهما أنه يستند إلى الوحيين الكتاب والسنة، والثاني قاعدته العامة في إسناد الأمور إلى أهل الاختصاص؛
{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}
[النحل: 43].
وإن العالم يعيش الآن في ظروف قاسية يرق لها القلب ويندى لها الجبين؛ جراء ما أصابه من فيروس (كورونا كوفيد- 19) المستجد، الأمر الذي يستدعي الجميع لشحذ هممهم في مواجهة هذا الفيروس العضال، كل حسب تخصصه ومجاله؛ فالطبيب يعالج المرضى من الأسقام والأوجاع، ويحاول اكتشاف دواء وعلاج له، ورجال الدولة يستخدمون سلطاتهم للحد من هذا المرض والوقاية منه، والمواطن العادي في المجتمع يعمل بالاحترازات الوقائية في مواجهته، ولم يكن عالم الدين بمنأى عن هذه المواجهة، بل عليه عبء كبير وثقل شديد؛ وذلك بالنظر في العبادات من حيث حال الناس مع الفيروس؛ ليصدر الفتاوى التي تتماشى وحال الناس والوقاية من التسبب بالإصابة بهذا الفيروس.
فصحة الأبدان وعافيتها، من النعم التي مَنَّ الله تعالى علينا بها، فينبغي منا المحافظة عليها، وذلك باتخاذ أساليب الوقاية الصحية، فإنَّ درهم وقاية، خير من قنطار علاج، ومن أهم أساليب الوقاية الصحية، النظافة، فقد شرع الله عز وجل لنا الوضوء، وهو درس بليغ في أهمية النظافة، وكذلك استحباب غسل اليدين قبل الطعام وبعده، واستحباب غسل اليد قبل مباشرة الاستنجاء، وبعد أن يكون أتم الاستنجاء على الوجه المطلوب، إلى ما هنالك من فوائد صحية جاء بها الشرع الحنيف. فقد كان سيدي رسول الله r تعليما لأمته الآداب الإسلامية إِذَا عَطَسَ غَطَّى وَجْهَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِثَوْبِهِ وَغَضَّ بِهَا صَوْتَهُ[1].
وأما معنى قول النبي r: لَا عَدْوَى[2].اهـ فهو على الوجه الذي كانوا يعتقدونه في الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير الله تعالى، وقد يجعل الله بمشيئته مخالطة الصحيح مَنْ به شىء من هذه العيوب سببًا لحدوث ذلك، ولهذا قال r: فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ[3].اهـ وَقَالَ: لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ[4].اهـ وكلُّ ذلك بتقدير الله تعالى. والـمُصِحُّ: الذي صَحَّت ماشيتُهُ من الأمْراض والعَاهاتِ: أي لا يُورِد مَنْ إِبلُه مَرْضَى على مَنْ إِبلُه صِحاَح ويَسْقِيها مَعَها. وهذا كله من باب العمل بالأسباب، ولا ينافي العقيدة الراسخة أنه لا خالق إلا الله، وأن المرض لا يعدي بطبعه، وإنما يحصل الضرر بمشيئة الله وخلقه.
أيها السادة الحضور:
لا يخفى على أحد منا ما حلّ بالبلاد والعباد من انتشار مرض كورونا وما أدى إلى أزمات صحية واقتصادية واجتماعية وسياسية وغيرها.
وكان للمرجعيات الدينية ومنها دار الفتوى الأسترالية، موقفا واضحا وصريحا، إلى جانب حكومات البلاد وخاصة الوزارات الصحية المختصة، باتخاذ أساليب الوقاية الصحية، تخفيفا أو منعا من انتشار هذا الفيروس.
والعمل بهذه التعليمات والإرشادات، لم يمنعنا من الاستمرار قدما في نشر الدعوة، فقد وجدنا فيما يسمى بالتقنية الرقمية أو منصات التواصل الاجتماعي نافذة نطل بها على المجتمع وذلك لإيصال رسائل التوعية والتوجيه والحث على الالتزام بالقوانين المتبعة تحت هذه الظروف الصعبة منعا من تزايد حالات الإصابة.
من هنا كانت دار الفتوى السباقة في الاستفادة من هذه التقنيات الحديثة فكانت الدروس والتوجيهات تبث بشكل شبه يومي على منصات التواصل الاجتماعي وذلك للتأكيد على مبدأ التعاون على البر والتقوى وسعيا إلى التناصح والدعوة إلى الله بالموعظة الحسنة. وكذلك تابعت دار الفتوى تقديم الفتاوى التي يحتاجها الناس في ظل بزوغ هذا المرض. كما قامت دار الفتوى بتوزيع المعونات الغذائية على المتضررين بسبب الركود الاقتصادي.
الفتاوى الرقمية
منذ ظهوره في تسعينيات القرن الماضي، أصبح الإنترنت ركيزة محورية في تحديد الهوية الاجتماعية ومعالم الحياة في المجتمعات ذات الأقليات المُسلمة، وبعد ذلك بفترة وجيزة لحقت بها المجتمعات ذات الأغلبية المُسلمة.
وقد بشَّر علماء الاجتماع بهذا التطوّر، وشرعوا بدراسة تأثيراته على الهياكل القائمة للمرجعية الدينية. وتعد الإرشادات والتوجيهات الأخلاقية الإسلامية من بين أهم المزايا التي وفرها الإنترنت.
[1] رواه الترمذي وغيره
[2] متفق عليه
[3] رواه أحمد وغيره
[4] رواه مسلم وغيره.
انقر هنا للحصول على كامل النص
Click for English