فَضَائِلُ رَمَضَانَ

شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ وَءاخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّار

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستهديهِ ونشكرُه ونستغفرُه وَنَتُوبُ إليهِ ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا شبيهَ وَلا مِثْلَ وَلا نِدَّ لَهُ، وَلا حَدَّ وَلا جُثَّةَ ولا أعضاءَ لهُ، أَحَدٌ صمدٌ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لهُ كُفُوًا أَحَد، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائِدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه، مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشرًا ونذيرًا. اللهمَّ صَلِّ وسلِّمْ علَى سَيِّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِه وصَفْوَةِ صَحْبِه.

أما بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أُوصيكُمْ ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ وَأَسْتَفْتِحُ بِالّذِي هُوَ خَيرٌ وإِنَّ خَيرَ الكلامِ كَلامُ اللهِ، يَقولُ اللهُ تعالَى ﴿شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٍ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ١٨٥﴾[1].

رُوِيَ عن سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ رضي الله عنه أنهُ قالَ خَطَبَنا رَسولُ اللهِ ءاخِرَ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ فَقَالَ يَا أَيُّها النَّاسُ قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ مُبَارَكٌ شَهْرٌ فِيهِ ليلَةٌ خيرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، شهرٌ جعلَ اللهُ صيامَهُ فَرِيضَةً وقِيامَ لَيْلِهِ تَطَوُّعًا وَهُوَ شَهْرُ الصَّبْرِ، وَالصَّبْرُ ثوابُه الجنّة، شَهْرُ الْمُوَاسَاةِ مَنْ فَطَّرَ فيهِ صَائِمًا كانَ مَغْفِرَةً لِذُنُوبِهِ وَعِتْقَ رَقَبَتِهِ مِنَ النَّارِ وَكانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَىء قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ ليسَ كُلُّنا يَجِدُ مَا يُفَطِّرُ الصَّائِمَ، فقالَ عليهِ الصّلاةُ والسلام يُعطِي اللهُ هذَا الثّوابَ مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا علَى تَمْرَةٍ أَوْ عَلَى شَرْبَةِ مَاءٍ أَوْ مَذْقَةِ لَبَنٍ، وَمَنْ سَقَى صَائِمًا سَقَاهُ اللهُ مِنْ حَوضِي شَرْبَةً لا يَظْمَأُ بَعْدَهَا حَتَّى يَدْخُلَ الجنّةَ، وهُوَ شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ وَءاخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ اﻫ[2]

وَقَدْ وَرَدَ فِي مَا رَواهُ البيهقيُّ في شُعَبِ الإيمانِ أنَّ اللهَ تعالى يُعْتِقُ في كُلِّ يَوْمٍ مِنْ رَمَضانَ عِنْدَ الإِفطارِ أَلْفَ أَلْفِ عَتِيقٍ مِنَ النَّارِ وَفِي ءاخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضانَ يُعْتِقُ بِقَدْرِ مَا أَعْتَقَ مِنْ أَوَّلِ الشّهرِ إلَى ءاخِرِه، جعَلَنا اللهُ مِنْ عُتَقَاءِ هذَا الشَّهْرِ المبارَك.

إخوةَ الإيمانِ، لَقَدْ أَكْرَمَنَا رَبُّ العِزَّةِ بأَنْ جَعَلَ لَنَا مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الشُّهورِ شَهْرًا نَقْضِي بياضَ نَهارِه فِي عِبادَةٍ عَظِيمَةٍ ذَاتِ حِكَمٍ سَامِيَةٍ وَثَوَابٍ جَزِيلٍ فَلا بُدَّ أن نَثْبُتَ علَى الصِّيامِ في هَذِهِ الأَيّامِ الحارَّةِ الطَّويلَةِ مُقْبِلِينَ على هذهِ الطّاعَةِ العَظِيمَةِ بِكُلِّ هِمَّةٍ وَعَزْمٍ وَحَمَاسٍ وَلا بُدّ لنا أَنْ نُشَمِّرَ عن سَواعِدِ الجِدِّ لِنَيْلِ الحسَنَاتِ وَالخَيْرَات.

حقًّا إِنَّ رَمَضانَ شهرُ الخَيرَات، شهرُ العَطْفِ، شهرُ الانتِصارِ علَى النَّفْسِ، شَهْرُ الانتِصارِ علَى نَوازِعِ الشّيطانِ، وَحَرِيٌّ بنَا فِي هذَا الشَّهْرِ الفَضِيلِ الْمُبارَكِ الذِي أُنْزِلَ فيهِ القُرْءانُ أَنْ نَقْتَفِيَ ءاثارَ النَّبِيِّ الأَعْظَمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ عليهِ أفضَلُ الصَّلاةِ والسّلامِ الذِي صَبَرَ وَلاقَى الْمَشَقَّاتِ في سَبِيلِ اللهِ، في سبيلِ إِعلاءِ كلمةِ لا إلهَ إلا الله، في سَبيلِ نَشْرِ الْحَقِّ وَالْخَيْرِ بَيْنَ النّاس.

حَقًّا إِنَّ رَمَضانَ شَهْرٌ تُسْتَلْهَمُ مِنْهُ العِبَر، شهرُ الإيمانِ الذِي قُلِبَتْ بِهِ الموازِينُ حيثُ عَلَّمنا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الكَرامَةَ عندَ اللهِ فِي الآخرَةِ لا تَكونُ لِغَيْرِ أَهْلِ الإِيمانِ فَاطْمَأَنَّتْ كَثِيرٌ مِنَ القُلُوبِ، وَسَكَنَتْ بِهذِهِ العَقِيدَةِ النُّفوسُ، العقيدةِ الإسلاميةِ التِي وَحَّدَتْ بينَ أبِي بَكْرٍ القُرَشِيِّ وبِلالٍ الحَبَشِيِّ وصُهيب الرُّومِي.

لقَدْ حَوَّلَتْ عَقِيدَةُ الإسلامِ الصّحابَةَ إلَى رِجالٍ ءامَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ فلَمْ تَكُنِ الدُّنيا أَكْبَرَ هَمِّهِمْ وَلا مَبْلَغَ عِلْمِهِمْ وَقَادُوا المسِيرَةَ حقَّ القِيادَةِ حتَّى وَصَلَ الإِسلامُ إلَى ما وَصَلَ إليهِ في بِقَاعِ الدُّنيا، رِجَالٌ ذَوُوا نُفُوسٍ رَضِيَّةٍ وعزائِمَ قَوِيَّةٍ لا تَلِين. وهكذَا إِخْوَةَ الإيمانِ فِي هذَا الشهرِ العَظِيمِ المبارَكِ فَلْيَتَطَلَّعِ الوَاحِدُ مِنَّا إلَى هؤلاءِ الرِّجالِ الرِّجال.

أيّها الأَحِبَّةُ المؤمِنُون، اغتَنِمُوا فَضَائِلَ هذَا الشّهرِ راجِينَ السَّلامَةَ منَ اللهِ تعالَى حتَّى يَنْقَضِيَ رَمَضَانُ وَقَدْ غُفِرَ لَكُمْ فَقَدْ أَخْبَرَ النبِيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ أَنَّ شَهْرَ رَمضانَ إِذَا اسْتَهَلَّ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ وأَبْوَابُ الجِنانِ وغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّياطينُ وكانَ للهِ عَزَّ وجلَّ عندَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَة.

جَعَلَنِي اللهُ وَإِيّاكُمْ مِنْ عُتَقَاءِ هذَا الشَّهْرِ الكَرِيمِ وَأَسْأَلُهُ تعالَى أَنْ يُعينَنا علَى الصِّيامِ وَالقِيَامِ وصِلَةِ الأَرْحَامِ بِجَاهِ محمدٍ خَيرِ الأَنَام.

هذا وأستغفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم.

 

[1] سورة البقرة/185.

[2] رواه البيهقي وغيره.

< Previous Post

خطبة الجمعة | ثبوت رمضان برؤية الهلال عيانيا لا بولادته حسابيا

Next Post >

احفظ ولدك

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map