احفظ ولدك

خطبة الجمعة 28-4-2023       

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضد ولا ند له، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وقائدنا وقرة أعيننا محمدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيًا من أنبيائه، صلى الله وسلم عليه وعلى كل رسول أرسله.

أما بعد عباد الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم، يقول اللهُ تعالى في القرءان الكريم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].

فقد جَاءَ فِي تَفْسِيرِ الآيَةِ أَنَّ اللَّهَ تعالى يَأْمُرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلَهُمُ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ بِتَعَلُّمِ الأُمُورِ الدِّينِيَّةِ، وَتَعْلِيمِ أَهْلِيهِمْ ذَلِكَ أَيْ مَعْرِفَةِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ. أي: فقّهوهم، وأدّبوهم، وادعوهم إلى طاعة الله، وامنعوهم عن استحقاق العقوبة بإرشادهم وتعليمهم. ودلّت الآية: على وجوب الأمر بالمعروف في الدّين للأقرب فالأقرب.

ذكر القشيري أن سيدنا عمر رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَقِي أَنْفُسَنَا، فَكَيْفَ لَنَا بِأَهْلِينَا؟ فَقَالَ: تَنْهَوْنَهُمْ عَمَّا نَهَاكُمُ اللَّهُ وَتَأْمُرُونَهُمْ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ.اهـ

وقال سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه في تفسير هذه الآية: «‌عَلِّمُوا ‌أَنْفُسَكُمْ ‌وَأَهْلِيكُمُ الْخَيْرَ».اهـ صححه الحاكم ووافقه الذهبي.

وذكر القشيري في رسالته أنه جاء فِي التفسير عَنِ ابْن عَبَّاس: فقهوهم وأدبوهم.اهـ

ومن وسائل هذه الوقاية القيام بحقوقهم، وإعانتهم على البِرِّ، فقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنَّفه، في باب ما جاء في حقِّ الولد على والده، من طريق الشَّعبي، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «رَحِم اللهُ والدًا أعان ولدَه على برِّه».

وقد تَرجم الإمام البخاريُّ في الأدب المفرد: ‌‌‌بَابُ ‌بِرِّ ‌الْأَبِ ‌لِوَلَدِهِ، وساق عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إِنَّمَا سَمَّاهُمُ اللَّهُ أَبْرَارًا، لِأَنَّهُمْ بَرُّوا الْآبَاءَ وَالْأَبْنَاءَ، كَمَا أَنَّ لِوَالِدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، كَذَلِكَ لِوَلَدِكَ عَلَيْكَ حَقٌّ. اهـ

وتَرجم الإمام البخاريُّ في الأدب المفرد أيضا: ‌‌‌بَابُ ‌أَدَبِ ‌الْوَالِدِ وَبِرِّهِ لِوَلَدِهِ، وساق عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ نُمَيْرِ بْنِ أَوْسٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ: كَانُوا يَقُولُونَ- أي السلف الصالح-: الصَّلَاحُ مِنَ اللَّهِ، وَالْأَدَبُ مِنَ الْآبَاءِ.اهـ

إخوة الإيمان:

ومن أهمِّ وسائل الوقاية: تعليمهم علومَ الدِّين، لا سيما العقيدة السنية، وتدريبهم على الصَّلاة، وعلى العِبادات الأخرى، وتربيتهم على الفَضائل، وإبعادهم عن الرَّذائل، وتوفير سُبل حصانتهم من الوقوع في مصايد الشَّيطان وحبائله.

والوالد مسؤول عن ذلك، فقد جاء عن عبد الله بن عمر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، ‌وَالرَّجُلُ ‌رَاعٍ ‌عَلَى ‌أَهْلِ ‌بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». رواه البخاري ومسلم.

فكما أنَّ الأب يَخشى على أولاده من برد الشتاء وحرِّ الصيف، فلا بدَّ أن يَخشى عليهم من نار جهنَّم، فيحيطهم بالرِّعاية والتربية الإسلامية، وسوف يُسأل عن ذلك إنْ هو قصَّر فيما أوجب الله عليه، قال عليه الصلاة والسلام:« إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ أَمْ ضَيَّعَ، ‌حَتَّى ‌يَسْأَلَ ‌الرَّجُلَ ‌عَنْ ‌أَهْلِ ‌بَيْتِهِ» أخرجه ابن حبان في صحيحه.

ولهذا كان من مَحاسن هذه التربية الصحيحة أنَّها تحفظهم من الانحِرافات العقديَّة، والسلوكية، والفِكرية، وهي تحصنهم من مَظاهر الغلوِّ والتطرُّف.

وقد ذَكر العلماءُ رحمهم الله تعالى أنَّ الوليَّ يَنبغي له تأمُّلُ حال الصَّبي وما هو مستعدٌّ له. ومما ينبغي من الآباء فعله تجاه الأبناء استحضارُ حقوقهم في الذِّهن، وعَرْضُهم على الصَّالحين، وتربيتُهم وتوجيهُهم إلى العلم والعمل، وإحضارهم مجالسَ العلم، وتفخيمُ أمر العلم في نفوسهم، والنَّفقة عليهم في تعلُّم العلم النَّافِع، وتعليمهم أدبَ الكلام، وبرُّهم ورعاية مشاعرهم، وتعليمُهم اختيار الأصدِقاء، وتضافر جهود الأسرة والأقارب على هذه الرِّعاية، وعدم إدخال الغمِّ عليهم،  وإعانتهم على سُبُل الخير، ومن الإعانة الإحسان إليهم وهم صِغار، وتوقيرهم إن بلَغوا سنَّ مَن يوقَّر، وبألَّا يَطلب منهم ما لا يَقدرون عليه، ولا يَطلب منهم ما يَحرُم فعلُه، فضلًا عن المكروه.

ومن ذلك: ما يقوم به بعضُ الآباء بتحريض أبنائهم على قَطْع الرَّحِم، وعلى الابن التعامل بالحِكمة مع الوالدين وبكلِّ هدوء ولُطْف. وأن يَقبَل من محسنهم إذا أحسَن، ويتجاوَز عن إساءة مَن أساء منهم، والتغاضي عن هفواتهم.

ومما ينبغي من الآباء فعله تجاه الأبناء: الدُّعاء لهم، وتحرِّي ذلك في الأمكنة والأزمنة المبارَكة، وعدم الدعاء عليهم لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، ‌وَلَا ‌تَدْعُوا ‌عَلَى ‌أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ». رواه مسلم.

ولكن ممَّا ينبغي بيانه: أنَّ تقصير الآباء في حقوق الأبناء لا يبرِّر عقوقَ الأبناء وتقصيرهم في حقوق والديهم.

نسأل اللهَ تعالى أن يهَبَ لنا من أولادنا قرَّةَ أعيُن.

هذا وأستغفر الله لي ولكم

< Previous Post

فَضَائِلُ رَمَضَانَ

Next Post >

خطبة الجمعة | عِلْمُ الدّينِ حَياةُ الإسلامِ الجزء الأول – في الحَثّ على التَّعَلُّمِ

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map