َينْبَغِي لِلإِنْسَانِ الْيَوْمَ أَنْ يَعْمَلَ جُهْدَهُ فِي عَمَلِ الْحَسَنَاتِ.
الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ لِلنِّسَاءِ: " عَلَيْكُنَّ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّقْدِيسِ وَاعْقِدْنَ عَلَيْهَا بِالأَنَامِلِ فَإِنَّهُنَّ مَسْؤُولاَتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ ". قَالَ: "إِنَّهُنَّ" أَيِ الأَنَامِلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُسْأَلُ وَتَشْهَدُ، اللهُ يُنْطِقُهَا فَتَتَكَلَّمُ، كَمَا أَنْطَقَ اللِّسَانَ يُنْطِقُ اللهُ هَذِهِ، إِنْ سَبَّحْتَ اللهَ بِهَا، إِنْ عَمِلْتَ بِهَا خَيْرًا تَشْهَدُ. كَمَا أَنَّهُ إِنْ عَمِلْتَ بِهَا مَعَاصِي تَشْهَدُ أَيْضًا. يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَظْهَرُ أُمُورٌ غَرِيبَةٌ. فِي الدُّنْيَا حَصَلَ نُطْقُ الْجَمَادِ وَفِي الآخِرَةِ أَكْثَرُ وَأَكْثَرُ. فِي الدُّنْيَا حَصَلَ شَىءٌ مِنْ نُطْقِ الْجَمَادَاتِ اللهُ أَنْطَقَهَا. الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَمْشِي فِي بَعْضِ جِبَالِ مَكَّةَ الشَّجَرُ وَالْحَجَرُ الَّذِي يَسْتَقْبِلُهُ يَقُولُ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ. وَالشَّجَرُ شَهِدَتْ للهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَلِلرَّسُولِ بِالرِّسَالَةِ نُطْقًا. مَرَّةً كَانَ أَعْرَابِيٌّ مُشْرِكٌ كَافِرٌ لَقِيَهُ الرَّسُولُ، رَءَاهُ الرَّسُولُ، نَادَاهُ، قَالَ لَهُ: "هَلْ لَكَ فِي عَمَلِ خَيْرٍ؟ قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: " تَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ الله". قَالَ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ قَالَ: "هَذِهِ الشَّجَرَةُ". فَدَعَاهَا. كَانَتْ فِي الْجَانِبِ الآخَرِ. نَادَاهَا فَجَاءَتْ تَشُقُّ الأَرْضَ مِنْ دُونِ أَنْ تَنْقَلِعَ مِنَ الأَرْضِ فَقَالَ لَهَا الرَّسُولُ: " أَتَشْهَدِينَ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ؟" فَشَهِدَتْ ثَلاَثًا. فَهَذَا الْكَافِرُ لَمَّا رَأَى هَذَا أَسْلَمَ، وَقَبَّلَ رَأْسَ الرَّسُولِ وَرِجْلَهُ، مِنْ شِدَّةِ إِعْجَابِهِ بِهِ وَحُبِّهِ. هَذَا حَصَلَ فِي الدُّنْيَا أَمَّا فِي الآخِرَةِ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ مِنَ الْجَمَادَاتِ تَنْطِقُ. الأَرْضُ الَّتِي يَعْمَلُ عَلَيْهَا الإِنْسَانُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ تَنْطِقُ، اللهُ يُعِيدُ مَا لِهَذَا الشَّخْصِ وَمَا لِهَذَا الشَّخْصِ، تَقُولُ: "فُلاَنٌ عَمِلَ عَلَيَّ يَوْمَ كَذَا كَذَا". إِنْ كَانَ عَمِلَ خَيْرًا وَإِنْ كَانَ عَمِلَ عَلَيْهَا شَرًّا. ثُمَّ لِغَيْرِ الرَّسُولِ أَيْضًا حَصَلَ نُطْقُ الْجَمَادِ. رَجُلٌ مِنَ الأَوْلِيَاءِ التَّابِعِينَ (أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلاَنِيّ) لَمْ يَرَ الرَّسُولَ لَكِنْ رَأَى أَصْحَابَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ يُسَبِّحُ بِسُبْحَةٍ حَتَّى أَغْفَى فَصَارَتِ السُّبْحَةُ تَدُورُ وَتُسَبِّحُ اللهَ وَهُوَ نَائِمٌ، تَقُولُ: "سُبْحَانَكَ يَا مُنْبِتَ النَّبَاتِ وَِيَا دَائِمَ الثَّبَاتِ". مَعْنَاهُ يَا دَائِمَ الْوُجُودِ أَيِ الَّذِي لاَ يَفْنَى وَلاَ يَمُوتُ. ثُمَّ هُوَ اسْتَيْقَظَ وَهِيَ تَدُورُ عَلَى ذِرَاعِهِ تُسَبِّحُ، فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ: "تَعَالَيْ انْظُرِي إِلَى أَعْجَبِ الأَعَاجِيبِ"، السُّبْحَةُ سَكَتَتْ. فَيَنْبَغِي لِلإِنْسَانِ الْيَوْمَ أَنْ يَعْمَلَ جُهْدَهُ فِي عَمَلِ الْحَسَنَاتِ حَتَّى تَشْهَدَ لَهُ بِالْخَيْرِ الَّذِي عَمِلَ عَلَيْهَا.
(أَغْفَى: نَعَسَ، نَامَ نَوْمَةً خَفِيفَةً).
(قَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَأَغْفَى نَامَ عَلَى الْغَفَا وَهُوَ التِّبْنُ فِي بَيْدَرِهِ).