بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وءاله وصحبه وبعد
حقوق الأبناء على اﻵباء
يقول اللهُ تعالى في القرءان الكريم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].
فقد جَاءَ فِي تَفْسِيرِ الآيَةِ أَنَّ اللَّهَ تعالى يَأْمُرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلَهُمُ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ بِتَعَلُّمِ الأُمُورِ الدِّينِيَّةِ، وَتَعْلِيمِ أَهْلِيهِمْ ذَلِكَ أَيْ مَعْرِفَةِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ.
ذكر القشيري أن سيدنا عمر رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَقِي أَنْفُسَنَا، فَكَيْفَ لَنَا بِأَهْلِينَا؟ فَقَالَ: تَنْهَوْنَهُمْ عَمَّا نَهَاكُمُ اللَّهُ وَتَأْمُرُونَهُمْ بِمَا أَمَرَ. اهـ
وروى الحاكم في المستدرك بإسناد قوي عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في تفسير هذه الآية: علموا أنفسكم وأهليكم الخير.اهـ
ومن وسائل هذه الوقاية القيام بحقوقهم، وإعانتهم على البِرِّ، فقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنَّفه، في باب ما جاء في حقِّ الولد على والده، من طريق الشَّعبي، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((رَحِم اللهُ والدًا أعان ولدَه على برِّه)).
وقد تَرجم البخاريُّ في الأدب المفرد: “باب بر الأب لولده”، وساق عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إِنَّمَا سَمَّاهُمُ اللَّهُ أَبْرَارًا، لِأَنَّهُمْ بَرُّوا الْآبَاءَ وَالْأَبْنَاءَ، كَمَا أَنَّ لِوَالِدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، كَذَلِكَ لِوَلَدِكَ عَلَيْكَ حَقٌّ. اهـ
وقد عدَّها الإمام البيهقي شُعبةً من شعب الإيمان، قال رحمه الله: السِّتُّونَ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ وَهُوَ بَابٌ فِي حُقُوقِ الْأَوْلَادِ وَالْأَهْلِينَ وَهِيَ قِيَامُ الرَّجُلِ عَلَى وَلَدِهِ وَأَهْلِهِ وَتَعْلِيمُهُ إِيَّاهُمْ مِنْ أُمُورِ دِينَهِمْ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، فَأَمَّا الْوَلَدُ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ وَمَوْهِبَةٌ وَكَرَامَةٌ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: 72] وَقَالَ: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى: 49] فَامْتَنَّ عَلَيْنَا بِأَنَ أَخْرَجَ مِنْ أَصْلَابِنَا أَمْثَالَنَا، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْأُنْثَى مِنَ الْأَوْلَادِ مَوْهِبَةٌ وَعَطِيَّةٌ كَالذَّكَرِ مِنْهُمْ، وَذَمَّ قَوْمًا تَسُؤُهُمُ الْبَنَاتُ، فَيَتَوَارَوْنَ مِنَ الْقَوْمِ لِئَلَّا يَذْكُرُوهُنَّ لَهُمْ، قَالَ: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ} [النحل: 59] فَكُلُّ مَنْ وُلِدَ لَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَدٌ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى فَعَلَيْهِ أَنْ يَحْمَدَ اللهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلَى أَنْ أَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ نَسَمَةً مِثْلَهُ تُدْعَى لَهُ، وَتُنْسَبُ إِلَيْهِ، فَيَعْبُدُ اللهَ لِعِبَادَتِهِ، وَيُكَثِّرُ بِهِ فِي الْأَرْضِ أَهْلَ طَاعَتِهِ، ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ حِدْثَانَ مَوْلِدِهِ بِعِدَّةِ أَشْيَاءَ:
أَوَّلِهَا: أَنْ يُؤَذِّنَ فِي أُذُنَيْهِ حِينَ يُولَدُ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُؤَذِّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَيُقِيمَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى. ( لحديث:«مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى لَمْ تَضُرَّهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ»).
الثَّانِيَةُ: أَنْ يُحَنِّكَهُ بِتَمْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِحُلْوٍ يُشْبِهُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ مِنْهُ مَنْ يُرْجَى خَيْرُهُ وَبَرَكَتُهُ ( عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: وُلِدَ لِي غُلَامٌ، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ وَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ ” أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنَ الزِّيَادَةِ، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، وَدَفَعَهُ إِلَيَّ، وَكَانَ أَبَكْرَ وَلَدِ أَبِي مُوسَى)
وَالثَّالِثَةُ: أَنْ يَعُقَّ عَنْهُ .(قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَقِيقَةِ عَنِ الْغُلَامِ: ” شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ “)
وَالرَّابِعَةُ: أَنْ يَحْلِقَ عَقِيقَتَهُ وَهُوَ شَعَرُ رَأْسِهِ الَّذِي وُلِدَ بِهِ ( لحديث: وَزَنَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَعَرَ حَسَنٍ، وَحُسَيْنٍ، وَزَيْنَبٍ، وَأَمِّ كُلْثُومَ، فَتَصَدَّقَتْ بِوَزْنِ ذَلِكَ فِضَّةً)
وَالْخَامِسَةُ: أَنْ يُسَمِيَهُ (لحديث: كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ، يُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ، وَيُسَمَّى، وحديث: إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ، فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ)
وَالسَّادِسَةُ: أَنْ يَخْتِنَهُ (لحديث: ” الْفِطْرَةُ خَمْسٌ “، أَوْ: ” خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ “)
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ: وَأَمَّا التَّعْلِيمُ وَالتَّأْدِيبُ فَوَقْتُهُنَّ أَنْ يَبْلُغَ الْمَوْلُودُ مِنَ السِّنِّ وَالْعَقْلِ مَبْلَغًا يَحْتَمِلُهَا، وَذَلِكَ يَتَفَرَّعُ، فَمِنْهَا أَنْ يُنَشِّئَهُ عَلَى أَخْلَاقِ صُلَحَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَصُونَهُ عَنْ مُخَالَطَةِ الْمُفْسِدِينَ، وَمِنْهَا: أَنْ يُعَلِّمَهُ الْقُرْءانَ وَلِسَانَ الْأَدَبِ وَيُسْمِعَهُ السُّنَنَ، وَأَقَاوِيلَ السَّلَفِ، وَيُعَلِّمَهُ مِنْ أَحْكَامِ الدِّينِ مَا لَا غِنَى بِهِ عَنْهُ، وَمِنْهَا: أَنْ يُرْشِدَهُ مِنَ الْمَكَاسِبِ إِلَى مَا يُحْمَدُ وَيُرْجَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ كِفَايَتَهُ، فَإِذَا بَلَغَ أَحَدُهُمْ حَدَّ الْعَقْلِ عُرِّفَ الْبَارِئَ جَلَّ جَلَالُهُ إِلَيْهِ بِالدَّلَائِلِ الَّتِي تُوصِلُهُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْمِعَهُ مِنْ مَقَالَاتِ الْمُلْحِدِينَ شَيْئًا، وَيَذْكُرُهُمْ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ أَحْيَانًا، وَيُحَذِّرُهُ إِيَّاهُمْ، وَيُنَفِّرُهُ عَنْهُمْ، وَيُبَغِّضُهُمْ إِلَيْهِ مَا اسْتَطَاعَ، وَيَبْدَأُ مِنَ الدَّلَائِلِ بِالْأَقْرَبِ الْأَجْلَى، ثُمَّ مَا يَلِيهِ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ بِالدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَدْيِهِ فِيهَا إِلَى الْأَقْرَبِ الْأَوْضَحِ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ.
وأورد البيهقي أن ابْنَ عُمَرَ قال لِرَجُلٍ: ” أَدِّب ابْنكَ، فَإِنَّكَ مَسْئُولٌ عَنْ وَلَدِكَ، مَاذَا أَدَّبْتَهُ؟ وَمَاذَا عَلَّمْتَهُ، وَإِنَّهُ مَسْئُولٌ عَنْ بِرِّكَ وَطَوَاعِيَتِهِ لَكَ “.
وأما أهمُّ حقوق الأبناء على اﻵباء، عشرة، وهي:
أولًا: اختيار الأمِّ الصَّالحة الطيِّبة ذات الأصل الطيِّب والخُلُق القويم:
لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((تُنكحُ المرأةُ لأربعٍ: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفرْ بذَات الدِّين تربَت يداك))، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((تخيَّروا لنُطَفكم، وانكِحوا الأكْفاء، وأنكحوا إليهم)).
ثانيًا: اختيار الاسم الجميل؛ لأنَّه سيُنادى به بين النَّاس في الدنيا، ويُنادى به يوم القيامة:
فعن ابن عبَّاس قال: قالوا: يا رسولَ الله، قد علِمنا حقَّ الوالد، فما حقُّ الولَد؟ قال: ((أن يُحسن اسمَه، ويُحسن أدبَه))
ثالثًا: تربيتهم تربية إيمانية:
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].
ومن أهمِّ وسائل الوقاية: تربيتهم على الفَضائل، وإبعادهم عن الرَّذائل، وتعليمهم علومَ الدِّين، وتدريبهم على الصَّلاة، وعلى العِبادات الأخرى، وتوفير سُبل حصانتهم من الوقوع في مصايد الشَّيطان وحبائله؛ وذلك بالتفريق بينهم في المضاجِع.
يدلُّ على ذلك: ما جاء عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مُروا أولادَكم بالصَّلاة وهم أبناءُ سبع سنين، واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عشْرٍ، وفرِّقوا بينهم في المضاجِع)).
والوالد مسؤول عن ذلك، فقد جاء عن عبد الله بن عمر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا كلُّكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيَّته؛ فالإمامُ الذي على الناس راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيَّته، والرَّجلُ راعٍ على أهل بيته وهو مسؤولٌ عن رعيَّته، والمرأةُ راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولةٌ عنهم، وعبدُ الرجل راعٍ على مال سيِّده وهو مسؤول عنه، ألا فكلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته)).
فكما أنَّ الأب يَخشى على أولاده من برد الشتاء وحرِّ الصيف، فلا بدَّ أن يَخشى عليهم من نار جهنَّم، فيحيطهم بالرِّعاية والتربية الإيمانية، وسوف يُسأل عن ذلك إنْ هو قصَّر، قال عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ الله سائلٌ كلَّ راعٍ عمَّا استرعاه؛ حفِظ أم ضيَّعَ، حتى يَسأل الرجلَ عن أهل بيته)). أخرجه أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه.
وقد تَرجم البخاريُّ في الأدب المفرد: باب أدب الوالد وبره لولده.
ولهذا كان من مَحاسن التربية الإيمانيَّة أنَّها تحفظهم من الانحِرافات العقديَّة، والسلوكية، والفِكرية، وهي تحصنهم من مَظاهر الغلوِّ والتطرُّف.
رابعًا: الاهتمام بتعليمهم:
فقد جاء عن أبي رافع أنه قال: قلتُ: يا رسول الله، أللولَد علينا حقٌّ كحقِّنا عليهم؟ قال: ((نعم، حقُّ الولَد على الوالد أن يعلِّمه الكتابَةَ والسِّباحةَ والرَّمي، وأن يورثه طيبًا)).
وجاء عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((علِّموا أولادَكم السِّباحةَ والرماية)).
وعنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((كلُّ شيءٍ ليس من ذِكر الله فهو لهوٌ أو سهوٌ، إلا أربع خصالٍ…))، وذكر منها: ((وتعليم السِّباحة)) .
وللسيوطي رحمه الله رسالة نافِعة في هذا الموضوع، سمَّاها: “الباحة في السباحة”.
وقد ذَكر العلماءُ رحمهم الله تعالى أنَّ الوليَّ يَنبغي له تأمُّلُ حال الصَّبي وما هو مستعدٌّ له.
ومما ينبغي من الآباء فعله تجاه الأبناء استحضارُ حقوقهم في الذِّهن، والتماس الدعاء لهم، وعَرْضُهم على الصَّالحين، وتربيتُهم وتوجيهُهم إلى العلم والعمل، وإحضارهم مجالسَ العلم، وتفخيمُ أمر العلم في نفوسهم، والنَّفقة عليهم في تعلُّم العلم النَّافِع، وتعليمهم أدبَ الكلام، وإعانتهم على سُبُل الخير، وبرُّهم ورعاية مشاعرهم، وتعليمُهم اختيار الأصدِقاء، وتضافر جهود الأسرة والأقارب على هذه الرِّعاية، وعدم إدخال الغمِّ عليهم.
خامسًا: إعانتهم على الخير:
والإعانة تكون: بالإحسان إليهم وهم صِغار، وتوقيرهم إن بلَغوا سنَّ مَن يوقَّر. وبألَّا يَطلب منهم ما لا يَقدرون عليه. ولا يَطلب منهم ما يَحرُم فعلُه، فضلًا عن المكروه.
ومن ذلك: ما يقوم به بعضُ الآباء بتحريض أبنائهم على قَطْع الرَّحِم، وعلى الابن التعامل بالحِكمة مع الوالدين وبكلِّ هدوء ولُطْف.
وأن يَقبَل من محسنهم إذا أحسَن، ويتجاوَز عن إساءة مَن أساء منهم، والتغاضي عن هفواتهم.
سادسًا: المساواة بينهم في العطية:
من حقوق الأولاد المساواة بينهم في العَطيَّة، فقد جاء عن النُّعمان بن بشيرٍ، قال: انطلَق بي أبي يَحملُني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ الله، اشْهَد أنِّي قد نحلتُ النُّعمان كذا وكذا من مالي. فقال: ((أكُلَّ بنيك قد نَحلتَ مثل ما نحلتَ النُّعمان)). قال: لا، قال: ((فأشهِد على هذا غيري))، ثُمَّ قال: ((أيسُرُّك أن يكونوا إليك في البرِّ سواءً))، قال: بلى، قال: ((فلا إذًا)).
سابعًا: عونهم على حُسن الاختيار في الزَّواج، وعدم إجبارهم على الزَّواج بمعيَّن، أو بمعيَّنة:
وقد جاء عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ فَتَاةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ، لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ، وَأَنَا كَارِهَةٌ، قَالَتِ اجْلِسِي حَتَّى يَأْتِيَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وسلم فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى اللَّه عليه وسلم، فَأَخْبَرَتْهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِيهَا، فَدَعَاهُ فَجَعَلَ الأَمْرَ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَعْلَمَ أَلِلنِّسَاءِ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ) .
قَوْلُهُ: (لِيَرْفَعَ بِي) أَيْ لِيُزِيلَ عَنْهُ بِإِنْكَاحِي إِيَّاهُ (خَسِيسَتَهُ) دَنَاءَتَهُ أَيْ أَنَّهُ خَسِيسٌ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ بِي عَزِيزًا، (فَجَعَلَ الأَمْرَ إِلَيْهَا) أي لها الاختيار بين البقاء مع زوجها، وبين تركها إياه، (وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَعلَمَ أَلِلنِّسَاءِ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ) وإنما فعلت ذلك لتَعلم، وتتبيّن هل النساء لهنّ حقّ في أمر نكاحهنّ.
لذا قال بعض العلماء كالإمام أبي حنيفة: أنه لا يجوز إجبار البالغة العاقلة على النكاح، سواء كانت ثيبا أم بكرا.
وقال بعض العلماء كالشافعي: الثيب إذا كانت حرة عاقلة لا يجوز لوليها أن يزوجها إلا بعد بلوغها وإذنها الصريح يعني نطقا لا سكوتا.
وأما البكر فلا يجوز لغير الأب والجد من الأولياء أن يجبرها على الزواج، وأما الأب والجد إن لم يكن الأب، فيكره أن يجبر البكر على الزواج ممن تكرهه، ولو كان كفؤا لها، ونص الشافعي في كتابه الأم: “يُكْرَهُ لِأَبِيهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا إنْ عَلِمَ مِنْهَا كَرَاهَةً لِمَنْ يُزَوِّجُهَا”.اهـ وأما إن كان غير كفء أو يلحقها ضرر بمعاشرته أو نحو ذلك فلا يجوز.
ثامنًا: تزويجهم:
فقد جاء عن أبي سعيد وابنِ عباسٍ قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن وُلِد له ولدٌ، فليحسن اسمَه وأدبَه، فإذا بلغ فليزوِّجه)).
وقد جاء عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما أنه كان يقول: “مَن رزقه الله ولدًا، فليحسن اسمَه وتأديبه، فإذا بلغ فليزوِّجه”.
وكان سعيد بن العاص يقول: “إذا علَّمتُ ولدي القرآن، وحجَّجتُه، وزوَّجتُه، فقد قضيتُ حقَّه، وبقي حقِّي عليه”.
نقَل هذه النصوص المهمَّة ابنُ أبي الدنيا في كتابه: “العيال”.
تاسعًا: وجوب النَّفقة عليهم إن كانوا فقراء:
لقول الله تعالى: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 233]، وقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ [الطلاق: 6].
وفي الحديث ((كفى بالمرء إثمًا أن يُضيِّع من يعولُ)).
عاشرًا: الدُّعاء لهم، وتحرِّي ذلك في الأمكنة والأزمنة المبارَكة، وعدم الدعاء عليهم:
لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((لا تَدْعُوا عَلَى أنْفُسِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أوْلادِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أمْوَالِكُمْ، لا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْألُ فِيها عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ)).
يعني ” لَا تَدْعُوا “: أَيْ: دُعَاءَ سُوءٍ ” عَلَى أَنْفُسِكُمْ “: أَيْ: بِالْهَلَاكِ، وَمِثْله “ «وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ» “: أَيْ: بِالْعَمَى واللعن ونحو ذلك وقد كثرت وغلبت هذه البلية في النساء فإنهن يدعون على أولادهن عند الضجر والملال، ” «وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ» “: أَيْ: مِنَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ بِالْمَوْتِ وَغَيْرِهِ، لِئَلَّا تُصَادِفُوا سَاعَةَ إِجَابَةٍ فَتُسْتَجَابُ دَعْوَتُكُمُ السُّوءُ ثم تندموا على ما دعوتم ولا تنفعكم الندامة، يعني لا تدعوا إلا بخير.
لكن ممَّا يجِب بيانه: أنَّ تقصير الآباء في حقوق الأبناء لا يبرِّر عقوقَ الأبناء وتقصيرهم في حقوق والديهم.
وأخيرًا: نسأل اللهَ تعالى أن يهَبَ لنا من أولادنا قرَّةَ أعيُن.
لتحميل الملف اضغط هنا