إنَّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِ الله فلا مُضلّ له ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لـه وأشهدُ أنّ محمّدًا عبدُه ورسوله مَن بعثَه اللهُ رحمةً للعالمين هاديًا ومبشرًا ونذيرًا بلّغَ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونَصَحَ الأُمّةَ فجزاهُ اللهُ عنّا خيرَ ما جزَى نبيًّا مِن أنبيائِه، صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه وعَلى كلِّ رَسولٍ أَرْسَلَه.

أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي القدير القائل في محكم كتابه: { وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } {سورة النحل:78} .

الله تعالى أعلمكم ما لم تكونوا تعلمون من بعد ما أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعقلون شيئا ولا تعلمون، وجعل لكم السمع لتسمعوا به الأمر والنهي، والأبصار لتبصروا بها ءاثار صنعه، والأفئدة لتصلوا بها إلى معرفته. {لعلكم تشكرون} فاشكروا الله على ما أنعم به عليكم من ذلك.

قال الله تعالى: { وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً }{لقمان:20}، وقال تعالى: { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} {النحل:18}، وقال سبحانه: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} {النحل:53}، وقال سبحانه: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} {الذاريات:21}، وقال عز وجل: {فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ  خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} {الطّارق: 6-5}، فالإنسان إذا فكر بنفسه رآها مدبرة، وعلى أحوال شتى مصرفة، كان نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم لحما وعظما، وقدره الله أطوارًا إلى أن أتم خِلقته، قدّر يديه ورجليه وعينيه وسائر أعضائه، وحسنًا أو دميمًا، وقصيرًا أو طويلاً، وشقيًا أو سعيدًا. وجعل أعضاءه سليمة مسوّاة معدّة لمنافعها من غير تفاوت فلم يجعل إحدى اليدين أطول ولا إحدى العينين أوسع ولا بعض الأعضاء أبيض وبعضها أسود. وسهّل له الخروج من بطن أمه، وألهمه إذا قرُب وقت خروجه أن يتنكس، فيصير رأسه من جهة أسفل بعد أن كان من جهة الأعلى. ثم نقله من حال الطفولة والضعف إلى حال الشباب والقوة ثم إلى حال الشيخوخة والضعف، {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} {عبس:21}.

فيا عبد الله اشكر الله على ما أنعم به عليك، فهو سبحانه الذي جعل لك يدين تبطش بهما، ورجلين تمشي عليهما، وعينا تبصر بها، وأذنا تسمع بها، ولسانا تتكلم به، وأضراسا تطحن بها الطعام، تحدث لك عند غناك عن الرضاع وحاجتك إلى الغذاء، ومعدة أعدت لطبخ الغذاء، وكبدا يسلك إليها صفوه، وعروقا ومعابر تنفذ فيها إلى الأطراف، وأمعاء يرسب إليها ثُفْل الغذاء، ويبرز عن أسفل البدن. قال ابن السماك:  تبارك من خلقك، فجعلك تبصر بشحم، وتسمع بعظم، وتتكلم بلحم.

فيا أخي المسلم: اشكر الله على ما أعطاك من النعم، وإياك أن تستعملها في الحرام، {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} {إبراهيم:7}، وتذكّر أن نعيم الدنيا إلى زوال، وما عند الله خير وأبقى، وتذكر أنك في رحيل، وأنك ستسأل يوم الدين، {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} {الحجر:92}.

واعلم رحمك الله: أن الله تعالى يقول: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي البَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} {البقرة:164}.

ذكر الله تعالى خلق السماوات بما فيها من الشمس والقمر والنجوم المسخرات، وذكر خلق الأرض بما فيها من البحار والأنهار والجبال والمعادن، وذكر اختلاف الليل والنهار وأخذ أحدهما من الآخر، وذكر الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، وذكر ما أنزل من السماء من المطر الذي فيه حياة البلاد، وبه وبما وضع الله في الليل والنهار من الحر والبرد يتم رزق العباد والبهائم والدواب، وذكر ما بث في الأرض من كل دابة مختلفة الصور والأجساد، مختلفة الألسنة والألوان، وذكر تصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض وما فيهما من منافع الحيوانات وما في جميع ذلك من الآيات البينات لقوم يعقلون، ثم أمر سبحانه في آية أخرى بالنظر فيهما، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} {يونس:101}، يعني من الآيات الواضحات، والدلالات النيرات، وهذا لأنك إذا تأملت هيئة هذا العالم ببصرك، واعتبرتها بفكرك، وجدته كالبيت المبني المعد فيه جميع ما يحتاج إليه ساكنه من آلة وعتاد، فالسماء مرفوعة كالسقف، والأرض مبسوطة كالبساط، والنجوم منضودة كالمصابيح، والجواهر مخزونة كالذخائر، وضروب النبات مهيأة للمطاعم والملابس والمآرب، وصنوف الحيوان مسخرة للمراكب، مستعملة في المرافق، والإنسان كالمملك البيت، المخول ما فيه. وفي هذا كله دلالة واضحة على أن العالم مخلوق بتدبير وتقدير ونظام وأن له صانعا حكيما تام القدرة بالغ الحكمة. 

إخوة الإيمان والإسلام:

الله سبحانه وتعالى أنعم علينا بنِعم كثيرة لا تُحصى منها ظاهرة ومنها باطنة. وأعظم نعمة هي نعمة الإيمان والإسلام. ومن الأدلة على ذلك ما رواه الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :” وإن الله عز وجل يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا لمن أحب “.  وفي رواية الطبراني:” وإن الله يعطي المال من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الإيمان إلا من يحب“.

فنعمة الإيمان أفضل من نعمة الصحة والمال. “فمن أُعطي الإيمانَ ومُنِعَ الدنيا كأنما ما مُنِعَ شيئًا ومن أُعطي الدنيا ومُنِعَ الإيمانَ كأنما ما أُعطي شيئًا” . فحافظ يا أخي المسلم على الإيمان، وتمسك بالطاعة، وإياك والمعصية، {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ} {الحجر:99}.

نسأل الله تعالى أن يتوفانا على كامل الإيمان، وأن يدخلنا الجنة بأمان. ءامين.

هذا وأستغفر الله لي ولكم.

< Previous Post

خطبة الجمعة | التحذير من شرب الخمر والمخدّرات والوَشْم

Next Post >

خطبة الجمعة | حرمة النبيّ حيًا وميتًا، وتوقيره وتعظيمه

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map