إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضد ولا ند له وأشهد أن سيدنا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا محمدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه صلى الله وسلم عليه وعلى كل رسول أرسله.

أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله تعالى واعلموا أن شهر رمضان المبارك قد ءاذن بالرحيل، ولم يبق منه إلا ساعات معدودة ، ( مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ ) فصلت:46.

وياسعادة وفوز من اتخذ من رمضان موسمًا لطاعة الله تعالى، فصام نهاره وأحسن صيامه وصانه، وقام ليله فأحسن قيامه، وبتلاوة القرءان زانه، وشكر الله تعالى على نعمه فلم ينس إخوانه من الضعفاء والمحرومين، فبذل لهم ماله.

ويا لتعاسة من لم ينتفع برمضان، فلم يستفد من صيامه ولا قيامه، وإنما كان شغله الشاغل ما يملأ المعدة من أصناف المطعومات، وما تميل إليه النفس من الطيش والسباب، وأطلق فيما حرم الله عليه لسانه، وشتان شتان بين من حظه من رمضان القبول والتوبة الصادقة والغفران، ومن كان حظه فيه الخيبة والندامة التعب والخسران.

واسمعوا معي عباد الله ما رواه الحاكم وغيره عن كعب بن عُجرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: (احضروا المنبر). فحضرنا، فلما ارتقى درجة قال: (ءامين).فلما ارتقى الدرجة الثانية قال: (ءامين). فلما ارتقى الدرجة الثالثة قال: (ءامين). فلما نزل، قلنا: يا رسول الله، لقد سمعنا منك اليوم شيئا ما كنا نسمعه؟! قال: (إن جبريل عرض لي) فقال: بعدا لمن أدرك رمضان فلم يغفر له.قلت: (ءامين). فلما رقيت الثانية، قال: بعدا لمن ذكرت عنده فلم يصل عليك. قلت: (ءامين). فلما رقيت الثالثة، قال: بعدا لمن أدرك أبواه الكبر عنده، أو أحدهما، فلم يدخلاه الجنة.قلت: (ءامين).
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

ويروى عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه كان ينادي في ءاخر ليلة من رمضان: (يا ليت شعري من المقبول فنهنيه، ومن المحروم فنعزيه).

فاتقوا الله عباد الله، واستودعوا شهركم عملاً صالحًا يشهد لكم عند الملك العلام، وودعوه عند فراقه بأزكى تحية وأوفر سلام، قلوب المتقين إلى هذا الشهر تحِنّ، ومن ألم فراقه تأسي وتئِنّ، كيف لا يجري للمؤمن على فراقه دموع، وهو لا يدري هل بقي له في عمره إليه رجوع؟! إن قلوب المحبين لألم فراقه تشقَّق، ودموعهم للوعة رحليه تدفَّق، فالله المستعان وهو وحده الموفِّق.

أيها الإخوة الصائمون، لقد شرع لكم مولاكم في ختام شهركم أعمالاً عظيمة، تزيد المثوبة والأجر، فندبكم في ختام شهركم إلى الاستغفار والشكر والتوبة ( وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) البقرة:185.

كما شرع لكم زكاة الفطر شكرًا لله على نعمة التوفيق للصيام والقيام، وطهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، وتحريكًا لمشاعر الأخوة والألفة بين المسلمين، وهي واجبة على كل مسلم فـَضُلَ عن دَينه وكسوته ومسكنه وقوت من عليه نفقتهم يوم العيد وليلته. يخرجها عن نفسه وعمن عليه نفقتهم ، وهي صاع من غالب قوت البلد، ولا يجوز دفعها إلاّ إلى الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله في القرءان الكريم.

وقد كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يكتب في نهاية شهر رمضان إلى الأمصار يأمرهم بختم شهر رمضان بالاستغفار وصدقة الفطر.

أيها الإخوة في الله

اللهَ اللهَ في الثبات والاستمرار على الأعمال الصالحة في بقية أعماركم، واصلوا المسيرة في عمل الخير، وحثّوا الخطى في العمل الصالح، لتفوزوا برضا المولى عز وجل، فلديكم من الأعمال الصالحة ما يُعدّ من المواسم المستمرة، هذه الصلوات الخمس المفروضة، وهذا تعلم العلم الشرعي وتعليمه، وهذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه نوافل العبادات من صلاة وصيام وصدقة، وهكذا سائر الأعمال الصالحة، واعلموا أنه لئن انقضى شهر رمضان المبارك فإن عمل المؤمن لا ينقضي إلا بالموت، ورب الشهور واحد، فاتقوه واثبتوا على طاعته.

إخوة الإيمان: عيد الفطر السعيد هو الأول من شهر شوال، ولا يثبت دخوله إلا بأحد أمرين: رؤية هلال شوال أو استكمال رمضان ثلاثين.

ففي موطأ مالك ومسند الشافعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: ” لا تَصُومُوا حتى تَرَوُا الهِلاَلَ ولا تُفْطِرُوا حتى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا العِدَّةَ ثَلاَثِينَ “ اهـ.

ولا يجوز الاعتماد على قول الفلكيين وأهل الحساب بإجماع العلماء، فرغم اختلاف الفلكيين في تحديد عيد الفطر، فغاية ما يدرسه الفلكيون معرفة ولادة القمر، والشرع الإسلامي لم يجعل ثبوت عيد الفطر منوطًا بولادة القمر، بل بحقيقة الرؤية العيانية للقمر حتى إذا لم يُر وجب اللجوء إلى قطع الشك باليقين باستكمال رمضان ثلاثين يومًا.

فقد روى أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه والنسائي وابن ماجه في سننهما من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إذَا رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ فَصُومُوا وَإذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإنْ غُمّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلاَثِينَ يَوْمًا “ اهـ.

نسأل الله تعالى أن يعيد علينا رمضان باليمن والبركات.

< Previous Post

فوائد منثورة عن ليلة القدر – مقتطفة من كتاب المجموع شرح المهذب

Next Post >

تذكير بزكاة الفطر وأحكامها

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map