الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ، الْحَمْدُ للهِ الذي قَيَّضَ للخَلْقِ رِجالًا حَفِظُوا عليْهِمُ الدِّين، وأَظْهَرَ مَناقِبَهُم نُصْرَةً لهذا الدِّين، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيّدَنَا وَنَبِيَّنا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِلَى جَمِيعِ الخَلْقِ رَحْمَةً للعالَمِينَ. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم عَلَى سيدِنَا محمَّدٍ الأَمينِ وَعَلَى ءالِهِ وَصَحْبِهِ والتّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسانٍ إِلَى يومِ الدِّينِ.

أَمّا بَعدُ عِبَادَ اللهِ فَإِنِّى أُوصِيْكُم وَنَفْسِى بِتَقْوَى اللهِ العَظِيمِ والثَّبَاتِ عَلَى هَدْىِ نَبِيِّهِ الكَرِيْم. يَقُولُ اللهُ تَعــــــــالَى ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾.

إنَّ أَفْضَلَ هذه الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّها الخُلَفاءُ الرّاشِدُونَ الأَربَعَةُ أَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمانُ وَعَلِيٌّ رِضْوانُ اللهِ عَلَيْهِم. وَكانَتْ مُدَّةُ خِلافَتِهِم نَحوًا مِنْ ثَلاثِينَ سَنَةً. وَحَدِيثُنا اليَومَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِــىَ اللهُ عَنهُ ثانِى الخُلَفاءِ الرّاشِدِينَ وأَفضَلِ هذه الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّها صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَ أَبِى بَكرٍ رَضِــىَ اللهُ عَنهُ. وَمُدَّةُ خِلافَتِهِ عَشْرُ سِنينَ وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ تَقرِيبًا فقد وَلِىَ الخِلافَةَ بَعدَ وَفاةِ أَبِى بَكرٍ الصدّيقِ رَضِــىَ اللهُ عَنهُ سَنَةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ مِنَ الهِجْرَة.

هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَبُو حَفصٍ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ رِياحٍ القُرَشِىُّ وَأُمُّهُ حَنْتَمَةُ بنتُ هاشِمٍ، لَقَّبَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالفارُوقِ لأَنَّهُ يَفْرُقُ بَينَ الحَقِّ والباطِلِ، فقَد قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللهَ جَعَلَ الحَقَّ عَلَى لِسانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ اهـ[رواهُ الترمذِي فِى سننه] وَمعناهُ أَنَّ اللهَ أَجْرَى الحَقَّ عَلَى لِسانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ. وُلِدَ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ بَعدَ عامِ الفِيلِ بِثلاثَ عَشْرَةَ سَنَة، وَأَسْلَمَ بَعْدَ أَربَعِينَ رَجُلًا وَإِحدَى عَشرَةَ امرأَة. كانَ طَوِيلًا كَأَنَّهُ عَلى دابَّةٍ، أَصْلَعَ الرَّأْسِ أَبيَضَ اللَّوْنِ تعلُوهُ حُمرَةٌ كَثَّ اللحيَةِ أَىْ كَثِيفَها خَفيفَ شَعَرِ العارِضَينِ مُتَواضِعًا زاهِدًا وَرِعًا مُتَقَشّفًا.

وَلِىَ عُمَرُ بنُ الخطابِ الخِلافَةَ بِعَهْدٍ مِنْ أَبِى بَكرٍ الصّدِيقِ رَضِىَ اللهُ عَنْهُما. وَقامَ بِأَمرِ الخِلافَةِ بِالصدقِ وَالعدْلِ وَحُسْنِ التّدبيرِ والسياسَةِ لا يخَافُ فِى اللهِ لَوْمَةَ لائِمٍ. وَهُوَ مَعَ حَزْمِهِ كانَ متواضِعًا فَيُروَى أَنَّهُ حَمَل الدَّقيقَ والطعامَ عَلى ظَهرِهِ إِلَى الأيتامِ الذين عَلِمَ بِحالِهِم مِنَ الفاقَةِ والشِّدَّة. وراجَعَتْهُ امرأَةٌ فِى مَنْعِهِ الزيادَةَ فِى مُهُورِ النساءِ عمّا ساقَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، أَو سِيْقَ إِليه فِى بناتِه، فقالَتِ المرأةُ لِعُمَر: ليسَ لَكَ ذلك يا أميرَ المؤمنين، إِنّ اللهَ تعالَى يقُول ﴿وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا﴾ فَرَجَعَ سيدُنا عمَرُ إِلى المنبَرِ وَبَيَّنَ للناسِ خَطأَهُ وَتراجُعَهُ عمّا قالَ فقال: أَصابَتِ امرأةٌ وَأَخطَأَ عُمر، رَضِىَ اللهُ عَنْهُ.

وَحَصَلَتْ فِى أَيّامِ عُمرَ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ كَثِيرٌ منَ الفتوحاتِ مِنْ جُملتها بيتُ المقدِسِ، وكانتْ تُسَمّى إِيلياءَ، فَطَلَبَ أَهلُها الصُّلْحَ وَقالُوا لأَبِى عُبيْدَةَ أَرْسِلْ إِلَى خَلِيْفَتِكُم فَيَكُونَ هُو الذِى يُعطِيْنا عَهْدَ الصلحِ، فَدَخَلَ أَميرُ المؤمنينَ عُمَرُ الجابيةَ وجاءَ أَهلَ بيتِ المقدِسِ وَقد هَرَبَ أَرْطبُونُ أَميرُ عَسْكَرِ الرُّومِ إِلَى مِصْرَ وَحِينَئِذٍ وَقَعَ الصُّلحُ بينَ أَميرِ المؤمنين وَبينَ أَهلِ بيتِ المقدِسِ بِشُروطٍ مَعلُومَة. ثُمَّ أَمضَى أَميرُ المؤمنينَ عُمرُ بْنُ الخطابِ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ عَمْرَو بنَ العاصِ إِلَى مِصْرَ وأَتبَعَهُ الزبيرَ بنَ العَوَّامِ فسارَا باتجاهِ مِصْرَ وَدَخَلَ المسلِمُونَ مِصْرَ وَفَتحوهَا.

وَفِى سَنةِ سبعَ عَشْرَةَ للهِجْرَة تَوَجَّهَ أَميرُ المؤمنينَ مُعتَمِرًا وأَقامَ بِمكّةَ عشْرِينَ يَومًا وَفِيها وَسَّعَ المسجِدَ الحرامَ جَزاهُ اللهُ عن المسلِمين خَيرًا. وَفِى هذه السَّنةِ تَزَوَّجَ أَميرُ المؤمنينَ عُمرُ بنُ الخَطّابِ بِأُمّ كلثُوم بنتِ عَلِىّ بنِ أَبِى طالِبٍ، وَكانَ عَلِىٌّ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ قَدْ أَرْسلَ إليْهِ بابنتِهِ أَمِّ كلثومٍ فِى حاجَةٍ إِلَى عُمَرَ ثُمَّ سألهُ إِنْ أَعجَبته لِيُزَوّجَهَا إياه فقَبِلَ عُمَرُ، وهذا يَدُلُّ على شِدَّةِ حُبّ عَلِىٍّ لِعُمَرَ وتوقِيره، وَحِرْصِ عُمَرَ عَلى التّشَرُّفِ بِأهلِ بيتِ النبوَّةِ وَمُصاهَرَةِ عَلِىّ، فَرَضِىَ اللهُ عنهُما ما كانَ أَخلَصَ حُبَّهما فِى الله عَزّ وَجَلّ.

وَفِى سَنةِ ثمانِى عشْرَةَ حَصَلَ قَحْطٌ شَدِيدٌ فِى المدِينَةِ وَما حولها وَكانتِ الرّيْحُ تَسْفِى تُرابًا كالرَّمادِ، فَسُمّىَ ذلِكَ العامُ عامَ الرَّمادَةِ، فهَلَكَ كَثِيرٌ مِنَ الناسِ بِسببِ الجوعِ وَقِلَّةِ المطرِ، وكانتِ البَهائِمُ لا تَكادُ تَجِدُ ما تأَكلُهُ حَتّى إِنَّ أَحدَ الصحابَة ذَبحَ شاةً، بعدَ إِلحاحِ أَهلِهِ عليْهِ بِذبْحِ شاةٍ من شياهِهِ وهو يقُول ليس فِيهِنّ شىء ثُمّ ذَبَحها فَإِذا عِظامها حُمْرٌ فقال: يا محمّداه، وَذهَبَ إِلَى قَبرِ النبىّ المصطَفَى صَلّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم فقال: يا رسُولَ الله اسْتسقِ لأُمَّتِكَ أَىِ ادْعُ اللهَ لَهُم بِإِنزالِ المطرِ فَإِنَّهُم قَدْ هَلَكُوا، فَرأَى النبيَّ محمّدًا صَلّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ فِى المنامِ وَأَمرَهُ أَنْ يُقرِئَ عُمَرَ السلامَ منهُ عَليهِ الصلاةُ وَالسَلامُ وَأنْ يُخْبِرَهُ أَنهم مُسْقَوْنَ، وَأَمرهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ عليكَ بِالكَيْسِ الكَيْس فَأتَى الرّجُلُ عُمَرَ، وَأَخبَرَهُ بِما رَأَى فَبَكى عُمَرُ وَخَرَجَ إِلَى الناسِ يُخبِرُهُم بِرؤيا الرجُلِ ويستشيرُهُم إِن كانَ فِى ما يَرَوْنَهُ قَد قَصَّرَ فِى أَمْرٍ غيرُهُ خَيرٌ منهُ، فَأشارُوا عَليهِ بالاستِسقاءِ وَطَلَب الغوثِ مِنَ المسلمين فِى النواحِى خارِج الحجاز، فَكتَبَ إِلى أُمراءِ الأَمصارِ أَنْ أَغِيثُوا أَهلَ المدِينَةِ وَمَن حَوْلَها، واستَسْقَى عُمَرُ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ وَخَطَبَ وكانَ مَعَهُ العَبّاسُ بنُ عَبْدِ المطّلِبِ عَمُّ النبىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَسَّلَ عُمَرُ بِالعَبّاسِ وَجَثَا عَلَى ركبتَيْهِ يَدعُو، اللهمَّ عَجَزَتْ عَنّا أَنصارُنا وَعَجَزَ عَنّا حَوْلُنا وَقُوَّتُنا وَعَجَزَتْ عَنّا أَنفُسُنا وَلا حولَ ولا قُوَّةَ إِلّا بِكَ اللهمَّ اسقِنا وَأَحْىِ العِبادَ وَالبِلادَ إِلَى أَنْ نَزَلَ المطَرُ وَأُغِيثُوا ثُمَّ جاءَتْ قوافِلُ العِراقِ التِى أَرْسَلَ بِها أَبُو مُوسَى الأَشعَرِيُّ وَميرَةُ مِصْرَ فِى البحرِ التِى أَرسَلَ بِها عمرُو بنُ العاص فانْكَشَفَ البلاءُ بِرَحْمَةِ الله.

وَأَمّا صَلاةُ التّراوِيح عَلى النحوِ الذى يُصلِّيْهَا المسلمونَ اليَوْمَ بِجماعَة، فَهُوَ مِنْ جملَةِ ما سَنَّهُ عُمَرُ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ حَيثُ جَمَعَ النّاسَ فِى صَلاةِ التّراوِيحِ عَلَى إِمامٍ واحِدٍ بَعدَ أَنْ كانُوا يُصَلُّونَها مُتَفَرِّقِينَ وجَعَلَ عَلَيْهِم أُبَىَّ بنَ كَعْبٍ يَؤُمُّهُم فِى المدِينَة وَهِيَ سُنَّةٌ ماضِيَةٌ بعدَهُ إِلَى وَقتِنا هذا، فَجَزاهُ اللهُ عَنّا خَيرًا فَهُوَ كما قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَنَّ فِى الإِسلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُها وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِها بَعْدَهُ لا يَنْقُصُ مِن أُجُورِهِم شَىءٌ. وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ تَسَمَّى بِأَمِيرِ المؤمنينَ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ. وَكان رَضِىَ اللهُ عَنْهُ زاهِدًا فِى الدنيا حَتّى إِنَّهُ يُروَى أَنَّهُ كانَ فِى ثوبِهِ بِضْعَ عشْرةَ رُقعَةً وَقتَ كانَ خَليفَةً للمُسلمين.

وَفِى أَواخِرِ سَنةِ ثلاثٍ وَعِشرينَ طَعَنَهُ أَبُو لُؤْلُؤةَ المجوسِىُّ فَيروزُ مملوكُ الْمُغِيرَةِ بنِ شُعْبَة، وَلم يَكُن أَبو لُؤلؤةَ مُسْلِمًا بَل كانَ كافِرًا، عاقَبَهُ اللهُ بِما يسْتَحِقُّ. وَكانَ حصُولُ ذلك بعدَما خَرَجَ عُمَرُ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ لِصلاةِ الصُّبْحِ وَقَدِ اسْتَوتِ الصُّفُوفُ فَدَخَلَ الخَبيثُ أَبو لؤلؤةَ بينَ الصُّفُوفِ وَبِيَدِهِ خَنْجَرٌ مَسمومٌ بِرأسَينِ فَطَعَنَهُ بِهِ عِدَّةَ طَعَنَاتٍ إِحدَاهَا تحتَ سُرَّتِهِ كانَتْ سَبَبَ وَفَاتِهِ وَأُصِيْبَ مِنَ الصّحابَةِ غَيرُهُ وَماتَ بَعضُهم. وَطَعَنَ اللَّعِينُ نَفْسَهُ فماتَ. ثُمَّ تُوُفِّىَ عُمَرُ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ بَعدَ أَيّامٍ مِنْ طَعْنِهِ عَنْ ثلاثٍ وَستينَ سَنَةً وَدُفِنَ فِى حُجْرَةِ عائشَةَ رَضِىَ اللهُ عَنْها بِقُربِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِى بَكْرٍ الصّدِيقِ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ. فَرَحِمَ اللهُ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ وَرَضِىَ عَنْهُ وَجزاهُ عَنْ أُمَّةِ محمَّدٍ خَيرًا.

أَقُولُ قَوْلِى هذا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِى وَلَكُم

< Previous Post

العِبادَةُ في الهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إليَّ/ خطبة الجمعة من مسجد السلام

Next Post >

عُثمانُ بنُ عَفّانَ ثالِثُ الخُلَفاءِ الرّاشِدِين

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map