الحمدُ للهِ الـمُبدئِ الـمُعيدِ الغَنيِّ الحميد، ذِي العَفْوِ الواسعِ والعِقَابِ الشَّدِيد، مَنْ هَداهُ فهو السَّعيدُ السَّدِيد، وَمَنْ أَضَلَّهُ فهو الطَّريدُ البعيد، ومَن أرشدَه إلى سبيلِ النجاةِ ووفَّقه فهو الرَّشيد، يَعْلَمُ ما ظَهَرَ ومَا بَطَنَ وما خَفِيَ ومَا عَلَنَ وَهُوَ أَقْرَبُ إلى كُلِّ مُريدٍ مِنْ حَبْلِ الوَرِيد، وأُصَلِّي وأُسَلِّمُ على سيِّدِنا محمدٍ البَشير النذير وعلى ءاله وأصحابه الطيبين الطاهرين.

أما بعدُ عبادَ الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ العليِّ العظيم القائلِ في محكم كتابه: «حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ».  وعَنْ عُبَادَةَ بن الصامت رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ ».اهـ رواه مالك وأحمد وأبو داود والنسائي في الكبرى والدرامي والبيهقي وغيرهم. وفي رواية عند أحمد: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللهُ عَلَى عِبَادِهِ مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ، فَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَسُجُودَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ».وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاَةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلاَّ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ ». رواه مسلم ، وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: « الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ ». رواه مسلم

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَىْءٌ ». قَالُوا: لاَ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَىْءٌ. قَالَ: « فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا ». رواه البخاري ومسلم. والدَّرَنُ هو الوسَخُ. وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ كَمَثَلِ نَهْرٍ جَارٍ، غَمْرٍ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ، يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ». قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: «وَمَا يُبْقِي ذَلِكَ مِنَ الدَّرَنِ؟» رواه مسلم، والغَمْرُ بفتحِ الغين المعجمةِ وسكون الميم: كثيرٌ ماؤه.

إخوةَ الإيمان هذه الصلواتُ الخمسُ شأنها عظيمٌ عندَ الله فلا تُضيّعوها، فإنها أفضلُ الأعمالِ بعدَ الإيمانِ باللهِ ورسولِه. ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « بُنِىَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ» وعَدَّ منها: «شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ». اهـ فجاءتِ الصلاة في المرتبة الثانيةِ بعد الشهادتين. وفي سنن الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلاَمُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ». فهي مِنْ أظْهَرِ معالمه وأعظم شعائره وأنفع ذخائره وهي بعد الشهادتين ءاكَدُ مَفْروضٍ وأعظم معروضٍ وأجلُّ طاعةٍ وأرجى بضاعة، خُضوعٌ وخشوعٌ، وافتقارٌ واضطرارٌ، ودعاءٌ وثناءٌ، وتحميدٌ وتمجيد، وتذلُّلٌ لله العليِّ الحميد.ولعظيم شأنها جعل الله الدعاء عقبها مرجو الإجابة، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ: أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: جَوْفَ اللَّيْلِ الآخِرِ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ. رواه الترمذي وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ، اللهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» رواه البخاري ومسلم، وعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا وَقَالَ: «اللهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» قَالَ الْوَلِيدُ: فَقُلْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ: « كَيْفَ الْاسْتِغْفَارُ؟ قَالَ: تَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ ». وعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ – أَوْ فَاعِلُهُنَّ – ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَسْبِيحَةً، وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَحْمِيدَةً، وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ تَكْبِيرَةً، فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ» رواه مسلم

وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ» رواه النسائي وغيرُه. قال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب: رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ بأسانيد أَحدهَا صَحِيح، وَقَالَ شَيخنَا أَبُو الْحسن: هُوَ على شَرط البُخَارِيّ، وَابْن حبَان فِي كتاب الصَّلَاة وَصَححهُ، وَزَاد الطَّبَرَانِيّ فِي بعض طرقه: وَقل هُوَ الله أحد، وَإِسْنَاده بِهَذِهِ الزِّيَادَة جيد أَيْضا.اهـ ، وفي سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي وغيرهم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقْرَأَ بِالـمُعَوِّذَتَيْنِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ»، وفي رواية أحمد وأبي داود: « بالمعوّذات »، فينبغي أن يقرأ: « قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ بربّ الناس».

فمن حفظها وحافظ عليها بتعلم أحكامها وأداها على ما يوافق شرع الله فقد فاز ونجا ومن ضيعها فقد خاب وخسر وكان لما سواها أضيع، فعلينا إخوة الإيمان أن نحافظ عليها في حال صحة والمرض والضيق والسعة وحال الأمن والخوف. فالصلاة سر النجاح وأصل الفلاح، والمحافظة عليها عنوان الصدق والإيمان، والتهاون بها علامة الخزي والخسران. فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ»، رواه الترمذي وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.اهـ، وروى ابن حبان في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا فَقَالَ: «مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بُرْهَانٌ وَلَا نُورٌ وَلَا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَهَامَانَ وَفِرْعَوْنَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ». فبعدَ سماعِ هذا كلِّهِ كيفَ يُقَصِّرُ أحدٌ في صلاتِه ويَـحْرِمُ نفْسَه هذه الفضيلة.

وأقولُ لكلِّ مَن تركَ الصلاةَ: إنَّك في الدُّنيا قد تُؤجّلُ موعدَ سَفَرٍ أو عملٍ، أما الموتُ فلا تأجيلَ فيه ولا إِلغاء…تداركْ نفسَكَ قبلَ الفوات، فالعمرُ محدودٌ، والنَّفَسُ مَعدود، والموتُ كالسيفِ الـمُسَلَّطِ على رقابِنا وهو مَسْلُولٌ لا نَدْرِي متى ينْزلُ عليها. يا تاركَ الصلاةِ ألا تستحي منَ الله الذي خلقكَ فسوَّاك فعَدَلَك … ألا تسجُدُ للذي جعلَ لك عينين ولسانًا وشَفتين … ألا تخشَى القويَّ العزيزَ الجبارَ القائلَ: « فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ ».

إخوةَ الإيمان حافِظُوا على الصلاةِ وذلك بأدائها على وجْهِها وهذا يحتاجُ إلى تَعَلُّمِ أحكامِها مِنْ شروطٍ وأركانٍ ومُبطلات. فَأَقْبِلُوا إلى مجالسِ العلمِ لِتَعْمَلُوا به فَتُفْلِحُوا.    

هذا وأستغفر الله لي ولكم.

< Previous Post

خطبة الجمعة | وداع رمضان وزكاة الفطر

Next Post >

خطبة الجمعة | الإيمان بالله ورسوله

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map