إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونشكره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له ولا مثيل له ولا ضدَّ ولا ندّ له، وأشهد أنّ سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمّدًا عبدُهُ ورسوله وصفيّه وحبيبه مَن بعثُه اللهُ رحمةً للعالمين هاديًا ومبشرًا ونذيرًا بلّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأمّةَ وجاهد في الله حق جهاده فجزاهُ اللهُ عنا خيرَ ما جزَى نبيًّا مِن أنبيائه، اللهم صلِّ وسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين.

أما بعد عباد الله فأوصيكم ونفسي بِتَقْوَى اللهِ العليِّ العظيمِ فاتّقوه حقَّ تقاته..

إخوة الإيمان إن الله تبارك وتعالى خلقنا لعبادته وأنعم علينا بنعم لا نحصيها وأوجب علينا شكره بالإيمان به وطاعته بأداء ما أمرنا الله به واجتناب ما نهانا الله تعالى عنه ولا يتم الشكر الواجب إلا بذلك وقد قيل شكر الله يكون بأن لا يستعمل العبد ما أنعم الله به عليه إلا فيما خلِقَ له.

ومن جملة ما نهانا الله تعالى عنه القمار فقد قال ربّنا جلّ وعلا في القرءان العظيم * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ *( سورة المائدة ءاية 90 – 91 ) والميسرُ هو القمار، وفي هذه الآية تأكُّدُ تحريم الخمر والميسر من وجوه فإن صَدْرَ الآية فيه ( إنَّما ) وقرن الخمر  والميسر بعبادة الأصنام وجعلهما رِجْسًا من عمل الشيطان فإنه لا يأتي منه إلا الشر البَحْتُ، وأَمَرَ المؤمنين بالاجتناب وجعل الاجتناب من الفلاح فقال * فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وإذا كان الاجتنابُ فلاحًا فماذا يكون الارتكاب… لايكون إلا خسارًا، وإنما جمع الخمر والميسر مع الأنصاب والأزلام أوّلاً ثم أفردهما ءاخِرًا لأن الخطاب مع المؤمنين وإنما نهاهم عما كانوا يتعاطونه من شرب الخمر واللعب بالـميْسِرِ، وذكرَ الأنصابَ والأزلامَ لتأكيد تحريم الخمر والميسر وإظهارِ أنّ ذلك جميعًا من أعمال أهلِ الشرك ثم أفردها بالذكر ليُعْلَمَ أنهما المقصودُ بالذكر.

ولايخفى إخوة الإيمان ما في القمار من ضرر وأذى على حياة الفرد فإنه إذا كَسَبَ المال فهو من أكل أموال الناس بالباطل وإن خسر ماله فضرره واضح وقد يضيّع بسبب ذلك نفقة أهله وأولاده الصغار الواجبة عليه.

أخي المسلم إن كنت قد ابتُليت بالقمار فاسمع منّي وتقبل نصحي لعل اللهَ ينفعُك بقولي، فإن كانت نفسُك تحدثك أنك بالقمار تحصل على مال كثير بغير جهد وتعب فاعلم أن الله قد قسم الأرزاق فلا يصل إليك أكثر مما هو مقسوم لك فخذه من طريق الحلال ولا تغترّ فإن الغالب على المقامر الخسارة والإفلاس… وإن كانت نفسك تحدثك أنك تجرب مرة أو مرات قليلة فإن خسرت المال تركت القمار، فاعلم أن الذي يلعب القمار غالبا لا يقف عند أول خسارة لماله وإنما يُزَّيِّنُ له الشيطانُ الأملَ بالربحِ في المرة التالية والتي بعدها والتي بعدها فإذا أفلس جرَّهُ ذلك إلى تحصيل المال من أيّ طريق كان بقطع النظر عن الوسيلة فلا يتورّعُ لأجل تحصيل المال عن السرقة واغتصاب الأموال حتى من أقرب الناس إليه، بل إن بعضهم قد يبيعُ أطفاله وزوجته حتى يحصل على شىء من المال ليُقامر به ويحصّل لذّاته المحرّمة ولو خرّب ذلك بيته وتركه مفلسًا، فهل تُطاوِعُك نفسُك ويوافقك عقلُك أن تُعرّض نفسك لهذا الامتحان… لا والله لا يفعل العاقل بنفسه ذلك. وإن قلتَ أنا لا زوجة لي ولا ولد فلن أضيّع حقًّا واجبًا فاحذر فإن طريق القمار قد يقودك إلى أن تسرق مال أبيك وأمك… هل تقبل أن تكون ممن يسرق مال أبيه وأمه؟

ولا يخفى عليك أخي المؤمن ما يتولّد من القمار مِن الوبال بوقوع التعادي والتباغض بين أصحاب القمار بل قد يؤدي بك إلى القتل فإن الشيطان يتربص ببني ءادم ليوقع بينهم العداوة والبغضاء لإهلاكهم، كما لا يخفى عليك ما يؤدي إليه القمار من الصدّ عن ذكر الله وعن مراعاة أوقات الصلاة والانشغال عن الواجبات.

ثم إنك إن كسَبْتَ مالاً من القمار فأكلته فقد عرَّضتَ بدنك للنار، أما سمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم ” أيُّما لحمٍ نَبَتَ من حرامٍ فالنارُ أولى به “ ( رواه البيهقي في شعب الإيمان ) اهـ. فلا خير في لذّةٍ مِن بعدِها النار.

وأما صورة القمار المجمع على تحريمها فهي أن يدفع هذا مالاً وهذا مالا ثم يأخذ الرابح مالَ الخاسر أو جزءًا منه والربح والخسارة المقصودان قد يكونان بلعبة الورق المزوّق أو بسباق الخيل أو بسحب أوراق اليانصيب أو اللوتو أو نحو ذلك، فكل هذا محرّم من الكبائر والعياذ بالله تعالى.

فاحفظ نفسك أخي المسلم ولا تُهلِكها بعَرَضٍ مَن الدنيا قليل فإن الناس غادِيان فمُبتاعٌ نفسَه فمُعتقها وبائعٌ نفسه فمُوبِقها فانظر مِن أيهما أنت.

هذا وأستغفر الله لي ولكم.

< Previous Post

خطبة الجمعة | بعض علامات الساعة

Next Post >

خطبة الجمعة | وجوب الزكاة

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map