أحب أن أسأل الشيوخ الأفاضل عن الدليل الشرعي لجواز التوسل بالاولياء والصالحين في حياتهم وبعد مماتهم فأفيدونا نفعنا الله بكم. بوركتم وقوّاكم الله على طاعته.
الجواب
قال الله تعالى : [يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة] الآية. المائدة/35
أخي السائل، لقد جعل الله سبحانه وتعالى من الأسباب المعينة لنا لتحقيق مطالب لنا التوسل بالأنبياء والأولياء في حال حياتهم وبعد مماتهم.
فالتوسل هو طلب حصول منفعة أو اندفاع مضرة من الله بذكر اسم نبي أو ولي إكرامًا للمُتوَسِّل به. الطلب من الله لأن الأنبياء والأولياء لا يخلقون مضرة ولا منفعة ولكن نحن نسأل الله بهم رجاء تحقيق مطالبنا فنقول: اللهمّ إني أسألك بجاه رسول الله أو بحرمة رسول الله أن تقضي حاجتي وتفرّج كربي، فالتوسّل بالأنبياء والأولياء جائز في حال حضرتهم وفي حال غيبتهم، ومناداتهم جائزة في حال غيبتهم وفي حال حضرتهم كما دلّت على ذلك الأدلّة الشرعية. فرسول الله صلى الله عليه وسلم علّم الأعمى أن يتوسّل به فتوسل الأعمى الضرير برسول الله، توسّل بحبيب الله، توسّل بأفضل خلق الله فردّ الله تعالى إليه بصره. فلقد علّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: اللهمّ إني أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك محمّد نبي الرحمة يا محمّد إني أتوجّه بك إلى ربي في حاجتي لتقضى لي.
ثم هذا الأعمى لم يكن حاضرًا في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل أن راوي الحديث عثمان بن حنيف قال لَما روى حديث الأعمى: فوالله ما تفرّقنا ولا طال بنا المجلس حتى دخل علينا الرجل وقد أبصر.اهـ
فمن قوله: “حتى دخل علينا” علمنا أن هذا الرجل لم يكن حاضرًا في المجلس حين توسّل برسول الله صلى الله عليه وسلم . الحديث رواه جمع من الحفاظ كالحافظ الطبراني وصححه
وقال الفقيه المجتهد عليّ السبكي في كتابه شفاء السقام: “اعلم أنه يجوز ويحسن التوسل والاستعانة والتشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه سبحانه وتعالى ، وجواز ذلك وحسنه من الأمور المعلومة لكل ذي دين المعروفة من فعل الأنبياء والمرسلين وسير السلف الصالحين والعلماء والعوام من المسلمين ولم ينكر أحدٌ ذلك” أي من العلماء المعتبرين. اهـ
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ما نصه: “وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمّان عن مالك الدار قال أصاب الناس قحطٌ (أي مجاعة) في زمن عمر (أي في خلافته) فجاء رجل (من الصحابة) إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله استسقِ لأمتك فإنهم قد هلكوا، (معناه اطلب من الله المطر لأمتك) فأتى الرجل في المنام فقيل له إيتِ عمر فاقرئه مني السلام وأخبره أنهم يسقون (أي سيأتيكم المطر) وقل له عليك بالكيس الكيس (أي اجتهد في أمر الأمّة) فأتى الرجل فأخبر عمر فقال: يا ربّ ما ءالوا إلا ما عجزت” أي لا أقصّر مع الاستطاعة أي سأسعى ما في وسعي لخدمة الأمّة.
وهذا الرجل هو بلال بن الحارث المزني الصحابي قصد قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم للتبَرّك وقال “يا رسول الله استسقِ لأمّتك فإنهم قد هلكوا” فلم ينكر عليه عمر ولا غيره .
واعلم رحمك الله تعالى بتوفيقه أنه لا دليل حقيقي يدلّ على عدم جواز التوسّل بالأنبياء والأولياء في حال غيبتهم أو بعد وفاتهم بدعوى أن ذلك عبادة لغير الله لانه ليس عبادةً لغير الله مجرّد النداء لحيٍّ أو ميِّت ولا مجرّد التعظيم ولا مجرّد الاستعانة بغير الله ولا مجرّد قصد قبر وليٍّ للتبرّك. فالعبادة أقصى غاية الخشوع والخضوع. وقال بعض العلماء: هي نهاية التذلّل.اهـ ونهاية التذلل لا تكون إلا لله . فليس مجرّد التذلل عبادة لغير الله وإلا لكفر كل من يتذلل للملوك والعظماء . وقد ثبت أن “معاذ بن جبل لَما قدِم من الشام سجد لرسول الله”. والسجود مظهر كبير من مظاهر التذلل . فقال الرسول: ما هذا ؟ فقال: يا رسول الله إني رأيت أهل الشام يسجدون لبطاركتهم وأساقفتهم وأنت أولى بذلك. فقال له صلى الله عليه وسلم: لا تفعل لو كنت ءامر احدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. ولم يقل له رسول الله صلى الله عليه وسلم كفرت ولا قال له أشركت مع أن سجوده للنبي مظهر كبير من مظاهر التذلل.
وللبيان أخي السائل السجود لإنسان ليس على وجه العبادة إنما على وجه التحية حرام في شرع سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
فحصّن نفسك أخي المسلم بعلم الدين لتضع الأمور في نصابها فتحرّم ما حرّمه الله وتحلِّل ما أحلّه الله.