بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي يخلق ما يشاء ويختار، أحمده سبحانه الواحد العزيز الغفار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله إمام المتقين وقدوة الأبرار، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا ونبينا محمد، وعلى ءاله وصحبه، صلاة دائمة ما تعاقب الليل والنهار.
أما بعد فهده رسالة مختصرة وجيزة في بيان وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، عسى أن ينفعنا الله بهن، فقد روى الإمام مسلم في الصحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم عرفة، وَقَالَ: “إِنَّ دِمَاءكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا: رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ. فَاتَّقُوا اللهِ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ. وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلوُا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابُ اللّهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنَّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟”. قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ. فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَىَ السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَىَ النَّاسِ: “اللَّهُمَّ اشْهَدْ اللَّهُمَّ اشْهَدْ” ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.اهـ
وروى الترمذي عن سُلَيْمانُ بنِ عَمْرِو بن الأحْوَصِ قال: حدثني أبي أَنّهُ شَهِدَ حَجّةَ الْوَدَاعِ مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكرَ وَوَعَظَ ثُمّ قال: “أَيّ يَوْمٍ أَحْرَمُ، أَيّ يَوْمٍ أَحْرَمُ، أَيّ يَوْمٍ أَحْرَمُ“؟ قالَ فقالَ النّاسُ: يَوْمُ الْحَجّ الأكْبَرِ يَا رَسُولَ الله. قال: فَإِنّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذَا، في شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلاَ لاَ يَجْنِي جَانٍ إِلاّ عَلَى نَفْسِهِ، ولا يَجْنِي وَالِدٌ عَلَى وَلَدِهِ، ولا وَلَدٌ عَلَى وَالِدِهِ، أَلاَ إِنّ الـمُسْلِمَ أَخُو الـمُسْلِمِ، فَلَيْسَ يَحِلّ لِمُسْلِمٍ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ إِلاّ مَا أَحَلّ مِنْ نَفْسِهِ، أَلاَ وَإِنّ كُلّ رِبًا في الْجَاهِلِيّةِ مَوْضُوعٌ، لَكُمْ رؤوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ غَيْرِ رِبَا الْعَبّاسِ بنِ عَبْدِ المُطّلِبِ فَإِنّهُ مَوضُوعٌ كُلّهُ، أَلاَ وَإِنّ كُلّ دَمٍ كَانَ في الْجَاهِلَيّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوّلُ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دَمِ الْجَاهِليّةِ دَم الْحَارِثِ بنِ عَبْدِ الـمُطّلِبِ، كَانَ مُسْتَرْضَعًا في بَنِي لَيْثٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، أَلاَ وَاسْتَوْصُوا بالنّسَاءِ خَيْرًا، فإِنّمَا هُنّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهِنّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلاّ أَنْ يَأتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنّ في المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنّ ضَرْبَاً غَيْرَ مُبَرّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنّ سَبِيلاً. أَلاَ وَإِنّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقّا، فأَمّا حَقّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلاَ يُوْطِئْنَ فُرُشَكُمْ من تَكْرَهُونَ، وَلا يَأْذَنّ في بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ. أَلاَ وَإِنّ حَقّهُنّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهنّ في كِسْوَتِهِنّ وَطَعَامِهِنّ”. قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وروى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: “إنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ، شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَىَ وَشَعْبَانَ“. ثُمَّ قَالَ: “أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟” قُلْنَا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ .قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّىَ ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ.قَالَ: “أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ؟”قُلْنَا: بَلَىَ. قَالَ: “فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟”قُلْنَا: اللهُ ورَسُولُهُ أَعلَمُ.قالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيْهِ بغَيْرِ اسْمِهِ.قَالَ: “أَليْسَ الْبَلْدَةَ؟”قُلْنَا: بَلَى.قَالَ: “فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟”قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّىَ ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ.قَالَ: “أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟”قُلْنَا: بَلَىَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: “فَإِنَّ دِمَاءكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ، حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، فَلاَ تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلاَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ يَكُونُ أَوْعَىَ لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ“.
وروى أحمد والحارث وابن حاتم من طريق أبي نضرة ” حدثني من شهد خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمنى وهو على بعير يقول: يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، خيركم عند الله أتقاكم“.
عباد الله، إنَّ في هذه الخطبة العظيمة التي خطب بها رسول الله في ذلك اليومِ العظيم من ألوان التقرير لوَحدة الأمّة والحثّ على الاستمساك بأهدابها والتنفير من المساس بها أو تعكير صفوها أو توهين عُراها بأيّ صورةٍ من الصور وتحت أيّ اسم من الأسماء ما لا مزيد عليه، فحرمةُ الدماء والأموال والأعراض مرتكزٌ عظيم وقاعدة راسخة وأساس متين لبناء وحدة الأمة القائمة على كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
وها نحن اليوم، إذ نتحدث عن أهمية الوحدة إزاء ما نعانيه ونراه من تشتت وتباعد على نطاق واسع وشاسع جدير بنا أن نوجه دعوة صادقة مخلصة إلى التعاون والتكاتف والتماسك.