ترجمته

هو أبو إسحق سعد بن أبي وقاص، واسم أبي وقاص هو مالك بن أُهَيْب بن عبد مناف بن زُهرة بن كلاب بن مُرة بن كعب بن لؤي، وهو أحد الستة أهل الشورى وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعد في الجنة وسعيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة” رواه الترمذي. وكذلك هناك حديث ءاخر رواه أبو يعلى في مسنده والحاكم في مستدركه بالإسناد عن عبد الله بن عمر أنه قال: كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “يدخل عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنة” فطلع سعد بن أبي وقاص.
وسعد كما أشرنا هو من بني زُهرة وأبوه أبو وقاص هو ابن عم ءامنة بنت وَهْب والدة النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ أخرج الترمذي في مناقب سعد والطبراني في معجمه الكبير وابن سعد في طبقاته، عن جابر أنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل سعد بن مالك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هذا خالي، فليُرِني امرؤ خاله”.
روى جملة من الأحاديث، وله في الصحيحين خمسة عشر حديثًا. وانفرد له البخاري بخمسة أحاديث، وانفرد مسلم بثمانية عشر حديثًا.
وحدَّث عنه عبد الله بن عمر وعائشة وابن عباس والسائب بن يزيد وقيس بن أبي حازم، وسعيد بن المسيَّب وأبو عثمان النهدي وعمرو بن ميمون والأحنف بن قيس وعلقمة بن قيس، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، ومجاهد وشُريح بن عُبيد الحمصي وأيمن المكي وبشر بن سعيد وأبو عبد الرحمن السُّلَمي وأبو صالح ذكوان وعروة بن الزبير، وأولاد سعد وهم: عامر وعمر ومحمد ومصعب وإبراهيم وعائشة، وكثيرون غيرهم.
مناقبه

يروي أهل التراجم والسير عن الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حادثة هي مثال عن قوة إيمان صحابة رسول الله رضوان الله عليهم، وهي ما رواه مسلمة بن علقمة عن داود بن أبي هند عن أبي عثمان أن سعد بن أبي وقاص قال: نزلت هذه الآية: { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} (سورة العنكبوت/8). قال: كنتُ بَرًا بأمي، فلما أسلمت قالت: يا سعد، ما هذا الدين الذي قد أحدثت لَتَدَعَنَّ دينك هذا، أو لا ءاكل ولا أشرب حتى أموت فتُعَيَّرَ بي فيقال: يا قاتل أمه، فقلت: لا تفعلي يا أمَّه، إني لا أدع ديني هذا لشىء، فمكثت يومًا وليلة لا تأكل ولا تشرب، وأصبحت وقد جُهدت، فلما رأيت ذلك قلت: يا أمَّهْ، تعلمين والله لو كان لك مائة نفس فخرجت نفسًا نفسًا ما تركت ديني. إن شئتِ فكلي أو لا تأكلي، فلما رأت ذلك أكلت.
كان رضي الله عنه من أوائل من دخل في الإسلام من المهاجرين، فهو إذًا من السابقين الأولين الذين ذكرهم الله تعالى في القرءان الكريم وكان عمره حين أسلم سبع عشرة سنة، وقيل تسع عشرة.
شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أول من رمى سهمًا في سبيل الله، ففي كتاب “الإصابة” للحافظ العسقلاني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث سرية إلى جانب من الحجاز يدعى رابغ، فهاجم المشركون المسلمين، فحماهم سعد يومئذ بسهامه، فكان هذا أول قتال في الإسلام، فقال سعد في هذا شعرًا:

ألا هل أتى رسول الله أني         حميت صحابتي بصدور نبلي
أذود بها عدوهم ذيــادًا          بكل حَزونة وبكل ســـهل
فما يعتد رامٍ في عدوٍ          بسهمٍ يا رسـول الله قبــــلي

وكان رضي الله عنه جيد الرمي مُسَدَّد الإصابة، ولا سيما بعد أن دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي “صفة الصفوة” لابن الجوزي عن قيس بن أبي حازم عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اللهم سَدّدْ رميته وأجب دعوته”.
وفي “سير أعلام النبلاء” روى الذهبي عن ابن شهاب أنه قال: قَتَلَ سعدٌ يوم أُحُد بسهم رُمِيَ به، فَرموا به مرة ثانية فأخذه سعد، فرمى به الثانية فقَتَلَ، فرُدَّ عليهم فرمى به الثالثة فقَتَل، فعجب الناس مما فعل.
عن ابن إسحق عن صالح بن كيسان عن بعض ءال سعد عن سعد أنه قال عن معركة أُحُد: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يناولني النبل ويقول: “ارمِ، فداك أبي وأمي”، حتى إنه ليناولني السهم ما له من نصل، فأرمي به.
وقال ابن المسيَّب: كان جيد الرمي، سمعته يقول: جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أُحُد.
وكذلك أخرج الترمذي وأحمد بن حنبل في مسنده، والبخاري في المغازي، بالإسناد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يجمع أبويه لأحد غير سعد.
وروى ابن زنجويه عن عائشة بنت سعد أنها كانت تقول: أنا ابنة المهاجر الذي فداه رسول الله يوم أُحُد بالأبوين.
وأخرج الإمام أحمد بن حنبل بالإسناد عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك يوم الخندق حتى بدت نواجذه، كان رجل معه ترس وكان سعد راميًا، فجعل يقول كذا يحوّي بالترس (أي يحركه) ويغطي جبهته، فنزع له سعد بسهم، فلما رفع رأسه رماه به فلم يخطىء هذه منه (يعني جبهته)، فانقلب وأشال برجله، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعله حتى بدت نواجذه.

استجابة دعوته

كان مشهورًا بين الصحابة رضوان الله عليهم، وبين من جاء بعدهم من التابعين والعلماء أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كان مجاب الدعوة؛ وذلك ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له الآنف الذكر وهو قوله: “اللهم سَدّد رميته وأجِب دعوته”؛ وفي مسند الإمام أحمد وجامع الترمذي والحاكم في مستدركه والهيثمي في “مجمع الزوائد” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “اللهم استجب لسعد إذا دعاك”، فكان الناس لا يتعرضون له خشية أن تصيبهم دعوته، وكان هناك من الناس من أصابته دعوته، منهم رجل يقال له أبو سعدة، وذلك عندما شكا أهل الكوفة سعدًا إلى عمر بن الخطاب فقالوا إنه لا يحسن الصلاة، فبعث عمر رضي الله عنه رجالاً يسألون عنه بالكوفة، فكانوا لا يأتون مسجدًا من مساجد الكوفة إلا قيل لهم فيه خير، حتى أتوا مسجدًا لبني عبس، فقال رجل يقال له أبو سعدة: أما إذا نشدتمونا الله، فإنه كان لا يعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية ولا يسير بالسَّريَّة، فقال سعد: اللهم إن كان كاذبًا فأعْم بصره وأطل عمره وعرضه للفتن، قال عبد الملك، فأنا رأيته بعد ذلك يتعرض للإماء في السكك، فإذا سئل: كيف أنت؟ يقول: كبير مفتون أصابتني دعوة سعد.
وفي “سير أعلام النبلاء” عن ابن جدعان عن ابن المسيَّب أن رجلاً كان يسب علي بن أبي طالب وطلحة والزبير رضي الله عنهم، فجعل سعد ينهاه ويقول: لا تقع في إخواني، فأبى، فقام سعد فصلى ركعتين ودعا بكلمات، فجاء بُخْتِيٌّ (أي جمل) يشق الناس، فأخذه بالبلاط ووضعه بين صدره والبلاط حتى سحقه فمات، قال ابن المسيَّب: فأنا رأيت الناس يتبعون سعدًا يقولون: هنيئًا لك يا أبا إسحق، استجيبت دعوتك.
وروى حاتم بن إسماعيل عن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن جده أنه قال: دعا سعد بن أبي وقاص فقال: يا رب، بَنيَّ صغار، فأطِلْ في عمري حتى يبلغوا، فعاش بعدها عشرين سنة.

بناؤه الكوفة

كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد كتب إلى سعد بن أبي وقاص يسأله عن السبب الذي غير ألوان العرب وغيَّر لحومهم، فكتب إليه سعد رضي الله عنه أن السبب هو تغير الهواء والأرض، فأرسل عمر إليه قائلاً : إن العرب لا يوافقها إلا ما وافق إبلها من البلدان، فابعث سلمان وحذيفة رائدين، فليرتادا منزلا بريًا بحريًا ليس بيني وبينكم فيه بحر ولا جسر فخرج سلمان غربي الفرات، وحذيفة شرقيّه، حتى التقيا عند الكوفة فأعجبتهما، فكتبا إلى سعد بن أبي وقاص وكان ءانذاك قد انتهى من فتح مدائن كسرى ومعظم بلاد فارس فارتحل بجنده من المدائن حتى عسكر بالكوفة، وكان ذلك في المحرم من سنة سبعَ عشرة للهجرة، فأمر راميًا فرمى بسهم ناحية الشرق، وءاخر ناحية الغرب، وأمر الناس أن يبنوا بيوتهم من وراء السهمين، وقسم النواحي بين العرب فكان لكل قوم ناحيتهم، وبنى في وسط المدينة المسجد ودار الإمارة.
وفاته

توفي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة المنورة سنة خمس وخمسين للهجرة، وقيل سنة خمسين، وقيل سنة ست وخمسين، وقيل غير ذلك، وهو ابن بضع وسبعين سنة، وقيل اثنتين وثمانين.
وروى الذهبي في سيره عن الليث عن عقيل عن الزهري أن سعد بن أبي وقاص لما حضرته الوفاة دعا بجبة صوف بالية فقال: كفنوني فيها، فإني لقيت المشركين فيها يوم بدر، وإنما خبأتها لهذا اليوم.
وحُمل رضي الله عنه إلى المدينة وصلى عليه مروان بن الحكم وهو يومئذ والي المدينة. وأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن تمر جنازته في المسجد، فأوقف على حُجَرهن فصلين عليه وخرج من باب الجنائز ودفن في البقيع.
رحم الله سعد بن أبي وقاص صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 

< Previous Post

عبد الرحمن بن عوف الثقة الأمين في الأرض والسماء

Next Post >

سعيد بن زيد مجاب الدعوة

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map