خَالِدُ بنُ الوَلِيْدِ المَخْزُوْمِيُّ
خَالِدُ بنُ الوَلِيْدِ سَيْفُ اللهِ تَعَالَى وَفَارِسُ الإِسْلاَمِ، وَلَيْثُ المَشَاهِدِ، السَّيّدُ الإِمَامُ، الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو سُلَيْمَانَ القُرَشِيُّ، المَخْزُوْمِيُّ، المَكّيُّ.
أمُّهُ لُبَابَةُ الصُّغْرى بِنْتُ الحَارِثِ بنِ حَرْبٍ الهِلالِيَّةُ وَهِيَ أُخْتُ لُبَابَةَ الكُبْرى زَوْجِ العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطلبِ وَهُما أُخْتا مَيْمُونَةَ بِنْتِ الحَارِثِ زَوْجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ.
فهوَ ابْنُ أُخْتِ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ مَيْمُوْنَةَ بِنْتِ الحَارِثِ.
هَاجَرَ مُسْلِمًا فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ، شَهِدَ غَزْوَةَ مُؤْتَةَ، وَاسْتُشْهِدَ أُمَرَاءُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّلاَثَةُ: مَوْلاَهُ زَيْدٌ، وَابْنُ عَمِّهِ جَعْفَرٌ ذُوْ الجَنَاحَيْنِ، وَابْنُ رَوَاحَةَ، وَبَقِيَ الجَيْشُ بِلاَ أَمِيْرٍ، فَتَأَمَّرَ عَلَيْهِم فِي الحَالِ خَالِدٌ، وَأَخَذَ الرَّايَةَ، وَحَمَلَ عَلَى العَدُوِّ، فَكَانَ النَّصْرُ.
شَهِدَ الفَتْحَ، وَحُنَيْنًا، وَتَأَمَّرَ فِي أَيَّامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَارَبَ أَهْلَ الرِّدَّةِ، الذين ءامنوا بمُسَيْلِمَةَ، في أيامِ أبي بَكْرٍ، وكانَ خالدُ أميرُ الجيشِ، وفي الجيشِ سيدُنا عليُّ بنُ أبي طالبٍ.
وَلَمْ يَبْقَ فِي جَسَدِ ِ خالد قِيْدُ شِبْرٍ إِلاَّ وَعَلَيْهِ طَابَعُ الشُّهَدَاءِ.
مَنَاقِبُهُ غَزِيْرَةٌ،حيث فَتَحَ دمشق هُوَ وَأَبُو عُبَيْدَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ خَالَتِهِ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ، وَقَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، وَالمِقْدَامُ ابنُ مَعْدِيْ كَرِبٍ، وَآخَرُوْنَ. لَهُ أَحَادِيْثُ قَلِيْلَةٌ.
وعَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ: أَنَّ خَالِدَ بنَ الوَلِيْدِ قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنَّ كَائِداً مِنَ الجِنِّ يَكِيْدُنِي.
قَالَ: (قُلْ: أَعُوْذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لاَ يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلاَ فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الأَرْضِ، وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِي السَّمَاءِ، وَمَا يَنْزِلُ مِنْهَا، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلاَّ طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ، يَا رَحْمَنُ). فَفَعَلْتُ، فَأَذْهَبَهُ اللهُ عَنِّي.
حَدَّثَنَا وَحْشِيُّ بنُ حَرْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ وَحْشِيٍّ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ عَقَدَ لِخَالِدٍ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ، وَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلُ: (خَالِدُ بنُ الوَلِيْدِ سَيْفٌ مِنْ سُيُوْفِ اللهِ، سَلَّهُ اللهُ عَلَى الكُفَّارِ وَالمُنَافِقِيْنَ). رَوَاهُ: أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ.
وعَنْ أَنَسٍ: نَعَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَرَاءَ يَوْمِ مُؤْتَةَ، فَقَالَ: (أُصِيْبُوا جَمِيْعًا، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ بَعْدُ سَيْفٌ مِنْ سُيُوْفِ اللهِ: خَالِدٌ). وَجَعَلَ يُحَدِّثُ النَّاسَ، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ.
أَخْرَجَ التِّرمِذِيُّ عَنْ أَبي هُريرَةَ قالَ نَزَلنا مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَنْزِلاً فجَعَلَ الناسُ يَمُرُّونَ فيقولُ رسولُ اللهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مَنْ هذا؟ فأقولُ فُلانٌ حتَّى مَرَّ خالدٌ فقالَ: مَنْ هذا؟ قلتُ خالدُ بنُ الوليدِ، فقالَ نِعْمَ عَبْدُ اللّهِ خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللّهِ. رجالُه ثقاتٌ.
قَالَ خَالِدٌ: اعْتَمَرَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ، فَابْتَدَرَ النَّاسُ شَعْرَهُ، فَسَبَقْتُهُم إِلَى نَاصِيَتِهِ، فَجَعَلْتُهَا فِي هَذِهِ القُلُنْسُوَةِ، فَلَمْ أَشْهَدْ قِتَالاً وَهِيَ مَعِي إِلاَّ رُزِقْتُ النَّصْرَ.
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ، أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ:
أَنَّ النَّاسَ يَوْمَ حَلَقَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتَدَرُوا شَعْرَهُ، فَبَدَرَهُم خَالِدٌ إِلَى نَاصِيَتِهِ، فَجَعَلَهَا فِي قُلُنْسُوَتِهِ.
وَعَنْ أَبِي الزِنَادِ: أَنَّ خَالِدَ بنَ الوَلِيْدِ لَمَّا احْتُضِرَ بَكَى، وَقَالَ: لَقِيْتُ كَذَا وَكَذَا زَحْفًا، وَمَا فِي جَسَدِي شِبْرٌ إِلاَّ وَفِيْهِ ضَرْبَةٌ بِسَيْفٍ، أَوْ رَمْيَةٌ بِسَهْمٍ، وَهَا أَنَا أَمُوْتُ عَلَى فِرَاشِي، فَلاَ نَامَتْ أَعْيُنُ الجُبَنَاءِ.
وَأَخْبَرَ مَنْ غَسَلَهُ بِحِمْصَ، وَنَظَرَ إِلَى مَا تَحْتَ ثِيَابِهِ، قَالَ: مَا فِيْهِ مُصحٌّ، مَا بَيْنَ ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ، أَوْ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ، أَوْ رَمْيَةٍ بِسَهْمٍ.
وقَدْ أخرجَ ابنُ أبِي شيبةَ وغيرُه أنَّ خالدَ بنَ الوليدَ لَمَّا نزَل الحِيْرَةَ، فَقَالُوا: احْذَرِ السُّمَّ، لاَ تَسْقِكَ الأَعَاجِمُ. فَقَالَ: ائْتُوْنِي بِهِ. فَأُتِيَ بِهِ، فَاقْتَحَمَهُ، وَقَالَ: بَاسْمِ اللهِ، فَلَمْ يَضُرَّهُ. ورَواهُ أبو يَعْلى ورواهُ ابنُ سعدٍ مِنْ وَجْهَيْنِ آخرينِ. قالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ في شرحِ صحيحِ البخاريِّ عَنْ هذا: كرامةٌ لخالدِ بنِ الوليدِ، فلا يتأسَّى به في ذلكَ لئلاّ يُفْضِي إلى قتلِ المرءِ نفسِهِ.اهـ
مَاتَ خَالِدٌ بِحِمْصَ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ. وَلَهُ مَشْهَدٌ يُزَارُ ويتبرك به. عَاشَ سِتِّيْنَ سَنَةً.
رضيَ اللهُ عَنْهُ وأسْكَنَهُ فَسيحَ جَنَّاتِهِ .