إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا شبيهَ له، ولا حيّزَ ولا جهةَ ولا مكانَ له، ولا هيئةَ ولا صورةَ ولا شكلَ له، ولا جسدَ ولا جثّةَ ولا لونَ له، ولا ضِدَّ ولا نِدَّ ولا حدَّ له، سبحانَه ليس كمثلهِ شيءٌ وهو السميعُ البصير، وأشهدُ أن سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنا محمّدا عبدُه ورسولُه، ونبيُّه وصفيُّه وخليلُه، شهادةً تُنجِي قائلَها من سَقََر، وتُرغمُ أنفَ مَن أشركَ باللهِ وكفر. والصلاةُ والسلامُ عليكَ يا سيِّدي يا رسولَ اللهِ يا محمَّد، أيُّها الممَجَّدُ المؤيَّد، يا صاحبَ المعجزاتِ الباهراتِ الظاهرات، مَن أُنزِلَ عليهِ الآياتُ الواضحات، وجاءتْ بهِ البِشاراتُ الصادقات، صلى عليك اللهُ يا علمَ الهُدَى ما ناحتْ على الأَيْكِ الحَمائِم.
أما بعدُ عبادَ اللهِ فإني أوصيكُم ونفسِي بتقوى اللهِ العليِّ العظيمِ القائلِ في كتابِه العزيز:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ “. فأطيعُوا اللهَ تَعَالى، وأطيعُوا الرسولَ الكريمَ الذي جاءَنَا بالهدَى والحقِّ المبين، وهو الصادقُ الوعدِ الأمينُ البشيرُ النَّذير، المبشَّرُ بهِ في كتُبِ الأوَّلِينَ، فلقدْ جاءَتِ البَشائِرُ بهذا الرَّسولِ العظيمِ جَمَّةً غَزِيرةً ومنذُ ءادمَ عليهِ السَّلام، وهوَ الذِي توسَّلَ بهِ حينَما عَصَى ربَّه (معصيةً صغيرةَ ليس فيها خسةٌ ولا دناءة) وذلكَ قبلَ أن يُخْلَقَ محمدٌ صلى الله عليه وسلم فقالَ:” يا ربِّ أسألكَ بحقِّ محمّدٍ إلا ما غَفَرْتَ لي، فقالَ اللهُ عزَّ وجلَّ ( وهو أَعْلَم ) : يا ءادمُ كيفَ عرفْتَ محمّدًا ولم أَخْلُقْهُ، قالَ: لأنَّكَ يا ربِّ لما خلقتَنِي بيدِكَ ( أي بعنَايَتِكَ) ونفخْتَ فيَّ مِنْ رُوحِكَ ( أي أَمَرْتَ الملَكَ أنْ ينفُخَ فِيَّ مِنَ الرُّوحِ المشرَّفِ الذي ليسَ جُزْءًا مِنَ الله) رَفَعْتُ رَأْسِي فرَأَيْتُ اسمَهُ على قوائِمِ العَرْشِ مَكْتُوبًا: لا إله إلا الله محمدٌ رسولُ الله، فَعَلِمْتُ أنكَ لم تُضِفْ إلى اسمِكَ إلا أحَبَّ الخَلْقِ إليكَ” الحديثُ رواه الحاكمُ وصحّحَه.
كم هو عظيمٌ اسمُك يا سيّدِي يا رسولَ الله، وقد رفعَ اللهُ ذِكْرَكَ، وقَدْ قَالُوا عَنْكَ:
أغرُّ ( أي جميلُ الطَّلعةِ، طلعتُه زهراء)
أغرُّ، عليـهِ للنُّبُـوَّةِ خاتَـمٌ مِنَ اللهِ مشهورٌ يلوحُ ويُشْهَـدُ
وضَمَّ الإلهُ اسمَ النبيِّ إلى اسمِهِ إذا قالَ في الخَمْسِ المؤذِّنُ أشهدُ
سيّدي يا رسولَ الله يا محمّد
وها همُ الأنبياءُ قد بَشَّرُوا بِظُهورِ عَهْدِهِ وَوُرُوْدِ سَعْدِهِ، فإبراهيمُ الخليلُ أبو الأنبياءِ عليه السلامُ يدعُو اللهَ أنْ يَمُنَّ على أهلِ بيتِهِ الذين سكنُوا مكةَ برسولٍ يتلُو عليهم ءاياتِه، فاستجابَ اللهُ دعاءَه، قال اللهُ تعالى إخبارًا عن إبراهيمَ عليه السلامُ أنه قال:” رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءايَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ” البقرة/ 129.
وها هو نبيُّ اللهِ عيسى عليه السلام، يُبشِّرُنا بالرّسولِ أحمدَ ويدعُو قومَهُ إلى تصديقِه، يقولُ اللهُ تعالى إخبارا عن عيسى ابنِ مريم:” مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ”. وقد روى البيهقيُّ في دلائِلِهِ قصةً غريبةً فيها دِلالةٌ على أنَّ سيدَنا عيسى عليه السلام أوصى بِاتِّباعِ محمّدٍ إذا ظهَرَ فقال:” خرجَ مِنَ اليَمَنِ أربعةُ أشخاصٍ قاصدينَ مكةَ فأدركَهُمُ الليلُ في البَرِّيّةِ فنَزَلُوا في بعضِ الليلِ في أرضٍ فنَامُوا إلا شخصًا واحدًا منهم يُسَمَّى الجَعْدَ بنَ قَيْسٍ المُرَادِيّ، فسمِعَ هاتفًا لا يُرَى شَخْصُه يقول:
ألا أيُّها الرَّكبُ المُعَرِّسُ (أي النازِلُ في الليل) بَلِّغُوا إذَا مَا وَصَلْتُمْ لِلْحَطِيْمِ وَزَمْزَما
محمَّدًا المبعُوثَ مِنَّا تَحِيَّةً تُشَيِّعُهُ مِنْ حَيْثُ سَارَ وَيَمَّما
وقُولُوا لَهُ إنَّا لِدِينِكَ شِيْعَةٌ( أي أنصار) بِذلكَ أوصَانَا المسيحُ ابنُ مَرْيَما
فالهاتفُ كانَ جِنِيًّا ءامنَ بعيسى عليه السلامُ وسمِعَ منْهُ وصيَّتَهُ بالإيمانِ بمحمدٍ إذا ظهرَ واتِّبَاعِه، سيِّدِي يا رسولَ اللهِ يا محمّد.
[إخوةَ الإيمان، وممنْ عَرَّفَ به قبلَ بعثَتِهِ صلَّى الله عليه وسلم، بل قبلَ وِلادَتِهِ وكانُوا يَرْتَقِبُونَ ظهورَه وَبُرُوزَه لِـمَا عَرَفُوهُ مِنَ الأخبارِ عنِ الأحبار، وما سُطِرَ في الكُتُبِ القَدِيمَةِ عن أوانِه وَوُضُوحِ بُرهانِه، مجموعةٌ منَ اليهودِ الذينَ كانُوا يعيشونَ في المدينةِ قبلَ المبعَثِ العَظِيم، فعنْ أحدِهِم وقَدْ كانَ يُحَدِّثُ بعضَ الغِلمان في المدينةِ إذْ بهِ يصيحُ فجأةً قائِلا: ها قد طلَعَ نجمُ أحمدَ فقدْ وُلِدَ نبيُّ ءاخرِ الزَّمان ولكنْ لَـمَّا ذُكِّرَ بعدَ مَبْعَثِه بذلك قال: لا ليس هو بلْ غيرُه. وهُم كمَا أخبرَ اللهُ سبحانَه وتعالى عنهم:” يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ ” ولكنْ ما كلُّ النَّاسِ يَهْتَدُون.]
سيّدي يا رسولَ اللهِ يا محمّد.
إخوةَ الإيمان، تُرى كيف كانَ حالُ ءامنةَ يومَ جاءَها المبَشِّرُ، أنْ أَبشِرِي يا ءامنةُ قدْ حمَلْتِ بسيِّدِ النَّاس، فإذا وضعتِهِ فسَمِّيه محمّدا. يا لَهُ مِن شُعورٍ عظيمٍ قدِ انتابَ أُمًّا هي قد حمَلَتْ بخيرِ المخلوقات محمّد!! سيدي يا رسولَ اللهِ يا عظيمَ الجاهِ يا محمّد.
أحبابَنا، إنَّ الراهبَ بَحِيرَى كان يعرفُ صفاتِ النبيِّ ويَنتظِرُ ظهورَه، وهلِ الراهب بَحِيرَى بَقِيَ بعدَ ذلكَ بِحَيْرَةٍ وقدْ ثبتَ لهُ يقينًا وعِيَانًا بالدلائِلِ التي ظهرتْ لهُ مِن رسولِ اللهِ وميَّزتِ الحبيبَ عمّنْ سِواهُ بأنَّهُ حقًّا رسولُ الله، فقدْ كانُوا ينتظرونَ ويَرقُبُونَ ظهورَه، فحصلَ المرامُ إذْ جاءَ ركبُ قريشٍ كمَا كانَ يأتي، إلا أنَّ الجديدَ بَرَزَ مِن بَحِيرَى الراهبِ فكانَ في السَّابِقِ لا يَكترِثُ لِرَكْبِهِم فما الذي تغيّرَ منهُ لِيَنْزِلَ مِن صَومَعَتِهِ وَيَدْعُوهُم حتى كانَ ذلكَ العامُ فصنَعَ لهم طعامًا كثيرًا. فقدْ قيلَ بأنَّهُ رَأَى سيدَنا محمّدًا في الرَّكْبِ حينَ أَقْبَلَ وغَمَامَةٌ تُظلُّه مِن بينِ القَوم، فنَزَلُوا في ظِلِّ شجرةٍ فَنَظَرَ إلى الغمامَةِ حينَ أظَلَّتِ الشجرةَ ومَالَتْ أغصانُ الشجرةِ على رسولِ اللهِ حتى استَظَلَّ تَحْتَهَا. ثمَّ دعَاهُم بَحِيرَى كبيرَهم وصغيرَهم حُرَّهم وعبدَهم، فقال له رجلٌ: إنَّ لكَ شأنًا اليومَ! مَا كُنتَ تَصنَعُ هذا بِنَا، فقال صَدَقْتَ، فاجتَمَعُوا إليه وتخلَّفَ رسولُ اللهِ بينَ القومِ لحداثةِ سِنِّه. فلمَّا لم يَرَهُ بَحِيرَى قالَ يا معشرَ قُريشٍ، لا يَتَخَلَّفَنَّ أحدٌ منكُم عن طعامِي فقالوا ما تخلَّفَ إلا غُلامٌ وهو أحدَثُ القومِ سِنًّا، فقالَ لا تَفْعَلُوا، ادْعُوه، فدعَوه، وأجلسَهُ معَ القومِ فجعلَ يلحظُه لَحْظًا شديدا، حتَّى إذا فرغَ القومُ منَ الطَّعامِ وتفرَّقُوا قامَ إليه بَحِيرَى وقالَ بالله إلا ما أَخبَرتَنِي عمَّا أسألُكَ عنْهُ، فقال لَهُ: سَلْنِي عمَّا بَدَا لك، فجعلَ يسألُهُ عنْ نومِهِ وهيئَتِهِ وأمورِه. فجعلَ رسولُ اللهِ يُخبرُه فيوافقُ ما عندَ بَحِيرَى مِن صِفَتِه، ثم نظرَ إلى ظَهْرِهِ فرأى خاتَمَ النبوةِ بين كَتِفَيْهِ على موضِعِهِ مِن صِفَتِهِ التي عندَهُ وكانَ مِثلَ أَثَرِ المِحْجَم( أي قارورة الحجامة). فَلَمَّا فرغَ قالَ لعمِّه أبي طالبٍ ما هذا الغلامُ مِنْكَ؟ قال ابْنِي، قال بَحِيرَى ما هو ابنُكَ ومَا ينبَغِي لهذا الغلامِ أنْ يكونَ أبوهُ حيًّا، فقال إنَّه ابنُ أخِي، قالَ فمَا فعلَ أبوه، قالَ ماتَ وأمُّه حُبْلَى بِه، قالَ صَدَقْتَ، فارْجِعْ بابنِ أخيكَ إلى بَلَدِهِ واحذَرْ عليه يَهودًا فوالله لَئِنْ رَأَوْهُ وعَرَفُوا مِنْهُ ما عَرَفْتُ لَيَبْغُنَّهُ شرًّا، فإنه كائِنٌ لابنِ أخيكَ هذا شأنٌ عظيم.
هذا وأستغفر الله لي ولكم