بسم الله الرحمن الرحيم
الوَلِيُّ هُوَ الْمُؤْمِنُ الْمُسْتَقِيمُ بِطَاعَةِ اللهِ وقد عُرِفَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم “قُلْ ءامَنْتُ بِاللهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ” وَالاسْتِقَامَةُ هِيَ لُزُومُ طَاعَةِ اللهِ بِأَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَقَالَ اللهُ تعالى {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَنْ لا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا} وَقَالَ تعالى {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون الَّذِينَ ءامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُون} يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ اللهِ تعالى “الَّذِينَ ءامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُون” أَنَّ شَرْطَ الوِلايَةِ الإيْمَانُ وَتَقوى اللهِ، وَالتَّقوى عِبَارَةٌ عَنْ أَدَاءِ الوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَعُلِمَ أَنَّ الوَلِيَّ لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُكْثِرًا مِنْ نَوافِلِ الطَّاعاتِ مِنْ قَوْلِهِ علَيهِ السَّلامُ فيما يَرْويهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ “مَنْ عَادى لِي وَلِيًّا فَقَدْ ءاذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَىْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَلا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ” رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ الإكْثَارَ مِنْ نَوافِلِ الطَّاعَاتِ وَلَوْ نَافِلَةً وَاحِدَةً شَرْطٌ لِلْوِلايَةِ، هَذَا مَا جَاءَ في الْقُرْءانِ وَالْحَدِيثِ، فَاشْتِرَاطُ غَيْرِ هَذَا لِلْوُصُولِ لِلْوِلايَةِ بَاطِلٌ وَكُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ في كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لا يَصِلُ إِلى الْوِلايَةِ إِلا بِطَرِيقِ الْمُرْشِدِ، لَكِنَّ التَّقْوى الَّتي هيَ شَرْطٌ لِلْوِلايَةِ وَهِيَ أَدَاءُ الوَاجِبَاتِ واجْتِنَابُ الْمَحَرَّمَاتِ لا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إِلَيْهَا مَعَ الْجَهْلِ بِأُصُولِ الدِّينِ أَوِ الْجَهْلِ بِالْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ الَّذِي لا يَسْتَغْني عَنْهُ الْمُكَلَّفُ وَالَّذي لا بُدَّ مِنْهُ لإصْلاحِ الأعْمَالِ، وَهَذَا الْعِلْمُ لا يُتَوَصَّلُ إِلَيْهِ إِلا بِطَرِيقِ التَّلقِّي مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ الثِّقاتِ لأَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم قال “وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ” رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ
وَالَّذِي يَلْزَمُ تَقْوَى اللهِ يُخْرِجُ اللهُ تعالى حُبَّ الدُّنْيَا مِنْ قَلْبِهِ فَيَصِيرُ زَاهِدًا، وَقَدْ قَالَ الرَّسُولُ صَلى الله عليه وسلم “لا يَبْلُغُ العَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُتَّقينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لا بَأْسَ فيهِ حَذَرًا مِمَّا فيهِ بَأْسٌ” مَعْنَاهُ أَنَّ مِنْ شَأَنِ التَّقِيِّ أَنْ يَكُونَ وَرِعًا يَتْرُكُ بَعْضَ الْمُبَاحَاتِ خَوْفَ أَنْ يَقَعَ في الْحَرَامِ لِذَلِكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ يُسْتَحَبُّ تَرْكُ الاسْتِرْسَالِ في الْمُبَاحَاتِ لأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَجُرُّ إِلى الْحَرامِ، وَقَدْ سَأَلَ سَهْلُ بنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قائِلاً: دُلَّني على عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّني اللهُ وَأَحَبَّني النَّاسُ فَقالَ صلى الله عليه وسلمَ “ازْهَدْ في الدُّنْيا يُحِبَّكَ اللهُ وَازْهَدْ فيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحِبَّكَ النَّاسُ” رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
فَكُلُّ وَلِيٍّ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالآخِرَةِ وَبِالطَّاعَاتِ وَلَيْسَ مُعَلَّقًا بِحُبِّ الدُّنْيا وَلا بِحُبِّ الْمَالِ، وَمِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ مُتَوَاضِعًا قَلِيلَ الْكَلامِ إِلا مِنْ خَيْرٍ زَاهِدًا قَلِيلَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بِالرَّفَاهِيَةِ وَلا بِالاسْتِرْسَالِ في فاخِرِ الثِّيابِ ولا فَاخِرِ الأَثاثِ وَلا فَاخِرِ الْمَنَازِلِ، وَهَذِهِ سِيرَةُ كُلِّ الأَنْبِيَاءِ، وَهِيَ عَادَةُ الصَّالِحينَ، وَعَادَاتُ السَّادَاتِ هِيَ سَاداتُ الْعَادَاتِ
قَالَ الْوَلِيُّ الْكَبِيرُ الْعَارِفُ بِاللهِ الْمُجْتَهِدُ الْغَوْثُ السَّيِّدُ أَحْمَدُ الْرِّفَاعِيُّ “لا تَقُولُوا كَمَا يَقُولُ جَهَلَةُ الْمُتَصَوِّفَةِ نَحْنُ أَهْلُ الْبَاطِنِ وَهُمْ أَهْلُ الظَّاهِرِ، هَذَا الدِّينُ لَوْلا ظَاهِرُهُ مَا بَطَنَ” مَعْنَاهُ أَنَّ بَعْضَ الْجُهَّالِ مِمَّنْ يَدَّعُونَ التَّصَوُّفَ وَهُمْ لَيْسُوا صَادِقِينَ يَتْرُكُونَ طَلَبَ الْعِلْمِ الوَاجِب وَيَكْتَفُونَ بِبَعْضِ الْمَظَاهِرِ فَيَقُولُونَ حَتَّى يَبْقَوْا عَلَى حَالِهِمُ الْفَاسِدِ نَحْنُ أَهْلُ الْبَاطِنِ وَهُمْ أَهْلُ الظَّاهِرِ، يَعْنُونَ الَّذينَ يَشْتَغِلُونَ بِعِلْمِ الدِّينِ، فَرَدَّ عَلَيْهِمُ السَّيِّدُ أَحْمَدُ الرِّفَاعِيُّ بِهَذَا الْكَلامِ الْعَظِيمِ فَقالَ لا تَقُولُوا نَحْنُ أَهْلُ الْبَاطِنِ وَهُمْ –أَيْ أَهْلُ الْعِلْمِ الصَّادِقينَ- أَهْلُ الظَّاهِرِ لأَنَّ الْبَاطِنَ مَعْنَاهُ الْعِلْمُ اللَّدُنِيُّ الَّذي لا يُتَوَصَّلُ إِلَيْهِ بِطريقِ الطَّلَبِ إِنَّمَا هُوَ عِلْمٌ يُفِيضُهُ اللهُ على قُلُوبِ الأَوْلِياءِ، وَلا يَصِيرُ الْجَاهِلُ وَلِيًّا طَالَمَا هُوَ جَاهِلٌ قالَ الإمَامُ الشَّافِعِيُّ “مَا اتَّخَذَ اللهُ وَلِيًّا جَاهِلاً” وَعِلْمُ الْبَاطِنُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِقَوْلِهِ تعالى “وَاتَّقُوَا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ” أَيْ مَنْ تَعَلَّمَ مَا فَرَضَ اللهُ وَالْتَزَمَ التَّقْوَى حَتَّى صَارَ مِنَ الأَوْلِيَاءِ أَفَاضَ اللهُ عَلى قَلْبِهِ الْعِلْمَ اللُّدُنِّيَّ الْمُسَمَّى بِعِلْمِ الْبَاطِنِ كَعِلْمِ تَعْبيرِ الرُّؤْيَا
أَمَّا مَنْ كَانَ جَاهِلاً لَمْ يَتَلَقَّ عِلْمَ الدِّينِ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ الثِّقَاتِ فَمُسْتَحِيلٌ أَنْ يَصِلَ إِلى الْعِلْمِ اللَّدُنِّيِّ الَّذي لا يَنَالُهُ إِلا الأَوْلِياءُ