الدنيا مكارة

 

مَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ

الدُّنْيَا غَرَّارَةٌ مَكَّارَةٌ..تُعْرِضُ عَنِ الْمُقْبِلِ فَتَزِيدُ إِقْبَالَهُ وَتُقْبِلُ عَلَى الْمُعْرِضِ وَتُرِيدُ إِذْلاَلَهُ.. لَهَا قُيُودٌ وَأَغْلاَلٌ وَأَخْطَارٌ وَأَهْوَالٌ تَخْفَى عَلَى الْمَغْرُورِ فَلاَ يَزَالُ يَتَخَبَّطُ فِي الْمَحْذُورِ.

ظَاهِرُهَا حُلْوٌ جَمِيلٌ وَحَقِيقَتُهَا غَمٌّ طَوِيلٌ تَتَجَمَّلُ بِجَوَاهِرِ الشَّهَوَاتِ وَلآلِىءِ الْمَلَذَّاتِ وَخُيُوطُ عُقُودِهَا حَيَّاتٌ حَيَّاتٌ. طَلْعَتُهَا مُزَخْرَفَةٌ وَرَاحَتُهَا مُزَيَّفَةٌ .. حُلْوُهَا مُرٌّ وَصَفْوُهَا كَدَرٌ لَذَّتُهَا سَاعَةٌ.. وَالنَّدَمُ وَالْحُزْنُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ.. دَارُ فِرَاقٍ وَتَنَافُسٍ وَشِقَاقٍ، بِضَاعَتُهَا مَعِيبَةٌ وَغَدَرَاتُهَا قَرِيبَةٌ.. تَدْعُوكَ مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ وَالشَّرُّ فِي كُلِّهَا مُحِيطٌ مُحِيقٌ وَابْنُ ءَادَمَ فِيهَا.. يُوَاجِهُ أَنْيَابَ فِيهَا.. مَغْرُورٌ مَبْهُورٌ.. يَحْيَا فِي وَهْمِ نَيْلِهَا وَهُوَ غَارِقٌ فِي دَيَاجِيرِ لَيْلِهَا.. يَطْلُبُهَا لِنَفْسِهِ مِلْكَ يَمِينٍ فَتَسْتَرِقُّهُ بِيُسْرَاهَا يَفْتَحُ فَمَهُ لِيَأْكُلَهَا فَتَبْلَعُهُ..

يُمْضِي عُقُودَهَا وَيُرْضِي وُعُودَهَا فَتَخْلَعُهُ.. تُغْرِيهِ بِالْبَهَارِجِ فَيَنْدَفِعُ كَالسَّكْرَانِ وَتَمْنَعُهُ وَحَالُهُ مَعَهَا لاَ هُوَ نَائِلٌ فَيَشْبَعُ وَلاَ مَحْرُومٌ فَيَقْنَعُ..

يَسْعَى لَيْلَ نَهَارَ إِلَى وِصَالَهَا فَتَتَخَلَّفُ، وَيَتَمَلَّقُ وُدَّهَا بِأَنْفَسِ مَا عِنْدَهُ فَتَتَأَفَّفُ.. يَرْجُوهَا وَتَهْجُوهُ وَيَهْجُرُهَا وَتَرْجُوهُ. يَطْلُبُهَا فَتَتْرُكُهُ وَيَتْرُكُهَا فَتُمْسِكُهُ.. يَبْنِيهَا فَتَهْدِمُهُ وَيُعْطِيهَا فَتَحْرِمُهُ..يَخْدِمُهَا فَلاَ تَشْكُرُ وَيَشْكُرُهَا فَلاَ تَذْكُرُ..يُرِيدُ أَنْ يَجْمَعَهَا فَتُفَرِّقُهُ وَيَطْلُبُ رَاحَتَهَا فَتُؤَرِّقُهُ.. يَرْفَعُهَا فَتُدْنِيهِ وَيُدْنِيهَا فَتُقْصِيهِ.. يَحْسَبُ أَنَّهُ قَدْ حَازَهَا وَهِيَ مَلَكَتْهُ.. وَيَظُنُّهَا فِي جَيْبِهِ وَهُوَ فِي قَيْدِهَا.. وَأَنَّهُ أَكَلَ أَخْضَرَهَا وَيَابِسَهَا وَبَيْنَ أَنْيَابِهَا بَقَايَا لَحْمِهِ وَشَظَايَا عَظْمِهِ.. كُلَّمَا ضَحِكَتْ لَهُ ضَحِكَتْ عَلَيْهِ.. وَكُلَّمَا أَمَّنَتْهُ فَغَدْرُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ.. عَقْرَبِيَّةُ اللَّدَغَاتِ أُفْعُوَانِيَّةُ الْعَضَّاتِ.. مَلْمَسٌ نَاعِمٌ وَخَطَرٌ جَاثِمٌ، فَمَتَى أُفِيقُ وَأَفْهَمُ وَأَسْتَوِي بِلاَ اعْوِجَاجٍ؟ هِيَ الدُّنْيَا تَقُولُ بِمِلْءِ فِيهَا حَذَارِ حَذَارِ مِنْ بَطْشِي وَفَتْكِي.

< Previous Post

تفسير ءايات من سورة الكهف عن أصحاب الكهف

Next Post >

من حِكَم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map