تأسست دار الفتوى في أستراليا على أيدي نخبة من أهل العلم والوعي والثقافة والإختصاص، وذلك لحاجة المسلم الأسترالي لمن يتكلم بلسانه، ويعبر عن مشاعره، فيتألم بألمه، ويكتب بقلمه، فبنت أسسها على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما قرره علماء الإسلام أصحاب المذاهب الإسلامية المعتبرة، وعبّرت عن ذلك بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وإظهار محاسن الأخلاق التي أمر بها الإسلام ونبذ التطرف البغيض والعنف الممقوت.

وانطلاقًا من هذه الثوابت و التي من أهمها العناية بمصير المسلمين في أستراليا من أن تشوه سمعتهم و يحرف دينهم ولاسيما في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها أمتنا عمومًا وجاليتنا خصوصًا أقامت دار الفتوى ندوة تحت عنوان ” أهل السنة يحاربون التطرف ” مساء الجمعة في قاعة بلدية بانكستاون 5-8-2005 حضرها إلى جانب الأمين العام لدار الفتوى سماحة الشيخ سليم علوان الحسيني رئيس الوزراء جون هاورد ممثلًا بالنائب الفدرالي ألان كادمان، رئيس المعارضة الفدرالية كيم بيزلي ممثلًا بوزير الظل للهجرة توني بورك، النائبان الفدراليان مايكل هاتن وجولي أونز، رئيس مفوضية العلاقات بين الجاليات ستيبان كركاشريان، قائد شرطة بانكستاون مايكل بلوتوكي، قائد شرطة ليفربول تيري جاكوبسون، السفير السوري الأستاذ تمام سليمان، القنصل العام لبنغلادش الأستاذ أنطوني خوري، رئيس جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية الدكتور غياث الشلح، رئيس الإذاعة الإسلامية الحاج محمد محيو، رئيسة جمعية رعاية المرأة المسلمة الحاجة فاتن الدنا، وجمع من الأئمة والمشايخ والدعاة، وحشد من الرسميين والوجهاء ورجال الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب، وممثلو الجاليات السودانية والهررية والإفريقية والجزائرية والتركية والصومالية والسورية والفلسطينية والأردنية وممثلو الجمعيات والروابط، بالإضافة إلى لفيف من أبناء الجالية الذين غصت بهم القاعة.

بدأت الندوة بتلاوة مباركة من الذكر الحكيم تلاها الأخ أحمد الخير من جمعية أوبرن الإسلامية ثم رحب مدير البرنامج الدكتور حرسي محمد بالحضور أعقب ذلك تقديم سماحة الشيخ سليم علوان الأمين العام لدار الفتوى الذي حاضر بعنوان : ” براءة الإسلام من التطرف والإرهاب البغيض ” ومما جاء في كلمته: ” لقد اختار الله لأمة الإسلام منهجها وبيّن لها طريقها، قال الله تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطا }، وإن وسطية الإسلام وسماحته تؤخذ من النصوص الشرعية، وإن دين الإسلام والمتمسكين به بعلم برءاء من الانحراف عن الوسط، والذي ينحرف عن هذه الوسطية بإفراط أو تفريط فهو غير مطبق لتعاليم الإسلام، وبالتالي فهو لا يمثل الإسلام، وإنما يمثل نفسه.

ثم بين سماحته النصوص الشرعية من القرءان والحديث وأقوال علماء أهل السنة في التحذير من التطرف وأهله، وأضاف قائلًا: يتساءل كثيرون ما هي طُرُق وسُبُل معالجة التطرف الذي يشوّه سمعة الإسلام وينشر الرعب والعنف والدم في البلاد؟

والجواب عن ذلك هو أنه لا بد من إدراك أن المتطرفين إنما يتخفون بشعارات الإسلام باطلًا، ويطرحون أفكارًا لا تمت إلى الإسلام بصلة.

فمن هنا لا بد من معرفة أن المواجهة الأساس تكون بكشف أستارهم وتجريدهم من أقنعتهم وإقامة الحجج عليهم، وبيان بطلان ما يذهبون إليه وفساد ممارساتهم المستندة إلى أفكارهم السوداء.

إن الحرب ضد التطرف هي حرب علمية لا بد أن ترافقها تدابير وقائية. وهنا يبرز لنا بوضوح دور العلماء والمشايخ والدعاة الذين هم خط المواجهة الأول وخط الدفاع الأقوى الذي في حال سقوطه يصبح الطريق أمام هؤلاء المتطرفين معبّدا، وتصبح أهدافهم سهلة التحقيق.

فمن هنا نؤكد على تأهيل الدعاة وتمكنهم في العلم وتزويدهم بالأدلة والوثائق التي تكشف التطرف وأهله، وتجريدهم أمام ما يسمى بالرأي العام حتى لا يجدوا إلى العوام سبيلًا. فلا بد للعلماء والدعاة اليوم أن يمنعوهم من التصدر باسم التدريس الديني عبر المنابر والمساجد والإذاعات والفضائيات والمدارس وإلقاء المحاضرات، وأن يحموا شباب المسلمين من خطرهم، وأن يحظروا انتشار كتبهم. وختم قائلاً: إن دار الفتوى في أستراليا وما يمثله من نهج الإعتدال الذي عليه أهل السنة من مشايخ وأئمة ودعاة وجمعيات ومؤسسات ومراكز وشرائح كبيرة من المجتمع في كل الولايات الأسترالية تطالب الحكومات والشعوب وتلفت نظرها وانتباهها إلى وجود فرق كبير بين المسلمين والإرهابيين المتطرفين وأنه لا علاقة بين الإسلام والإرهاب البغيض والتطرف، مؤكدة أن المسلمين في العالم عمومً اوفي أستراليا خصوصًا يبرأون ويتبرءون من العنف الممقوت والتطرف البغيض.

ونؤكد على عدم ربط الإسلام بالإرهاب البغيض، والمسلمين بالمتطرفين، ولأننا نحن المسلمين من هذا الشعب ومن المواطنين في أستراليا فلا نرضى أن يكون هذا البلد مرتعًا للمتطرفين ولأفكارهم تحت شعار الحرية ولا أن يكون مسرحًا للتفجيرات، لذا نضع يدنا بيد الشعب الأسترالي لمحاربة التطرف وأهله، ونطمئن شعبنا الأسترالي بأننا معه لحمايته وحماية البلد من المتطرفين وشرورهم.

وندعو إلى صيغة التعايش الحسن، ونقول للجميع: لسنا ممن يبيع المبادىء بالمواقع والمناصب، ولا ممن يبدل الأحكام والفتاوى على حسب الوعود والعروض، فالذي نشأ وترعرع بين صفوف ما يسمى بالجماعة الإسلامية أو الوهابية أو حزب التحرير لا يؤتمن على أبناء جاليتنا ولا على مساجدنا ولا على معاهدنا ولا على مدارسنا، ولا يمثل جاليتنا، بل الدفاع عنه والتغطية عليه تقوية له وتشويه لسمعة ديننا وجاليتنا. ولا نقبل أن تعطى هذه الفرق أسماء إسلامية لأن في ذلك استعطافا للبعض تجاههم مما يزيد من تشويشهم على المسلمين. وليعلم أنهم من الأقليات القليلة من حيث العدد والجمهور من هذه الأمة علماؤهم وعوامهم يخالفونهم “.

توالت بعد ذلك كلمات عدة أولها خطاب رئيس الوزراء جون هاورد الذي قال في كلمته التي ألقاها بالنيابة عنه ألان كادمان بأن الحكومة الأسترالية لن تقبل أبدًا بوجود جماعات إرهابية كالقاعدة وما يسمى بالجماعة الإسلامية في مجتمعنا إذ أن الشعب الاسترالي متقبل ومنفتح على غيره مما يجعلنا أقوياء في مواجهة ما قد يتربص بنا في المستقبل كما أكد على دعمه لدار الفتوى في أستراليا والثناء على الدور الرائد الذي تقوم به في تأكيدها المناشدة لنبذ التطرف وفي انفتاحها على المجتمع لنشر التعايش الحسن، ثم أبدى النائب كدمان إعجابه بكلمة الأمين العام لدار الفتوى الشيخ سليم علوان ونوه إلى دور الأئمة والمشايخ المهم في نشر المفاهيم الصحيحة كما شكر دار الفتوى على عملها وهمتها العالية في خدمة المجتمع مشيراً إلى قيادتها الحكيمة والمسؤولة.

ممثل رئيس المعارضة بيزلي النائب توني بورك قال إن الخطر حقيقي وكلنا أمل أن يزول ويتلاشى ولكن واقع الحال يقول إن هناك أشخاصًا يسعون للأذى والشر وذلك عبر نشر كتب فاسدة ومحرضة على العنف ونحن لن نقبل بهذا فموقفنا من هذا واضح وأردف قائلًا إن هذه الكتب لا ينبغي أن تكتب أو تـطبع أو تنشر، كما شدد على تجنب استعمال الجالية الإسلامية كبش فداء في هذه المشكلة وقال موقفكم مهم جدًا وعلينا نحن السياسيون (مشيراً إلى حزب العمال) أن نكمل الشطر الثاني حيث لا ينبغي أن تكونوا بمفردكم في المواجهة فلا بد من تحمل المسئولية أيضًا في حفظ الأمن ومراقبة الحدود.

الدكتور الشلح بين أهمية الدور الذي قامت به المشاريع وتقوم منذ أكثر من نصف قرن في مكافحة التطرف وأهله وكيف أن المشاريع دفعت الثمن غاليًا عندما خسرت قائدها الشيخ نزار حلبي رحمه الله الذي كان من أبرز من حذر من الفكر المتطرف، كما ذكر الدكتور الشلح أنه من الحلول لمحاربة التطرف الدعوة للمناظرات العلمية العلنية لكشف تمويه ومفاسد هؤلاء الوهابية والقطبية والتحريرية أمام عوام المسلمين ليظهر جليًا بأنهم خالفوا رسول الله والأئمة الأربعة وكيف أنهم يكفرون جميع المسلمين ويستثنون أنفسهم وأن العلاج الواقي هو التوعية السليمة لجيل المستقبل ببناء المؤسسات النافعة كما فعلت ومازلت تقوم به جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية والتي بنتها المشاريع وقدمتها منارات هدى تنير السبيل لأفراد المجتمع، وعلى هذا ربانا المحدث الشيخ عبد الله الهرري الذي لم يأل جهدًا في التحذير من أهل التطرف البغيض فالمشاريع نور في زمن خيمت فيه الظلمات. ثم بين أنه حصلت بين بعض مشايخ المشاريع وبعض زعماء المتطرفين مناظرات علمية أظهرت فيها غلو المتطرفين وإفلاسهم من الحجة، مما دعا زعماء التطرف إلى إصدار فتوى بتحريم مناظرة مشايخ المشاريع خوفا من فضحهم وكشف حقيقتهم.

الحاج محمد محيو رئيس الإذاعة الإسلامية شدد على الدور المهم للإعلام في هذه المرحلة الدقيقة وبين أنه من المهم الفصل بين الإسلام والتطرف وتمنى على وسائل الإعلام أن لا تمنح المتطرفين أسماء إسلامية مما يستعطف بعض العوام إليهم وأن لا يبرز من له صلة بالمتطرفين ولو أدنى صلة، لا بالمدح ولا بالإيجابية وبدلا من ذلك ينبغي التركيز على الصورة الحسنة للمسلمين والعمل على نشرها.

الحاجة فاتن الدنا رئيسة جمعية رعاية المرأة المسلمة شكرت دار الفتوى على إتاحة الفرصة لها للكلام عن معاناة المرأة المسلمة بسبب التطرف والمتطرفين الذين ينتحلون صفات إسلامية ويتسترون برداء الشريعة زورًا وبهتانًا وركزت على أهمية دور الأهالي وخاصة الأمهات في تربية الأجيال وتنشئتهم على الأخلاق الإسلامية السمحة في هذا البلد المعطاء والمتعدد الثقافات.

وأكد النائب الفدرالي مايكل هاتون أن تلك الفرق الثلاث هي شريرة و خطيرة على المجتمع و دعا الى المساعدة لسلامة المجتمع من هؤلاء الذين ينشرون دعوتهم في الظلام ودعا إلى مساعدة البوليس والدولة لمحاربة المتطرفين لحماية البلد من تلك المجموعات.

كما تناول قائد شرطة بانكستاون مايكل بلوتوكي القضية مؤكداً على ضرورة اتخاذ إجراءات وقوانين مناسبة وصارمة لتجنب المخاطر التي قد تتعرض لها أستراليا.

تخلل الندوة عرض وثائقي مصور قدمته دار الفتوى كشفت فيه عن تاريخ المتطرفين وما قاموا به من قتل ودمار وكيف عاثوا في الأرض الفساد فكل أفراد المجتمع تحت سكين المتطرفين كما تناول الشريط بعض طرق العلاج للتخلص من التطرف.

واختتمت الندوة بأجوبة من المحاضرين على أسئلة قد وجهت إليهم من المشاركين، هذا وقد نالت الندوة إعجاب الجميع مع تمنياتهم على دار الفتوى في أستراليا تكرار مثل هذه الندوات النافعة لأبناء جاليتنا والتي فيها توضيح صورة الإسلام بشكله الحقيقي.

ونؤكد نحن في دار الفتوى بعد هذه الندوة المهمة أنه كم هو مفيد العود إلى الينابيع الحقيقية، والتمسك بمصادر التشريع دون تحريف، فالعلم الديني السليم يحرس الفرد من كل أشكال التطرف، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: ( يا أيها الناس تعلموا إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه ومن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين ) رواه الطبراني في المعجم الكبير بإسناد حسن . وقال صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللهَ يُعْطِي عَلَىَ الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَىَ الْعُنْفِ ) رواه مسلم وغيره.

فهلم إلى درب النبيين نمشي فيه، وإلى صراط المرسلين نتبعه ، فهناك السعادة، وذلك هو السلام.

صادر عن المكتب الاعلامي

في دار الفتوى

< Previous Post

دار الفتوى تدعو إلى تعاون ديني دولي لمحاربة الإرهاب البغيض

Next Post >

رد جريدة البيان لما صدر عن سماحة الشيخ سليم علوان الحسني لوفاة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map