إنَّ الحمْدَ للهِ نحمَدُهُ ونستَعِينُهُ ونستَهْدِيهِ ونَشْكُرُهُ ونَستغْفِرُهُ ونَتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفُسِنا ومِنْ سَيِّئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هَادِيَ لَهُ. وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له، ولا ضد ولا ند له، ولا شكل ولا صورة له، ولا جهة ولا مكان له. أحمده سبحانه وتعالى أنْ مَنّ علينا بإظهار سيّد البشر وفخرِ ربيعةٍ ومضر. وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا محمدًا صلى الله عليه وسلّم عبده ورسوله وصفيه وحبيبه القائل في حديثه الشريف: “لا يؤمن أحدكم (أي لا يكون كامل الإيمان) حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين “ . أحبك يا رسول الله، فوالله أنت أحبُّ إليّ من نفسي، أحبك يا حبيبَ الله، فوالله أنت أحبَّ إليّ من أهلي ومالي.

فصلى الله على سيدنا محمّد وعلى ءاله وصحبِه وسلَّم .

أمَّا بعدُ عِبادَ اللهِ فإنِّي أوصيكُمْ ونفْسِي بتقوَى اللهِ العَلِيِّ القديرِ وباتباع نهج رسول الله محمد، وبالثبات على عقيدة رسول الله محمد، فلقد أنزل الله سبحانه وتعالى على قلب حبيبه محمد قرءانًا عربيًا عظيما جاء فيه:[لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ] {التوبة:128}  ويقول سبحانه وتعالى: [النَّبِيُّ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ] الآية {الأحزاب:6}

وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين “ .

ولما قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم : أنت أحب إلي من كل شىء إلا من نفسي قال النبيّ : ” لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك “ فقال عمر : والله أنت الآن أحَبّ إليّ من نفسي ، قال النبيّ : ” الآن يا عمر “ (رواه البخاري).

مع العلمِ أن المحبّة باعتقاد الأعظميّة كانت حاصلة لعمر قبل ذلك قطعًا. أجابَ عمرُ أولاً بحسبِ الطّبعِ، ثم تأمّل فعرفَ بالاستدلالِ أنّ النبيّ أحبُّ إليه من نفسِهِ لكونِه السبَبَ في النجاة من المُهلِكاتِ في الدنيا والآخرة فأخبرَ بما اقتضاه ذلك، ولذلك حصل الجواب بقولِه: “الآن يا عمر”، أي الآن عرَفْتَ فنطقتَ بما يجِب.

انسلّ رجل من المشركين إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المسلمين ثم عاد إلى قومه، فقالوا له: أخبرنا بما سمعت وماذا رأيت، فقال يا قوم لقد أدركت قيصر في مجده وكسرى في عزه فما رأيت أعز من محمد، والله إن صحابته بين يديه كأن الطير على رؤوسهم يسمعون لِما يقول لا تسقط الشَعَرَةُ (أي من سيِّدنا محمّد) إلا في كف أحدهم (أيِ الصحابة) فإذا ما وصلت الى كفه جعل يتمسح بها تبركًا بآثار محمد.

ويوم بدر الكبرى يوم أخْبَرَ النبي صلى الله عليه وسلم الصحابةَ عن خروج قريش لقتالهم وقف سعدُ بن معاذ وخاطب رسول الله، فاسمعوا جيدًا كيف يخاطبُ قائدَه وكيف يخاطب حبيبَه، فقال رضي الله عنه: “يا رسول الله قد ءامنا بك وصدّقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحقُّ وأعطيناك مواثيقنا على  السمْع والطاعة فامض بنا لما أردتَ فنحن معك، فوالله لو استعرضْتَ بنا هذا البحر (أي لو عرَضْتَ علينا خوضَ هذا البحر …) فخضتَهُ (أي لجزته مشيًا أو راكبًا) لخضناه معك  ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا إنا لَصُبُرٌ (جمع صابرين) في الحرب صُدُقٌ (جمع صادقين) في اللقاء فسر بنا على بركة الله لعل الله يريك منا ما تقر به عينك ” فَسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.

وروى الحافظ ابن الجوزي عن أنس أنه قال لما كان يوم أُحُدٍ : حاص الناس حيصة (أي ماجوا (اضطربوا) وجالوا) وقالوا قتل محمد حتى كثرت الصوارخ (جَمع صارخة من النساء) في نواحي المدينة قال فخرجت امرأة من الأنصار فاستقبلت بأخيها وأبيها وزوجها وابنها (أي وهم أموات قتلى) ، لا أدري بأيهم استقبلت أولاً فلما مرت على ءاخرهم قالت من هذا؟ قالوا هذا أخوك وأبوك وزوجك وابنك قالت فما فعل النبي ؟ فيقولون أمامك حتى ذهبت إلى رسول الله فأخذت بناحية ثوبه ثم جعلت تقول: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لا أبالي إذا سلمت مَن عطبَ.

تستقبل بأخيها وأبيها وزوجها وابنها أي وهم قتلى ومع ذلك تذهب إلى الحبيب المحبوب وتأخذ بناحية ثوبه وتقول “بأبي أنت وأمي يا رسول الله”.

وهذا خبيب بن عدي أسره المشركون وأخرجوه من الحرم ليقتلوه قال: دعوني أصلي ركعتين، فركع ركعتين خفيفتين ثم انصرف، فقال: “لولا أن تظنوا أني جَزِعٌ من الموت لطولتهما فلذلك خففتهما” . وقال: “اللهم إني لا أنظر إلا في وجه عدوٍّ، اللهم إني لا أجد رسولاً إلى رسولك فبلِّغه عني السلام”. فجاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ذلك. وقال خبيب وهم يرفعونه على الخشبة “اللهم أحْصِهم عَدَدًا واقتلهم بَدَدًا ولا تبق منهم أحَدًا” وقَتَلَ خبيْبَ بنَ عَدِيٍّ أبناءُ المشركينَ الذين قُتِلوا يوم بدر فلما وضعوا فيه السلاح وهو مصلوب نادوه وناشدوه: أتحب محمدًا مكانك؟ فقال: “لا والله العظيم ما أحب أن يفديني بشوكة يشاكها في قدمه”.

إخوة العقيدة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار” . (صحيح البخاري) .

وعن أنس رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فقال (أي الرجل) متى الساعة؟ قال (أي الرسول) وماذا أعددت لها؟ قال (أي الرجل) لا شىء إلا أني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: أنت مع من أحببتَ ؟ قال أنس: فما فرحنا بشىء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم أنت مع من أحببتَ. قال أنس: فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من أشد أمتي لي حُبا ناسٌ يكونون بعدي يودُّ أحدهم لو رءاني بأهله وماله”.

وعن أبي هريرة قال: “قلت يا رسول الله إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني”.

وهذا بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما احتضر نادت امرأته: واحزناه . فقال: “واطرباه غدا ألقى الأحبه محمّدًا وصحبه” .

أيقولُ بلالٌ واطرباهْ          أتراه يحِبُّ الموتَ تُراهْ

يفرح بلقاءٍ مع مولاهْ        يفرحُ بلقاء رسول اللهْ

وبقومٍ كانوا قد سَبقُوا      وبقومٍ قضوْا بسبيلِ اللهْ

اللهم اجمعنا بمحمد، واحشرنا تحت لواء محمد، وثبتنا على عقيدة محمد، وعطِّف علينا قلب محمد، اللهم صل على محمد صلاة تقضي بها حاجاتنا، وتفرج بها كرباتنا، وتكفينا بها شر اعدائنا، إنك يا ربنا على كل شىء قدير.

هذَا وأستغفرُ اللهَ لي ولَكُمْ.

< Previous Post

خطبة الجمعة | من صفات الحبيبِ محمد صلى الله عليه وسلم

Next Post >

خطبة الجمعة | البدعة والاحتفال بالمولد الشريف

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map