خطبة عيد الفطر السعيد 1440-2019
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ،
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
اللَّهُ أَكْبَرُ مَا اجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ فِي عِيدِ الْفِطْرِ السَّعِيدِ، يَتَبَادَلُونَ التَّهَانِيَ وَيَتَوَادُّونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَيَصِلُونَ أَرْحَامَهُمْ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، اللهم إنَّا نوحدك ولا نحدُّك. ونؤمن بك ولا نكيفك. ونعبدك ولا نشبهك. ونعتقد أن من شبهك بخلقك ما عرفك. وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَرَحْمَتُهُ الْمُهْدَاةُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الطيبين الطاهرين.
أما بعد عِبَادَ اللَّهِ أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ، قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ)([1]).
أَيُّهَا النَّاسُ: فِي صَبَاحِ هذَا الْيَوْمِ السَّعِيدِ، الَّذِي يَفِيضُ بِالْمَحَبَّةِ، وَيـَجُودُ بِالْمَوَدَّةِ؛ نُهَنِّئُكُمْ بِعِيدِ فِطْرِكُمُ الْمَيْمُونِ، الَّذِي يَفْرَحُ فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ؛ إِذْ وَفَّقَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لِطَاعَتِهِ، وَامْتَنَّ عَلَيْهِمْ بِوَافِرِ نِعَمِهِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)([2]). وَكم هي عظيمةٌ نِعْمَةُ تَآلُفِ الْقُلُوبِ، وَالتَّوَاصُلِ بَيْنَ الْأَهْلِ وَالْأَقْرِبَاءِ، وَالْجِيرَانِ وَالْأَصْدِقَاءِ، كِبَارًا وَصِغَارًا، نِسَاءً وَرِجَالًا، وَهُمْ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ؛ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ، يُحِبُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا؛ كَبِيرُهُمْ يَعْطِفُ عَلَى صَغِيرِهِمْ، وَصَغِيرُهُمْ يُوَقِّرُ كَبِيرَهُمْ، غَنِيُّهُمْ يَجُودُ بِالْعَطَاءِ، وَقَوِيُّهُمْ يُعِينُ الضُّعَفَاءَ، يَصْنَعُونَ الْمَعْرُوفَ لِكُلِّ مُحْتَاجٍ، (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)([3]). وَيُحِبُّونَ الْخَيْرَ لْكُلِّ النَّاسِ، وَقَدْ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ r أَنَّ الْإِنْسَانَ: «لَا يَبْلُغُ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ، حَتَّى يُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ»([4]). فإنَّ الشرائعَ السَّمَاوِيَّةَ أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ على الأنبياءِ رَحْمَةً لِلنَّاسِ، تَنْشُرُ الْمَحَبَّةَ للخيرِ، وَتَنْبُذُ التَّطَرُّفَ وَالْعُنْفَ الممقوت، وَتَدْعُو إِلَى تَحْقِيقِ الْعَدْلِ، وَأَدَاءِ الْحُقُوقِ إِلَى أَصْحَابِهَا، وَتَأْمُرُ بِحِمَايَةِ الضُّعَفَاءِ وَالْمُسِنِّينَ، وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمُحْتَاجِينَ، وَالْأَرَامِلِ وَالْمَسَاكِينِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى)([5]). فَالْعَدْلُ الْقَائِمُ عَلَى الرَّحْمَةِ هُوَ السَّبِيلُ لِلْوُصُولِ إِلَى الْحَيَاةِ الْكَرِيمَةِ.
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ،
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ: إِنَّ إِعْلَاءَ الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ، والتَّعَاوُنَ بين الناسِ على البرِ والتقوى من المبادئ التي دعت إليها تَعَالِيمُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، فقد بَعَثَ اللَّهُ الْأَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ بِإِقَامَةِ الدِّينِ وَالْأُلْفَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَتَرْكِ الْفُرْقَةِ وَالْمُخَالَفَةِ، وَأَكَّدَ عَلَى ذَلِكَ الْقُرْءانُ الْكَرِيمُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)([6]). وَالنَّاسُ العاملونَ بهذا، وَجَدُوا فِيِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى طُمَأْنِينَةً لِنُفُوسِهِمْ، وَغِذَاءً لِأَرْوَاحِهِمْ، وَإِيقَاظًا لِعُقُولِهِمْ، وَاحْتِرَامًا لِكَرَامَتِهِمْ، وَإِعْطَاءَ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، مع ما يَـحُثُّ الدِّينُ عَلَيْهِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ.
نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُدِيمَ عَلَيْنَا الْمَسَرَّاتِ، وَيُسْبِغَ عَلَيْنَا الْخَيْرَاتِ.
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ،
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ
اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الميامين، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أما بعد عِبَادَ اللَّهِ أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ: فِي يَوْمِ عِيدِنَا نَفْرَحُ بِفَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا، وَرَحْمَتِهِ بِنَا، وَنَتَبَادَلُ التَّهَانِيَ وَالزِّيَارَاتِ فِيمَا بَيْنَنَا، وَنَصِلُ الْأَرْحَامَ، وَنُفْشِي السَّلَامَ؛ وَنُعَزِّزُ أَسْبَابَ الْمَوَدَّةِ وَالْوِئَامِ؛ حَتَّى نَدْخُلَ الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَىءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ»([7]). وَقَالَ : «أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ؛ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ»([8]).
وَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى تَمَامِ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، وَأَتْبِعُوا رَمَضَانَ بِصِيَامِ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ؛ لِيَكُونَ لَكُمْ كَصِيَامِ الدَّهْرِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، ولا تنسوا زيارة القبور وقراءة القرءان عندها.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا أَمَرْتَنَا، فَقُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)([9]). اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ. وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ الصَّالحينَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ عِيدَنَا هَذَا سَعَادَةً وَتَلاَحُمًا، وَمَسَرَّةً وَتَرَاحُمًا، وَزِدْنَا فِيهِ طُمَأْنِينَةً وَأُلْفَةً، وَهَنَاءً وَمَحَبَّةً، وَأَعِدْهُ عَلَيْنَا بِالْخَيْرِ وَالرَّحَمَاتِ، وَالْيُمْنِ وَالْبَرَكَاتِ. اللَّهُمَّ اجْعَل الْمَوَدَّةَ شِيمَتَنَا، وَبَذْلَ الْخَيْرِ لِلنَّاسِ دَأْبَنَا. اللَّهُمَّ أَدِمِ السَّعَادَةَ عَلَى وَطَنِنَا، وَانْشُرِ الْبَهْجَةَ فِي بُيُوتِنَا، وَاحْفَظْنَا فِي أَهْلِينَا وَأَرْحَامِنَا، وَأَكْرِمْنَا بِكَرَمِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَاغفر اللَّهُمَّ للْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، وَأَدْخِلْنَا الْجَنَّةَ مَعَ الْأَبْرَارِ، يَا عَزِيزُ يَا غَفَّارُ.
أَعَادَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْعِيدَ عَلَيْكُمْ بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَاتِ. وقد تـَحرر أقْصَانا. وَكُلُّ عَامٍ وَأَنْتُمْ بِخَيْرٍ.