هدي الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم في تدبير أمر النوم

جعل الله تبارك وتعالى النوم سكونًا للجوارح وراحة لها مما يعرض لها من التعب فترتاح به الحواس من تعب اليقظة، وينقطع الناس به عن حركاتهم التي تعبوا بها في النهار ويزول عنهم به الإعياء والتعب.

ومن فوائد النوم للإنسان هضم الغذاء كما يحتاج إلى دثار يسكنه ويدفئه.

أنواع النوم وأقسامه

أنفع أنواع النوم أن ينام الإنسان على الشق الأيمن وقد بين العلماء فوائده الصحية والبدنية، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن، وقد حض الرسول صلى الله عليه وسلم أمته عليه لأن النوم على الشق الأيمن أنفع مايكون للقلب وأسرع لانتباه النائم لتعلق القلب وعدم انغماره بالنوم.

وأما كثرة النوم على الجانب الأيسر فإنه مضر بالقلب، بسبب ميل الأعضاء إليه فتنصب إليه المواد، وأما أردأ أنواع النوم فهو أن ينام الإنسان على بطنه منبطحًا على وجهه، وقد ذكروا أن ذلك من أردأ أنواع النوم.

النوم المعتدل:النوم المعتدل مفيد للجسم، ممكن للقوى الطبيعية من أفعالها، مريح للقوة النفسانية.

نوم النهار:قيل إن نوم النهار في بعض الأحيان ردئ يورث الأمراض الرطوبية والنوازل، ويفسد اللون ويورث الطحال، ويُرخي العصب ويكسل ويضعف الشهوة إلا في الصيف وقت الهاجرة، وأردؤه نوم أول النهار، وأردأ منه النوم بعد العصر، وقد روي أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما رأى ابنا له نائمًا نومة الصُبحة (أي النوم أول الصباح، أي نوم الغداة) فقال له:” قم، أتنام في الساعة التي تقسم فيها الأرزاق“.

أنواع نوم النهار

قيل: نوم النهار ثلاثة خُلُقٌ وخُرْقٌ وحُمْقٌ، فالخُلُقُ هو نومة الهاجرة (هو النوم عند نصف النهار عند اشتداد الحر وقت الظهر) وهي خُلُقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الخُرْقُ فهو نومة الضحى قيل إنه يشغل عن أمر الدنيا والآخرة.

وأما الحُمْقُ فهو نومة العصر. وقد قال أحدهم في نوم الضحى والعصر:

ألا إنَّ نوماتِ الضّحى تورثُ الفتى        خبالا ونومات العُصَير جنون

وقد قال العلماء في نومة العصر: إن النوم بعد العصر يضعف الفهم، وهو لغير حاجة لا خير فيه، وقد ورد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث ولكنه حديث ضعيف، وأما القيلولة فهي النوم في وقت الظهيرة ولا بأس بها وقد ورد فيها حديث وهو قوله عليه الصلاة والسلام:”قِيلوا فإنَّ الشياطين لا تَقِيل“رواه الطبراني في الأوسط، والقائلة هي الظهيرة هذا ليستعين به على التهجد بالليل.

نوم الصُّبحة

وهو أن ينام الشخص حين يصبح وقد قيل إنه يؤثر في الرزق لأن ذلك وقت تطلب فيه الخليقة أرزاقها، وهو وقت قسمة الأرزاق، فنومه حرمان إلا لعارض أو ضرورة، وكل ذلك على حسب مشيئة الله، وهو أي نوم الصبحة مضر جدًا بالبدن لإرخائه البدن وإفساده للفضلات التي ينبغي تحليلها بالرياضة، فيحدث تكسرًا وعِيًّا وضعفًا، وإن كان قبل التبرز(أي قضاء الحاجة) والحركة والرياضة وإشغال المعدة بشئ فذلك الدّاء العضال المولّد لأنواع من الأمراض.

النوم في الشمس

النوم في الشمس قيل يثير الداء الدفين، وهو نوم الإنسان بعضه في الشمس وبعضه في الظلن وهو نوم ردئ، فقد روى أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”إذا كان أحدكم في الشمس فقلص عنه الظل فصار بعضه في الشمس وبعضه في الظل فليقم“.

وورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقعد الرجل بين الظل والشمس.أخرجه أبو داود وابن ماجه.

وهذا تنبيه من الرسول صلى الله عليه وسلم على منع النوم بينهما.

ضرر النوم على الأكل

روي عن النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم أنه كان ينهى عن النوم على الأكل، ويذكر أنه يقسي القلب ولهذا كان في وصايا الأطباء لمن أراد حفظ صحته أن يمشي بعد العشاء خطوات، ولو مائة أو خمسين أو أربعين خطوة، ولا ينام عقبه فإنه مضر جدا، وقال الأطباء المسلمون: أو يصلي عقيبه أي بعد طعام العشاء وذلد ليستقر الغذاء بقعر المعدة فيسهل هضمه ويجود بذلك.

نوم النبي صلى الله عليه وسلم على جانبه الأيمن وحض أمته على ذلك

كان النبي الأعظم إذا أخذ مضجعه وأراد النوم نام على شقه الأيمن وجعل يده الشريفة اليمنى تحت خده الأيمن وحض صلى الله عليه وسلم أمته على ذلك فقد روت السيدة الجليلة حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها كان إذا أخذ مضجعه جعل يده اليمنى تحت خده الأيمن. رواه الطبراني.

وعن الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ثم قال باسمك اللهم أحيا وأموت.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ“.

منافع وأسرارُ النوم على الجانب الأيمن

كان النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم ينام على شقه الأيمن ويضع يده اليمنى تحت خده الأيمن وفي هذه الكيفية من النوم سر عظيم وحكمة جليلة وفائدة صحية كبيرة.

وقد أثبت الطب الحديث أن النوم على الشق الأيمن هو الأجدر والأفضل في تحقيق السكن الصحي والسكن الجسدي للنائم.

النوم على الشق الأيمن والطِّب الحديث

من أسرار النوم على الشق الأيمن كما قال الأطباء في العصر الحديث إن الرئة اليسرى أصغر من الرئة اليمنى فيكون القلب عند النوم أخف حملًا.

ويكون الكبد مستقرًا لا معلقًا، وتكون المعدة جاثمة فوقها بكل راحتها .
وهذا يكون أسهل لإفراغ ما بداخلها منطعام بعد هضمه.

ومن الشئ العجيب والمفيد أن النوم على الشق الأيمن من أروع الإجراءات الطبية التي تسهلوظيفة القصبات الرئوية اليسرى في سرعة طرحها لإفرازاتها المخاطية.
النوم على الجانب الأيسر

إذا ماأدركنا الفوائد الصحية من النوم على الشق الأيمن كما أثبت بذلك الطب الحديث، نرى أن الطب يثبت أن هنالك مضارًا للنوم على الشق الأيسر أحيانًا ومن ذلك: أن في النوم على الجانب الأيسر يكون القلب حينئذ واقعًا تحت ضغط الرئة اليمنى والتي هي أكبر من الرئة اليسرى وهذا يؤثر في وظيفته ويقلل من نشاطه وخاصة عند المسنين، كما أن المعدة الممتلئة تضغط بدورها عليه، وبذلك يزداد الضغط على القلب والكبدن ويبقى الكبد الذي هو أثقل الأحشاء غير ثابتًا بل معلقًا بأربطة، وهو موجود على الجانب الأيمن فيضغط بحكم موضعه على القلب وعلى المعدة بحيث يؤخر إفراغها.

وقد أثبتت التجارب أن مرور الطعام من المعدة إلى الأمعاء يتم في فترة تتراوح بين ساعتين ونصف وأربع ساعات ونصف ساعة إذا كان النائم ينام على جانبه الأيمن ولا يتم ذلك إلا في نحو خمس ساعات إذا كان نائمًا على جنبه الأيسر، فما أعظم الحكمة من حض النبي صلى الله عليه وسلم أمته في النوم على الشق الأيمن.

خاتمة

عن الْبَرَاء بْن عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وَضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ وَقُلْ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ فَإِنْ مُتَّ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ (أي على الإيمان) فَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ“.رواه الشيخان.

ماأعظم هدي النبي الأعظمصلى الله عليه وسلم فيما سنه وشرعه لأمته في حفظ صحتهم وتدبير أمور معيشتهم، وما أعظم ما أرشد إليه أمته عند نومهم، وما أعظم الفوائد والقواعد الصحية التي أرشد إليها أمته في تدبير أمور طعامهم وشرابهم ويقظتهم ونومهم، وما أعظم أن نقتدي بنبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم ونتبع سنته وطريقته المباركة وسيرته العطرة في أمور معيشته حتى ننعم بالسعادة في الدنيا والآخرة متذكرين قول الله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}سورة الأحزاب /21.

وقوله عز وجل:{وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}سورة النساء/113.

وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

< Previous Post

القبة الخضراء

Next Post >

من أداب يوم الجمعة

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map