بسم الله الرحمن الرحيم

قَالَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم “تَعَلَّمُوا الْقُرْءانَ وَاقْرَأُوهُ وَارْقُدُوا فَإِنَّ مَثَلَ الْقُرْءَانِ لِمَنْ تَعَلَّمَهُ فَقَرَأَهُ وَقَامَ بِهِ كَمَثَلِ جِرَابٍ مَحْشُوٍّ مِسْكًا يَفُوحُ رِيحُهُ في كُلِّ مَكَانٍ وَمَثَلُ مَنْ تَعَلَّمَهُ فَيَرْقُدُ وَهُوَ في جَوْفِهِ كَمَثَلِ جِرَابٍ أُوكِئَ على مِسْكٍ” رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ “وَارْقُدُوا” اجْعَلُوَا ءاخِرَ عَمَلِكُمْ بِاللَّيْلِ قِرَاءَةَ شَىْءٍ مِنْهُ قَبْلَ النَّوْمِ. وَالْجِرَابُ وِعَاءٌ مَعْرُوفٌ. وَمَعْنَى أُوكِئَ أُقْفِلَ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ “وَقَامَ بِهِ” أَيْ عَمِلَ بِمَا فِيهِ وَيَشْمَلُ ذَلِكَ الْعَقيدَةَ وَالأَحْكَامِ.

وَقَالَ صلى اللهُ عليه وسلم “تَعَلَّمُوا كِتَابَ اللهِ وَتَعَاهَدُوهُ وَتَغَنَّوْا بِهِ فَوَالَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْمَخَاضِ في الْعُقُلِ” رَوَاهُ أَحْمَدُ. قَوْلُهُ “تَعَاهَدُوهُ” أَيِ الْزَمُوهُ وَقَوْلُهُ “تَغَنَّوْا بِهِ” أَيِ اقْرَأوهُ بِتَحْزِينٍ وَتَرْقِيقٍ مَعَ مُرَاعَاةِ تَصْحيحِ الْقِرَاءَةِ وَأَحْكَامِ التَّجْويدِ، وَقَوْلُهُ “تَفَلُّتًا” أَيْ ذَهَابًا، وَالْمَخَاضُ النُّوقُ الْحَوَامِلُ، وَالْعُقُلُ جَمْعُ عِقَالٍ وَهُوَ مَا يُرْبَطُ بِهِ البعير.

قَالَ صلى الله عليه وسلم “قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْءانِ وَقُلْ يَا أَيُّها الْكَافِرُونَ تَعْدِلُ رُبُعَ الْقُرْءانِ” رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ، وَمَعْنَى “تَعْدِلُ” تُشْبِهُ إِذْ لا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الإخْلاصِ مثلا أَجْرُهُ مُسَاوِيًا تَمَامًا لِمَنْ قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْءانِ.

وَقَال صلى الله عليه وسلم “الصِّيَامُ وَالْقُرْءانُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ الصِّيامُ أَيْ رَبِّ إِنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ والشَّهَوَات بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فيهِ وَيَقُولُ الْقُرْءانُ رَبِّ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ فَيُشَفَّعَانِ” رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ.

قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}سورة فاطر/29-30. وقال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم:”خيركم من تعلم القرآن وعلمه“رواه البخاري في صحيحه.

الحمد لله الذي أعزنا بالقرآن وشرفنا بحفظه وتلاوته، حمدًا وشكرًا دائمين، فهو كتابه الحكيم ومنهج العدل الرحيم والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين وعلى ءاله الطيبين الطاهرين وصحبه الغر الميامين، ومن اتبع هديه إلى يوم الدين.أما بعد:

فإن الله أنزل من السماء نورًا مبينًا، وحبلًا متينًا، وميزانًا عدلًا قويمًا، ليسعد الإنسان الذي آمن واتقى دنيا وأخرى، ألا وهو القرآن الكريم، قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ}فالقرآن بحر جواهر ونهر عذب ينهل منه الناس الحق والقيم، والنظام والحِكَم، والعلم ومكارم الأخلاق، وهو محفوظ، قال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}سورة الحجر/4.

وقال تعالى حكاية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:{وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ}سورة النمل/91-92. فالقرآن هو نور حياتنا، وزاد أرواحنا، ومهجة قلوبنا. فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعلقة. إن عاهد عليها أمسكها. وإن أطلقها ذهبت”.

فعلى المسلم أن يتعهد كتاب الله بالحفظ، لأنه بذلك يَحفظُ نفسَه ويُسْعِدَ روحَه ويُعلي قدرَه في الدنيا والآخرة. وعلى المسلم أن يحرص على العمل بالقرآن ليكون من أهل القرآن، أهل الله وخاصته، أي أحبابه.

وعن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” إن لله أهلين من الناس، فقيل من أهل الله منهم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصَّته”.

فعلى المسلم أن يبادر بكل إخلاص لحفظ كتاب الله ، وأن يترسمه كسلوك وأخلاق في حياته، فقد كان القرآن خُلُقَ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكما قال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:”يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يُعْرَفَ بِلَيْلِهِ إِذَا النَّاسُ نَائِمُونَ، وَبِنَهَارِهِ إِذَا النَّاسُ مُفْطِرُونَ، وَبِحُزْنِهِ إِذَا النَّاسُ يَفْرَحُونَ، وَبِبُكَائِهِ إِذَا النَّاسُ يَضْحَكُونَ، وَبِصَمْتِهِ إِذَا النَّاسُ يَخُوضُونَ، وَبِخُشُوعِهِ إِذَا النَّاسُ يَخْتَالُونَ”.

فعليكم أن تشدوا العزم وتشمروا عن ساعد الجد، وتشحذوا هممَكم، وتوقظوا عقولَكم، وتنبهوا قلوبَكم وتُسعدوا أرواحَكم بحفظ كتاب الله.

فعن عمرو بن مرة، قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرأ علَيَّ). قلت: آقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال:(فإني أحب أن أسمعه من غيري). فقرأت عليه سورة النساء، حتى بلغت:{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا}. قال: (أمسك). فإذا عيناه تذرفان.

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ، ثُمَّ يَقُولُ “أَيُّهُما أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ”فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ. رواه البخاري في صحيحه.

وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”يُؤْتى بالقرآنِ يومَ القيامة وأهلِهِ الذين كانوا يعملونَ به تَقَدَّمُهُم سورةُ البقرة وآلِ عمران“.

اللهم اشرح صدورنا بالقرآن يا أرحم الراحمين. 

< Previous Post

أسرار الشفاء بالقرآن الكريم

Next Post >

القرءان الكريم وجمعه

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map