من عجائب ما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المعراج، مالك خازن النار، والبيت المعمور، وسدرة المنتهى، والجنة، والعرش، ووصل الى مستوى يسمع فيه صريف الاقلام، وغير ذلك من العجائب  نذكرها هنا بإذن الله.

مالك خازن النار: مِنْ جملةِ ما رءاه تلكَ الليلةَ مالكٌ خازنُ النارِ، ولم يضحكْ في وَجْهِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَسألَ جبريلَ لماذا لم يَرَهُ ضاحكًا إليهِ كغيرِهِ. فقالَ: إن مالِكًا لم يَضْحَكْ مُنْذُ خلقهُ اللهُ تعالى، ولو ضَحِكَ لأحدٍ لضَحِكَ إليكَ.

البيت المعمور: ورأى في السماء السابعةِ البيتَ المعمورَ، وهو بيتٌ مُشَرَّفٌ، وهو لأهْلِ السماءِ كالكعبةِ لأهلِ الأرضِ، كُلَّ يَومٍ يدخلُهُ سبعونَ أَلْفَ مَلَكٍ يصلون فيهِ ثمَّ يخرجونَ ولا يَعُودُونَ أَبدًا. والملائكةُ أجسامٌ نورانيةٌ ذوو أجنحة ليسوا ذكورًا ولا إناثًا، لا يأكلونَ ولا يشربونَ، ولا يتناكحونَ، ولا يعصونَ اللهَ ما أمرَهُم ويفعلونَ ما يؤمرون، وعددُهم لا يحصيهِ إلا اللهُ.

سدرةُ المنتهى: وهي شجرةٌ عظيمةٌ بها من الحُسْنِ ما لا يَصِفُهُ أحدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ، يَغْشَاها فَرَاشٌ(الفراش: جمع فراشة وهي التي تطير وتتهافت في السراج) من ذَهَبٍ، وأصلُها في السماءِ السادسةِ، وتصلُ إلى السابعةِ، ورءاها الرسولُ صلى الله عليه وسلم في السماءِ السابعةِ.

الجنة: وهي فوقَ السموات السبعِ منفصلة عنها فيها ما لا عينٌ رأتْ ولا أذن سَمِعَتْ ولا خَطَرَ على قلب بشرٍ مما أعدهُ اللهُ للمسلمينَ الأتقياءِ خاصةً، ولغَيرِهِمْ مِمَّنْ يدخلُ الجنةَ نعيمٌ يشتركون فيه معهم. فقدْ أخْبَرَنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن حالِ أهلِ الجنةِ بعدَ دخولها قال: ” يُنادي مُنادٍ إنَّ لَكُمْ أن تَصِحُّوا فلا تَسْقَمُوا أبدًا، وإنَّ لَكُمْ أن تَحْيَوْا فلا تَمُوتُوا أبدًا، وإنَّ لكم أن تَشِبُّوا فلا تَهرموا أبدًا، وإنَّ لَكُمْ أَن تَنْعَمُوا فلا تَبْأَسُوا أبدًا. فذلكَ قولُه عزَّ وجَلَّ: ﴿وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون﴾ [سورة الأعراف/43] رواهُ مسلم ( في قوله عزَّ وجلَّ (أورثتموها) دليل لأهل السنة والجماعة على قولهم الحق إن الله لا يجب عليه شىء وإنه متفضل على المؤمنين بإدخالهم الجنة من غير وجوب عليه إذ الإرث يناله الوارث دون مقابل، فدخول المؤمنين الجنة بفضل الله، وذلك كما في قوله صلى الله عليه وسلم: “ولو رحمهم كانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم”.) . ورأى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الجنةِ الحورَ العينِ فطلبَ منه سيّدُنا جبريلُ أن يسلّمَ عليهنَّ بالقول فقلن له: نحن خيراتٌ حسانٌ، أزواجُ قومٍ كرامٍ. ورأى فيها الولدانَ المخلدينَ وهم خلقٌ من خَلْقِ اللهِ ليسوا من البَشَرِ ولا منَ الملائكةِ ولا منَ الجنّ، اللهُ تعالى خَلَقهُم مِنْ غيرِ أمّ وأبٍ كاللؤلؤِ المنثورِ ليخدِمُوا أهلَ الجنةِ، والواحدُ من أهلِ الجنةِ أَقلُّ ما يكونُ عنده من هؤلاءِ الولدانِ عَشرَةُ ءالافٍ بإحدى يديْ كلّ منهم صحيفةٌ من ذهبٍ وبالأخرى صحيفةٌ مِنْ فضةٍ.

العرش: ثم رأى العرشَ وهو أعظمُ المخلوقات، وحولَهُ ملائكةٌ لا يعلمُ عدَدَهُمْ إلا اللهُ. وله قوائمُ كقوائِمِ السريرِ يحملُهُ أربعةٌ مِنْ أعظمِ الملائكةِ، ويومَ القيامةِ يكونونَ ثمانيةً. وقد وصف الرسولُ أحدَهُمْ بأنَّ ما بينَ شَحْمةِ أذنِهِ إلى عاتِقِهِ مسيرةُ سبعِمائةِ عامٍ بِخَفَقَانِ الطيرِ المُسرعِ، والكرسيُّ بالنسبةِ للعرشِ كَحَلقَةٍ في أرضٍ فلاةٍ. قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “ما السموات السبعُ في جَنْبِ الكرسيّ إلا كَحَلقَةٍ في أرضٍ فلاةٍ، وفَضْلُ العرشِ على الكرسيّ كَفَضْلِ الفلاةِ على الحَلقَةِ“. والعرش أولُ المخلوقات بعدَ الماءِ، ثم القلمُ الأعلى، ثم اللوحُ المحفوظُ، ثم بعد أن كتبَ القلمُ على اللوحِ ما يَكونُ إلى يَومِ القيامةِ بخمسينَ ألفَ سنةٍ خلق اللهُ السموات والأرضَ. فلا يجوز أن يقال إن أول خلق الله نور محمد، أما حديث: “أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر”، فهو حديث موضوع مكذوب مخالف للقرءان والحديث الصحيح والإجماع. وفيه ركاكة والركاكة من علامات الوضع عند علماء الحديث. قال الإمام عليٌّ رضي اللهُ عنه :”إنَّ اللهَ خلقَ العرشَ إظهارًا لقدرتِهِ ولم يتخذْهُ مكانًا لذاتِهِ“. رواه أبو منصور البغداديُّ. فيكفرُ من يَعتقدُ أن اللهَ تعالى جالسٌ على العرشِ لأنه عَزَّ وجلَّ ليسَ كمثلِهِ شىءٌ، ولأنهُ سبحانَهُ وتعالى موجودٌ بلا مكانٍ. وما أبشع فرية الوهابية الذين يقولون إن الله جالس على العرش ثم يقولون ولكن ليس كجلوسنا فأين عقولهم كيف يجلس الله على شىء خلقه؟ ثم الجلوس كيفما كان هو من صفات الخلق إذ يحتاج لجالس ومجلوس عليه وكيف يحتاج الخالق لشىء من خلقه، ثم الجالس له نصف أعلى ونصف أسفل وهذا مركب والمركب مخلوق فيستحيل الجلوس على الله تعالى كيفما كان.

وصوله صلى الله عليه وسلم إلى مستوًى يسمع فيه صريف الأقلام: ثم انفردَ رسولُ اللهِ عنْ جبريلَ بعدَ سدرةِ المنتهى حتى وصلَ إلى مستوًى يسمعُ فيه صريفَ الأقلامِ التي تَنْسَخُ بها الملائكةُ في صُحُفِها منَ اللوحِ المحفوظِ. وأما ما يقال إن الرسول وصل وجبريل إلى مكان فقال جبريل: جُز فأنا إن اخترقت احترقت وأنت إن اخترقت وصلت فهذا ونحوه كذب وباطل.

سماعه صلى الله عليه وسلم كلامَ الله تعالى الذاتيَّ الأزليَّ الأبديّ: من المعلوم لدى أهلِ الحقّ أَن كلامَ اللهِ الذي هو صفة ذاته قديم أزلي لا ابتداء له، ليسَ ككلامِنا الذي يُبدأُ ثم يُختَمُ، فكلامه تعالى أزليٌّ ليس بصوتٍ ولا حَرْفٍ ولا لغةٍ. لأن اللغات والحروف والأصوات مخلوقة ولا يجوز على الله أن يتصف بصفة مخلوقة. فلذلك نعتقدُ أن سَيّدنا محمدًا سمعَ كلامَ اللهِ الذاتيَّ الأزليَّ بغيرِ صوتٍ ولا حرفٍ ولا حلولٍ في الأذن. ففي تلكَ الليلةِ المباركةِ أزالَ اللهُ عن أفضلِ خلقِهِ الحجابَ الذي يمنعُ مِنْ سماعِ كلامِ اللهِ الأزليّ الأبديّ الذي ليسَ ككلامِ العالمينَ. وفهم الرسول منه الأوامر التي أمر بها والأمور التي بلّغها. أسمَعَهُ اللهُ بقدرتِهِ كلامَهُ في ذلكَ المكان الذي فوقَ سدرةِ المنتهى، لأنه مكانُ عبادةِ الملائكةِ للهِ تعالى، وهو مكانٌ لم يُعْصَ اللهُ فيهِ، وليسَ مكانًا ينتهي إليه وجودُ اللهِ كما في بعضِ الكتبِ المزيفةِ لأن اللهَ موجودٌ بلا مكانٍ.

ماذا فَهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ كلامِ اللهِ الذاتيّ: فهمَ رسُول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ كلامِ اللهِ الذاتيّ فرضيةَ الصلواتِ الخمسِ. وفهم أيضًا أنه يُغْفَرُ لأمتِهِ كبَائرُ الذنوبِ لمنْ شاءَ اللهُ لَهُ ذلكَ. أما الكافرُ فلا يُغْفَرُ له مهما كانتْ معاملتُهُ للناسِ حسنةً، ولا يرحمُه اللهُ بعدَ الموتِ ولا يدخِلُهُ الجنةَ أبدًا إن ماتَ على كفرِهِ. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآء﴾ [سورة النساء]. وفهمَ أيضًا من كلامِ اللهِ الأزليّ الأبديّ أنّ مَنْ عَمِلَ حَسنةً واحدةً كُتِبَتْ له بعشرةِ أمثالِها، ومن هَمَّ بحسنةٍ ولم يَعْمَلْها كُتِبَتْ لهُ حَسنةً، ومن هَمّ بسيئةٍ وعَمِلَها كُتِبَتْ عليهِ سيئةً واحدةً.

رؤيته صلى الله عليه وسلم لله عزَّ وجلَّ بفؤاده لا بعينه: ومما أكرمَ اللهُ به نبيَّهُ في المعراج أن أزالَ عن قلبِهِ صلى الله عليه وسلم الحجابَ المعنويَّ، فرأى اللهَ بفؤادِهِ، أي جَعَلَ اللهُ لَهُ قوةَ الرؤيةِ في قلبِهِ لا بعينِهِ لأن اللهَ لا يُرى بالعينِ الفانيةِ في الدنيا، فَقَدْ قَالَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم: “واعلمُوا أنكم لن تَرَوْا ربَّكمْ حتى تمُوتُوا“. وإنما يُرى اللهُ في الآخرةِ بالعينِ الباقيةِ، يراه المؤمنونَ الذين ءامنوا باللهِ ورُسُلِهِ، لا يشبِهُ شيئًا من الأشياء، بلا مكانٍ ولا جهةٍ ولا مقابلةٍ ولا ثبوتِ مسافةٍ ولا اتصالِ شُعَاعٍ بين الرائي وبينَهُ عزَّ وجلَّ.  يرى المؤمنون اللهَ عزَّ وجلَّ لا كما يُرى المخلوق. فقد روى البخاريُّ وغيْرُهُ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: “أما إنكم ترونَ رَبَّكُمْ يومَ القيامةِ كما ترونَ القمرَ ليلةَ البدرِ لا تضامُّونَ في رؤيتِهِ“. أي لا تشكُّون أن الذي تَرَوْنَ هو اللهُ كما لا تشكونَ في قمرِ ليلةِ البدرِ، ولا يعني أن بينَ اللهِ تعالى وبينَ القمرِ مشابهةٌ. قال تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [سورة القيامة/23.22]. أما الكفارُ فلا يرونَ اللهَ في الدنيا ولا في الآخرةِ وهم مخلدونَ في نارِ جهنمَ. قال تعالى: ﴿ كَلاَّ إِنِّهُمْ عَن رَبِّــهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ﴾ [سورة المطففين/15]. والدليلُ على أن الرسولَ رأى ربَّهُ بفؤادِهِ مرتينِ في المعراج ما أخرجه مسلمٌ عنِ ابنِ عباسٍ رضيَ الله عنه في قولِهِ تعالى ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ [سورة النجم/11] ﴿ وَلَقَدْ رَءاهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾ [سورة النجم/13] قال: رءاهُ بفؤادِهِ مرتينِ. وبهذِهِ المناسَبةِ تجدرُ الإشارةُ إلى أنهُ لم يحصلْ للنبيّ أن رأى ربَّهُ وكلمَهُ في ءانٍ واحدٍ بل كانت الرؤيةُ في حالٍ وسماعُ كلامِهِ في حالٍ. قالَ اللهُ تباركَ وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً﴾ [سورة الشورى/51].

رؤيته صلى الله عليه وسلم لسيدِنا جبريلَ عليهِ السلامُ على هيئتِهِ الأصليةِ: كان صلى الله عليه وسلم قَدْ رَأى جِبريلَ عليه السلامُ في المرةِ الأولى في مكةَ على هيئتِهِ الأصليةِ، فَغُشيَ عليهِ، أمَّا في هذِهِ الليلةِ المباركةِ فقدْ رءاه للمرةِ الثانيةِ على هيئتِهِ الأصليةِ فلمْ يُغْشَ عليهِ إذْ إنَّهُ ازدادَ تَمَكُّنًا وقُوّةً. فقد روى مسلمٌ عنْ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ [سورة النجم/9.8]. قالت: إنما ذاكَ جبريلُ كانَ يأتيهِ، وإنهُ أتاهُ في هذهِ المرةِ في صورتِهِ التي هي هيأتُهُ الأصليةُ فَسَدَّ أُفُقَ السماءِ. وليسَ معنى هاتينِ الآيتينِ: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ [سورة النجم/9.8]. أن الله دنا منَ الرسولِ حتى قربَ منهُ بالمسافةِ قَدْر ذراعينِ أو أقلَّ، والذي يعتقدُ هذا يضِلُّ ويكفر. أما المعنى الصحيحُ فهو أنَّ جبريل دنا منْ سيدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم (فَتَدَلَّى) أي جبريلُ في دنوِهِ مِنْ سيدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ) أي ذراعين(أَوْ أَدْنَى) أي بلْ أقربَ. وهناكَ ظَهَرَ له بهيأتِهِ الأصليةِ وله سِتُّمائةِ جناحٍ، وكلُّ جناحٍ يَسُدُّ ما بين الأرضِ والسماءِ.

روى مسلمٌ عن الشَعْبِيّ عَن مَسْرُوقٍ قال: كنتُ مُتَّكِئًا عندَ عائشةَ فقالتْ: يا أبا عائشةَ ثلاثٌ مَنْ تكلمَ بواحدةٍ مِنهنَّ فقد أَعْظَمَ على اللهِ الفِريَةَ قلتُ: مَا هُنَّ؟ قالت: مَنْ زَعَمَ أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رأى ربَّهُ فقدْ أعظمَ على اللهِ الفِرْيَةَ. قال وكنتُ متكئًا فجلستُ فقلتُ: يا أمَّ المؤمنينَ أَنْظِرِيني ولا تَعْجَليني، ألم يَقُلِ اللهُ عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ رَءاهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ) (وَلَقَدْ رَءاهُ نَزْلَةً أُخْرَى). فقالت: أنا أوّلُ هذهِ الأمةِ سألَ عَنْ ذلكَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ: “إنما هو جبريلُ لَمْ أَرَهُ على صورتِهِ التي خُلِقَ عليها غيرَ هاتينِ المرتينِ، رأيتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السماءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ ما بينَ السماءِ والأرضِ”. فقالت: أَوَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللهَ يَقولُ: ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [سورة الأنعام] أوَ لَمْ تَسمعْ أَنَّ الله يقولُ: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنِّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [سورة الشورى/51]. قالت: ومَنْ زَعَمَ أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَتَمَ شيئًا من كتابِ اللهِ فقدْ أعظَمَ على اللهِ الفِرْيَةَ، واللهُ يقولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ [سورة المائدة/67]. قالت: وَمَنْ زَعمَ أنهُ يُخْبِرُ بما يكونُ في غَدٍ فقدْ أعظمَ على اللهِ الفِرْيَةَ. واللهُ يقولُ: ﴿قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ﴾ [سورة النمل/65]. أي لا يعلم الغيب كلّه إلا الله، وهذا فيه ردٌّ على القائلين أن الرسول يعلم كل ما يعلمه الله، وهؤلاء ساووا الرسول بالله عزَّ وجلَّ، والله تعالى لا يساويه أحد من خلقه في صفة من صفاته فهو وحده العالِم بكل شىء والقادر على كل شىء لا يشاركه في ذلك ولا في سائر صفاته أحد من خلقه كائنًا من كان. وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا ترفعوني فوق منزلتي“.

ويقالُ إنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم مَرَّ ليلةَ المعراجِ بقومِ يأجوجَ ومأجوجَ وهم كفارٌ منَ البشرِ وبلّغهُم الدعوةَ، ففي البخاريّ أَنَّ اللهَ يَقولُ لآدَمَ يَوم القيامةِ: “أخرج بعثَ النارِ من ذريَّتكَ، فيخرُجُ من يأجوجَ ومأجوج حصة النارِ أكثر من كلّ البشرِ”. وكان ذو القرنينِ وهوَ رجلٌ وليٌّ صالحٌ بنى عليهم سَدًّا من حديدٍ ونحاسٍ أذابَهما، فهم مَحْجُوزُونَ خَلفَ السدّ في هذه الأرض إلى ما شاءَ اللهُ.

ماذا حصل بعد رجوع الرسولِ مِنَ المعراج

قالَ بعضُ العلماءِ: كانَ ذهابُهُ مِنْ مكةَ إلى المسجِدِ الأقصَى وعُروجُهُ إلى أنْ عادَ إلى مكةَ في نحو ثُلُثِ لَيلةٍ أَخْبَرَ أمَّ هانئ بذلكَ ثُمَّ أخبرَ الكفارَ أَنهُ أُسْرِيَ بِهِ فلمْ يصدّقُوهُ واستهزءُوا به فَتَجَهَّزَ ناسٌ مِنْ قريشٍ إلى أبي بَكْرٍ فقالوا لهُ: هَلْ لكَ في صاحبكَ يَزْعُمُ أنه قَدْ جاءَ بيتَ المقدسِ ثمَّ رجعَ إلى مكةَ في ليلةٍ واحدةٍ، فقالَ أبُو بكرٍ: أَوَ قَالَ ذلكَ؟ قالوا: نعمْ قالَ: فأشهدُ لَئِنْ كانَ قَالَ ذلكَ لقدْ صَدَقَ. قالوا: فَتُصَدّقُهُ بأنْ يَأتِيَ الشامَ في ليلةٍ واحدةٍ ثُمَّ يَرْجِعَ إلى مكة قبلَ أنْ يُصْبِحَ؟ قَال: نعمْ، إني أُصَدّقُهُ بأبعدَ مِنْ ذلكَ أُصَدّقُهُ بِخَبَرِ السماءِ. قَالَ أَبُو سَلَمَةَ فبها سُمّيَ أَبو بَكْرٍ الصديقَ رضيَ اللهُ عنه. وطَلبَ الكفارُ مِنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَصِفَ لهم المسجدَ الأقصى لأنهمْ يعلمونَ أنهُ لم يرحلْ مَعَ أهلِ بلدِهِ إلى هناكَ قطُّ. فجمَعَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ قومَهُ فحدثَهُمُ الرسولُ صلى الله عليه وسلم بما رأى، فقال قومٌ منهمْ مِمَّنْ كانَ قَدْ سافرَ إلى ذلكَ البلدِ ورأى المسجدَ: أمَّا النعتُ فَقَدْ واللهِ أصابَ.

وصدق القائل:

يا مَنْ بهَدْيك أفلَح السُّعَداءُ                           * هذي عظاتُك للقلوبِ دَوَاءُ

يا مَنْ بُعِثْتَ إلى الخلائقِ رحمةً                        * أقسمْتُ إنكَ رحمةٌ وضياءُ

وبُعثتَ أُمّيًّا تقولُ فَتَغْتَذِي                             * منكَ العقولُ وتستَقي العلماءُ

وعَدَلْتَ في أمرِ العبادِ فيستوي                        * في دينِكَ الفقراءُ والأمراءُ

وسريتَ مَسْرَى البَدْرِ يَسْطَعُ مُشْرقًا                  * في الكَائناتِ فتنجلِي الظَّلْمَاءُ

والمسجدُ الأقصى عَلَيْه مِنَ التقى                      * حُلَلٌ ومِنْ نورِ الهدى لألاءُ

والأنبياءُ ببابِهِ قد شَاقَهُمْ                               * نحوَ النبيّ محبَّةٌ ورِضاءُ

يا صاحبَ المعراجِ فوقَ المنتهى                         * لكَ وحدَكَ المعراجُ والإسراءُ

يا واصفَ الأقصَى أتيتَ بوصفِهِ                        * وكأنكَ الرسَّامُ والبنَّاءُ

تنبيه

على كل مَنِ اعتقدَ أَنَّ اللهَ جسمٌ وأَنهُ متحيزٌ في مكانٍ أو أنه دَنا مِنَ الرسولِ بذاتِهِ أو أنه جالس على العرش الرجوعُ عن هذا والنطقُ بالشهادتينِ، لأنهُ يكونُ بذلكَ قَدْ شَبَّهَ اللهَ بخَلْقِهِ وكَذّبَ القرءانَ قالَ تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ . وقالَ أبو جعفرٍ الطحاويُّ السَّلفي: تعالى (يعني اللهَ) عن الحدودِ والغاياتِ والأركانِ والأعضاءِ والأدواتِ.

ومعنى تعالى: تنزه الله.

عن الحدود: الحدّ هو الحجم فالله لا يوصف بأنه حجم لا حجم كبير ولا حجم صغير.

والغايات: النهايات وهذا من صفات الأجسام والله منزّهٌ عنها.

والأركان: الجوانب وهذا أيضًا من صفات الخلق.

والأعضاء: الأجزاء الكبيرة كالرأس واليد الجارحة والرِّجل الجارحة فكل ذلك الله منزه عنه.

والأدوات: الأجزاء الصغيرة كاللسان والأضراس والأسنان.

وهذا تنزيه صريح صرح به إمام من أئمة السلف أئمة أهل السنة والجماعة الإمام أبو جعفر الطحاوي الذي كان أدرك جزءًا من القرن الرابع وعشرات من السنين من القرن الثالث الهجري في عقيدته التي هي عقيدة أهل السنة أي الذين هم على ما عليه الرسول والجماعة أي الذين هم مع جمهور الأمة العاملون بحديث الرسول: “عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة”. وبقوله: “فمن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة” ويكون من خالف ذلك شاذًّا ومن شذ شذ في النار.

ويَجْدُرُ بنا هنا أن نَذْكُرَ بأن اللهَ تعالى هو خالقُ السمواتِ السبعِ وخالقُ الأماكنِ كلّها، وأَنَّ اللهَ كان موجودًا قبلَ خلقِ الأماكنِ بلا هذه الأماكنِ كلّها. فلا يجوزُ أن يُعْتَقَدَ أنَّ اللهَ تعالى موجودٌ في مكانٍ أو في كلّ الأمكنةِ، أو أنهُ موجودٌ في السماءِ بذاتِهِ، أو متمكنٌ على العَرْشِ، أو حالٌّ في الفضاءِ، أو أنه قَرِيبٌ مِنّا أو بعيدٌ عَنا بالمسافةِ. تعالى اللهُ وتَنَزَّهَ عن ذلكَ ويَكْفُرُ مَنْ يعتقدُ ذلكَ.

قال الإمامُ عليٌّ رضيَ اللهُ عنهُ: “كانَ اللهُ ولا مكانَ وهو الآن على ما عليه كان”. رواه أبو منصور البغداديُّ. ولا يجوزُ أن يُعتقد أنَّ اللهَ موجودٌ في جِهةٍ من الجهاتِ. قال الإمامُ أبو جعفر الطحاويُّ السَّلفي في عقيدَتِهِ المسماةِ العقيدةَ الطحاويةَ “ولا تحويهِ الجهاتُ الستُّ كسائرِ المبتَدعاتِ” والجهاتُ الستُّ هي فوقُ وتحتُ ويَمِينُ وشِمالُ وأمامُ وخلفُ. أما اعتقادُ بعضِ الضالينَ أن الرسولَ وَصَلَ إلى مكانٍ هو مركزٌ للهِ تعالى فهذا ضلالٌ مبينٌ لأن اللهَ موجودٌ بلا مكانٍ، ولا عبرة بما هو مكتوبٌ في بعضِ الكتبِ الفاسدة الكثيرةِ الانتشارِ والذائعةِ الصيتِ التي فيها ما ينافي تنزيهَ اللهِ عن المكانِ والتي يَتَدَاوَلُها بعضُ العوامّ، والتحذيرُ منها وَاجِبٌ، ومنها الكتابُ الذي عُنوانُهُ: كتابُ المعراج المنسوبُ كَذِبًا للإمامِ ابنِ عباسٍ فيجبُ التحذيرُ منهُ ومِنْ أمثالِهِ.

فالعرش المجيد لا مناسبة بينه وبين الله عزَّ وجلَّ إنما خلقه الله تعالى ليكون كالكعبة بالنسبة للملائكة الحافين حوله وهم أكثر من كل الملائكة بل أكثر من عدد حبات المطر وأكثر من عدد حبات الرمال هؤلاء يطوفون حول العرش ويتوجهون إليه كما أننا نحن المؤمنين من أهل الأرض نتوجه إلى الكعبة في صلاتنا ونطوف حولها ونعظمها ولا مناسبة بين الكعبة وبين الله عزَّ وجلَّ كما أنه لا مناسبة بين الله وبين العرش، وما أقبح قول الوهابية إن جهة فوق تليق بالله لأنها جهة يتشرف بها الله حيث جعل هؤلاء المشبهة الله عزَّ وجلَّ متشرفًا بشىء من خلقه، إذ الجهات كلها من خلق الله تعالى، والله تعالى كان موجودًا قبل الجهات وقبل كل شىء فكيف يكون متشرفًا بشىء من خلقه، سبحانك هذا بهتان عظيم.

مجيب المحتاج في معرفة الإسراء والمعراج

< Previous Post

معجزة المعراج

Next Post >

من عجائب ما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المعراج

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map