بسم الله الرحمن الرحيم، الحَمْدُ لله ذِي الصّفَاتِ العَلِيَّةِ، مُسْتَدِرًّا فَيْضَ البَرَكَاتِ عَلَى مَا أَنَالَهُ مِنَ الخَيْرِ وَأوْلاهُ.
الله عَظَّمَ قَدْرَ جَاهِ مُحَمَّدٍ وَأَنَالَهُ فَضلا لَدَيْهِ عَظِيما
فِي مُحْكَم التَّنْزِيلِ قَالَ لِخَلْقِهِ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلّمُوا تَسْلِيْمَا
وَأُصَلّي وأُسَلّمُ عَلى نَبِيّ الهُدَى المَوْصوفِ بالأَفْضَلِيَّةِ، سَيّدِنَا مُحَمَّدٍ وَمَن اتَّبَعَهُ بإحْسَانٍ وَاقْتَدَى بِشَرِيْعَتِهِ وَوَالاهُ، وَأَسْتَجْدِيهِ هِدَايَةً لِسلوكِ السُّبُلِ الواضحةِ الجَلِيّةِ، وحِفْظًا مِنَ الغَوَايةِ في خِطط الخَطَأ وخُطَاه، وَهَاكم مِن قِصَّةِ المَوْلِدِ النَّبَوِيّ بُرُودًا حِسَانًا عَبْقَرِيّة، نَاظِمًا مِنَ النَّسَبِ الشَّريفِ عقْدًا تَتَحَلّى المَسامِعُ بِحُلَاه، وَأَسْتَعِينُ بِحَوْلِ الله تَعَالَى وَقُوَّتِهِ، فَإنه لا حَول وَلا قُوةَ إلا بالله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
[ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شىء عليمًا، يأيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكرًا كثيرًا، وسبحوه بكرة وأصيلا، هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيمًا، تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعدَّ لهم أجرًا كريمًا، يأيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرًا، ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا] [سورة الأحزاب].
[إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا] [سورة الأحزاب].
اللهم صلّ وسلّم على سيدنا محمد وعلى ءال سيدنا محمد المنـزّل عليه [لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتُّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم] [سورة التوبة].
عَطّر اللَّهُمَّ قَبْرَهُ الكَرِيم، بِعَرْفٍ شَذِيّ مِنْ صَلَاةٍ وَتَسْلِيم
فأقول هُوَ سيّدُنا مُحَمَّدُ بْنُ عبدِ الله بْنِ عَبْدِ المُطّلِب واسمه شيْبةُ الحمْدِ حمدت خصالُهُ السَّنيّةُ، ابن هَاشِم وَاسمُهُ عَمْرُو بْنُ عبد مناف واسمه المغيرة بن قُصَيّ واسمه زيد بن كلاب ابنِ مرةَ بنِ كَعب بنِ لُؤيّ بْنِ غَالِبٍ بنِ فِهْرٍ وَإليهِ تُنسَبُ البُطُونُ القُرَشِيَّةُ، وَمنْ فَوْقِهِ كنانيّ كَمَا جَنَحَ إلَيْهِ الكَثِيرُ وَارْتَضَاه، ابنِ مَالِكٍ بْنِ النَّضْرِ بنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَة ابْنِ إلياسَ وَهُوْ أَوَّلُ مَنْ أَهْدَى البُدْنَ إلَى الرّحَابِ الحَرَمِيَّة، ابنِ مُضَرٍ بْنِ نِزَارٍ بْنِ مَعَد ابْنِ عَدْنَانَ وَهَذا سِلْكٌ نَظّمَتْ فَرَائِدَهُ بنان السنةِ السنيّة، وَرَفْعُهُ إِلَى الخَلِيلِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمْسَكَ عَنْهُ الشَّارِعُ وَأَبَاه، وَعَدْنَانُ بِلَا رَيْبٍ عِنْدَ ذَوِي العُلُومِ النَّسَبِيّة إِلَى الذَّبِيحِ إسْمَاعِيلَ نِسْبَتُهُ وَمُنْتَمَاه. فَأَعْظِمْ بِهِ مِنْ عِقْدٍ تَأَلَقَّتْ كَوَاكِبُهُ الدُرّيَّة، وَكَيْفَ لا والسَّيّدُ الأَكْرَمُ صلى الله عليه وسلم وَاسِطَتُهُ المُنْتَقَاة.
عَطّر اللَّهُمَّ قَبْرَهُ الكَرِيم، بِعَرْفٍ شَذِيّ مِنْ صَلَاةٍ وَتَسْلِيم
وَلَمّا ءان بروز حَقِيْقَتِهِ المُحمدية، وإظهارُه جِسْمًا وَرُوحًا بِصُورَتِهِ وَمَعنَاه، نَقَلَهُ إلى مقرّهِ من صَدَفَةِ ءامِنَةَ الزّهْرِية، وَخَصَّهَا القَرِيبُ المُجِيبُ بأنْ تَكُونَ أُمًّا لِمُصْطَفاه، وَنُودِيَ في السمواتِ والأَرضِ بِحَمْلِهَا لأَنوارِهِ الذَّاتيّة، وَصَبَا كُلُّ صَبّ لهبُوبِ صباه، وكُسِيَتِ الأرضُ بَعدَ طولِ جَدْبها مِن النباتِ حُلَلًا سُنْدُسِيّة، وَأَيْنَعَتِ الثمارُ وأعْطَى الشجرُ لِلْجاني جَنَاه، واحْتستِ العوالمُ من السرورِ كأسَ حميّاه، وبشرتْ هَوَاتِفُ الجِنّ بِإظْلَالِ زَمَنِهِ وَانْتُهِكَتِ الكَهَانةُ وَرَهِبَتِ الرَّهْبَانِيَّةُ، وَلهجَ بِخَبَرِهِ كُلُّ حَبْرٍ خبيرٍ وفي حُلا حُسْنِهِ تَاه، وأُتِيَتْ أُمُّهُ في المنامِ فقيلَ لها إِنك قَدْ حَمَلْتِ بسيّدِ العالمينَ وخير البَرِيّة، فَسَمّيهِ إذا وَضَعْتِيهِ مُحَمَّدًا فَإنَّهُ سَتُحْمَدُ عُقْبَاهُ.
قالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ مِمَّنْ أَلَّفَ فِي قِصّةِ المَوْلِدِ الشَّرِيفِ
حَمَلَتْ ءامنةُ بِنْتُ وَهْبٍ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عشِيَّةَ الجُمُعَةِ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ رَجَبٍ، وَإن ءامنةَ لَمَّا حَمَلَتْ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم كانتْ تَرَى الطُّيورَ عَاكِفَةً عَلَيْهَا إِجْلالا للذي فِي بَطْنِهَا، وكانَتْ إِذَا جَاءَتْ تَسْتَقي مِن بئرٍ يَصْعَدُ المَاءُ إليْهَا إلى رَأْسِ البِئْرِ إِجْلالا وَإعْظَامًا لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَأخْبَرَتْ بِذَلك زَوْجَهَا عَبْدَ الله فَقَالَ: هَذِهِ كَرَامَةٌ للِمَوْلودِ الذي في بَطْنِكِ، قَالَتْ: وَكُنْتُ أسْمَعُ تَسْبِيحَ المَلائِكَةِ حَوْلِي وَسَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ: هَذا نُورُ السيّدِ الرَّسولِ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي المَنَامِ شجرة وَعَلَيْهَا نُجُومٌ زَاهِرَةٌ بَيْنَهُنَّ نَجْمَةٌ فَاخِرَةٌ أَضَاءَ نُورُهَا عَلَى الكُلّ، وَبَيْنَمَا أَنَا نَاظِرةٌ إِلى نُورِهَا وَاشْتِعَالِهَا إذ سَقَطَتْ في حِجْرِي وَسَمِعْتُ هَاتفًا يقولُ هَذا النَّبيُّ السَّيدُ الرَّسُولُ،
قَالَتْ ءامِنَةُ: وَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ رَأَيْتُ الشُّهبَ تَتَطَايَرُ يَمِيْنًا وَشِمَالا، وَرَأَيْتُ المَنْزِلَ قَدِ اعْتَكَرَ عَلَيَّ بأَصْوَاتٍ مُشْتَبِهَاتٍ وَلُغَاتٍ مُخْتَلِفَاتٍ فَأَوْحَى الله تَعَالَى إِلى رِضْوانَ: يَا رِضْوَانُ زَيّنِ الجِنَان، وَصُفَّ عَلَى غُرَفِهَا الحُورَ والوِلْدَان، فَتَبادَرَتْ بِزِينَتِهَا الحُورُ الحِسَان، وَأَشْرَفَتْ مِنْ غُرَفِ الجِنَانِ وَأَزْهَرَتِ الأوْرَاقُ وَالأشْجَارُ وَالأغْصَان، وَقَطَرَتْ قَطَراتُ الرَّحْمَةِ عَلَى أَوْرَاقِ الأَفْنَان، وَاهْتَزَّ العَرْشُ طَرَبًا، وَمَالَ الكُرْسِيُّ عَجَبًا، وَخَرَّتِ المَلَائِكَةُ سُجَّدًا وَمَاجَ الثَّقَلان، وأظهر سرّه المَلِكُ الدَّيَّانُ(1) المـنـزهُ عن السكون والحَرَكَةِ والانتقَال والمكان، تَعَالَى رَبُّنَا ذُو الجَلَالِ.
(1) الديانُ الذي يجزي المؤمنين بالجنة ويجزي الكفار بالعذاب.
ثُمَّ إنَّ الله تَعَالَى أَوْحَى إلَى جِبْرِيلَ أَنْ صُفَّ أَقْدَاحَ رَاحِ الشَّرَاب، لِلْكَوَاعِبِ الأترابِ، وانْشُر نوَافِحَ المِسْك الذَّكِيَّةِ، وَعَطّرِ الكَوْن بالرَّوائِحِ الطَّيّبةِ الزَّكيَّةِ، وَافرُشْ سَجَّادَةَ القُرْبِ وَالوِصَال، للْمُصْطَفَى المُصَلّي فِي مِحْرَابِ الكَمَال، وَقِيلَ يَا مالِكُ أغلِقْ أَبْواب النّيرَان، وَصَفّدِ الشَّيَاطِينَ لِهُبُوط الملائكَة المُقَرَّبِين، وَنُودِيَ فِي أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ فَهَبَطَ الأمِينُ إِلى الأرْضِ بِالمَلَائِكَةِ المُقَرَّبِينَ وَقَدْ حَجَبَتْهُمْ سَحَابَةٌ مِنَ الكَافُورِ الأَبْيَض، فَرَجَعَتْ بِرِيَاحِ الرَّحْمَةِ مِنْ مجاري سحب الكَرَامَةِ تَرْبَض، وَرَفْرَفَتِ الأَطْيَار، وَجَاءَتِ الوُحُوشُ مِنَ القفَار، وَكُلُّ ذَلِكَ بِأَمْرِ المَلِكِ الجَبَّار.
قَالَتْ ءامِنَةُ وَلَمْ يأخُذْنِي مَا يَأخُذُ النّسَاء مِنَ الطَّلْقِ إلا أنّي أَعْرَقُ عَرَقًا شَدِيدًا كَالمِسْكِ الأذْفَرِ لَمْ أَعْهَدْهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِي، فَشَكَوْتُ العَطَشَ، فَإذا بِمَلَكٍ نَاوَلَنِي شَرْبَةً مِنَ الفِضَّةِ البَيْضَاءِ فِيهَا شَرَابٌ أَحْلَى مِنَ العَسَلِ وَأَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ وَأَذْكَى رَائِحَةً مِنَ المِسْكِ الأَذْفَرِ، فَتَنَاوَلْتُهَا فَشَرِبْتُهَا فَأَضَاءَ عَلَيَّ مِنْهَا نُورٌ عَظِيمٌ، فَحِرْتُ لذَلكَ وَجَعَلْتُ أَنظُرُ يَمِينًا وَشِمَالا وَقَدِ اشْتَدَّ بِيَ الطَّلْقُ، فَبَيْنَمَا أَنا كَذَلِكَ فَإذَا أَنَا بِطَائِرٍ عَظِيمٍ أبْيَضَ قَدْ دَخَلَ عَلَيَّ وَأَمَرَّ بَجَانِبَةِ جَنَاحَيْهِ عَلَى بَطْنِي وَقَالَ: انْزِلْ يَا نَبِيَّ الله صلى الله عليه وسلم فَأَعَانَنِي عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ عَلَى تَسْهِيلِ الوِلادَةِ فَوضَعْتُ الحَبِيْبَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم