عَذَابُ القَبرِ وسؤالُهُ

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستهدِيهِ ونشكرُه ونستغفرُه ونتوبُ إليهِ ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيِّئاتِ أعمالِنا مَنْ يَهدِ اللهُ فَلا مُضلَّ لهُ ومَنْ يُضللْ فَلا هَاديَ لَهُ .

وأشهدُ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لهُ ولا مَثيلَ لهُ جَلَّ رَبِّي سُبحانَهُ وتعَالى عَنِ القُعودِ والجلوسِ والتحيُّزِ في الجِهَةِ والمكانِ فهوَ خالقُ الأماكنِ والجهاتِ وهوَ غنيٌّ عنهَا لا يحتاجُ رَبُّنَا سبحانَهُ وتعالَى لِلعرْشِ ولا للكرسيِّ ولا للسمَـواتِ ولا للأرضينَ ولا لأيِّ شَىءٍ مِنْ خَلْقِهِ فهوَ القائلُ سبحانَهُ{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ {1} اللهُ الصَّمَدُ {2}}سورةَ الإخلاص، أيِ المستغني عَنْ كُلِّ مَا سِواهُ والمفتقرُ إليهِ كُلُّ مَا عَدَاهُ . وأشهدُ أنَّ سَيِّدَنا وحَبيبنَا وقُرَّةَ أعيُنِنا محمَّدًا عَبدُه ورَسولُه وصفيُّه وحَبيبُه بَلَّغَ الرِّسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونَصَحَ الأُمَّةَ فجزَاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزَى نَبيًّا مِنْ أنبيائِه . اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبارِكْ عَلى سَيِّدِنا محمَّدٍ طِبِّ القلوبِ ودوائِها وعافيةِ الأبدانِ وشفائِها ونورِ الأبصَارِ وضيائِها وعَلى ءالِه وأصحابِه الطيِّبينَ الطاهِرِينَ ومَنْ تَبِعَهُم بإحسَانٍ إِلى يَومِ الدِّينِ .

أمَّا بعدُ عِبادَ اللهِ فإني أُوصيكُمْ ونَفْسِيْ بتَقْوَى اللهِ العَليِّ القديرِ القائِلِ في مُحْكَمِ كِتابِه { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا ءالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ {46}  سورةَ غافر46 .

يُخبِرُ اللهُ تباركَ وتعَالى أنَّ ءالَ فِرعونَ أيْ أتباعَهُ الذِينَ اتَّبعوهُ عَلى الكفْرِ والشِّركِ يُعرَضونَ عَلى النَّارِ في البرْزخِ أيْ في مُدَّةِ القبرِ، والبرْزخُ مَا بينَ الموتِ والبعثِ، يُعرَضونَ عَلى النَّارِ عَرْضًا مِنْ غيرِ أنْ يَدخُلوهَا حَتى يَمتلئوا رُعْبًا أولَ النهارِ مرةً وءاخِرَ النهارِ مَرَّةً … ويومَ القيامةِ يُدخَلونَ النَّارَ .

ورَوَى البُخاريُّ ومسلمٌ عَنْ أنَسٍ عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ أنَّهُ قالَ: "إِنَّ العبْدَ إذَا وُضِعَ في قَبْرِهِ وتوَلَّى عنهُ أصحابُه وإنَّهُ لَيَسمعُ قرْعَ نعالهِمْ إذَا انصَرفوا أتاهُ ملَكانِ فيُقعدانِه فيقولانِ مَا كنتَ تقولُ في هذا الرَّجُلِ ( أيْ محمّدٍ )  ؟ فأمَّا المؤمِنُ ( أيِ الكامِلُ ) فيقولُ أشهدُ أنَّهُ عبدُ اللهِ ورسولُه فيُقالُ انظُرْ إِلى مقعدِكَ مِنَ النَّارِ أبدلَكَ اللهُ بهِ مَقعدًا مِنَ الجنَّةِ فيراهُما جميعًا وأمَّا الكافرُ أوِ المنافِقُ فيقولُ لا أدْرِي كنتُ أقولُ مَا يقولُ الناسُ فيهِ فيُقالُ لا دَريتَ ولا تلَيتَ ثمَّ يُضرَبُ بمطرقةٍ مِنْ حديدٍ بينَ أذُنَيهِ فيصيحُ صيحةً يسمعُها مَنْ يليهِ إلا الثقَلَينِ".

إنَّ العبدَ إذا وُضِعَ في قَبرِه وتَولَّى عنهُ أصحابُه وإنَّه لَيَسمعُ قرْعَ نعالهِمْ إذَا انصرَفوا فقدْ سألَ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ عندمَا ذَكَرَ رسولُ اللهِ فتَّانيِ القبرِ أيْ منكرًا ونكيرًا قالَ عُمَرُ أتُرَدُّ عَلينا عقولُنا يَا رسولَ اللهِ؟ قالَ نعَم كهيئتِكُمُ اليومَ ، قالَ فبفيهِ الحجَرُ أيْ ذاكَ الخبرُ الذِي لم أكنْ أعرفُه، وسَكتَ وانقطعَ عنِ الكلامِ، إنَّ العبدَ إذَا وُضِعَ في قبرِهِ وتَولَّى عنهُ أصحابُه إنَّهُ لَيسمعُ قرْعَ نعالهِمْ إذَا انصرَفوا أتاهُ ملَكانِ. ومَنْ هُما الملَكانِ ؟ همَا منكرٌ ونكيرٌ وقدْ سُمِّيَا مُنكرًا ونكيرًا لأنَّ الذِي يراهُما يَفزعُ مِنهما، منكرٌ معناهُ هذِه الهيئةُ غيرُ معروفةٍ، هَيئتُهما تختلفُ عنْ سائرِ الملائكةِ وعنِ الإنسِ والجنِّ همَا أسودانِ أزرقانِ لونُهما ليسَ منَ السوادِ الخالصِ بلِ الأسودُ الممزوجُ بالزرقةِ وهذَا يكونُ أخوفَ مَا يكونُ مِنَ الألوانِ، عيونُهمْ كقدورِ النّحاسِ أنيابُهم كقرونِ البقرِ حَتى يَفزعَ الكافرُ منهمَا .

أمَّا المؤمِنُ التقيُّ الذِي التزمَ طاعةَ اللهِ فلا يخافُ مِنهُما، اللهُ يثبِّتُه، يُلْهِمُه الثباتَ وهمَا لا يَنظرانِ إليهِ نظرةَ غضبٍ، اللَّهُمَّ بجاهِ كُلِّ اسمٍ عظيمٍ هوَ لكَ وبجاهِ حبيبِكَ محمَّدٍ بَلِّغْنَا التقوَى وثبِّتْ قلوبَنا يَا أرحمَ الرَّاحمينَ .

فيُقعدانِه فيقولانِ ما كنتَ تقولُ في هذَا الرَّجلِ محمَّدٍ؟ فأمَّا المؤمِنُ أيِ التقيُّ الذِي أدَّى مَا أوجَبَ اللهُ عليهِ واجتنبَ الحرامَ فيقولُ أشهدُ أنَّه عبدُ اللهِ ورسولُه فتؤخَذُ رُوحُه إِلى مكانٍ يَنظرُ مِنه إِلى جهنَّمَ فيَرى مقعدَهُ في النَّارِ لَوْ كانَ ماتَ عَلى الكفْرِ . وتؤخَذُ رُوحُه إِلى مكانٍ قرْبَ الجنَّةِ فيَرى مقعدَهُ الذِي يَتبوَّؤُهُ في الآخِرةِ فيَعرِف فَضْلَ الإسلامِ حينَ ذلكَ معرفةً عِيانيَّةً كمَا كانَ يعرفُ في الدُّنيَا معرفةً قلبيةً، اللَّهُمَّ أَحْيِنَا عَلى الإسلامِ وأمِتْنا عَلى كامِلِ الإيمانِ يا رَبَّ العالمَينَ .

أمَّا الكافِرُ الذِي كانَ في الدُّنيا عَلى غيرِ الإسلامِ كمَنْ كانَ يَسُبُّ اللهَ أوِ الإِسلامَ أوِ الشَّريعةَ أوِ الأنبياءَ أوِ الملائكةَ أوْ يَعتقدُ أنَّ اللهََ جِسْمٌ أوْ ضَوءٌ أوْ رُوحٌ أوْ يَرمِيْ المصحفَ في القاذوراتِ والعياذُ باللهِ فهذَا يُضرَبُ بمطرقةٍ مِنْ حديدٍ بينَ أذُنَيْهِ لوْ ضُرِبَ بهَا الجبلُ لاندَكَّ فيصِيح صيحةً يسمعُها مَنْ يَلِيْهِ مِنْ بهائمَ وطيورٍ إلا الإِنْسَ والجِنَّ فإنَّ اللهَ حَجَبَ عنهُمْ ذلكَ .

ثمَّ يُقالُ للأرضِ التئمِيْ عليهِ فَيضِيقُ عليهِ القبرُ حَتى تتشابكَ أضلاعُه ثمَّ هَذا العبدُ الكافرُ لا يزالُ معذَّبًا بهذَا العَذابِ حَتى يَبعثَهُ اللهُ ثمَّ بعدَ أنْ يُبعَثَ يُعذَّبُ بأشياءَ غيرِ التي كانَ يُعذَّبُ بهَا وهوَ في القبرِ ثمَّ بعدَ دخولِه النارَ يكونُ أشدَّ وأشدَّ فهوَ خالدٌ في النَّارِ أبَدًا لا يموتُ فيهَا ولا يَحيا أيْ لا يحيا حَياةً فيهَا راحةٌ ويزيدُ اللهُ في حَجمِ الكافرِ في النَّارِ لِيزدادَ عَذابًا حَتى يكونَ ضِرسُه كجَبلِ أحُدٍ، اللَّهمَّ احفظْ علينَا دِينَنا الذِي جَعلْتَهُ عصمةَ أمْرِنَا يَا ذَا الجَلالِ والإِكْرامِ.

فَيا أخِيْ المسلمَ حَصِّنْ نفْسَكَ بعِلْمِ الدِّينِ ، تدارَكْ نفْسَكَ بعِلْمِ الدِّينِ لأنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يعيشُ عمُرَهُ عَلى غَيرِ الإِسلامِ وهوَ يَظُنُّ بنفْسِه الإسلامَ فعندَ الموتِ يَعرفُ أنَّه لم يَكنْ عَلى الإسلامِ عندمَا يَأتيهِ مَلَكُ الموتِ عَزرائيلُ ويقولُ له يا عَدُوَّ اللهِ إِلى النَّارِ أبشِرْ بسخَطِ اللهِ وعذابِه.

اللَّهُمَّ أحسِنْ ختامَنا وتوفَّنا وأنتَ راضٍ عنَّا يا رَبَّ العالمينَ.

هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم  .

 

< Previous Post

خطبة الجمعة | الدليل العقلي على وجود الله

Next Post >

خطبة الجمعة | فضلُ صلاةِ الجمُعةِ وأهمّيتُهَا

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map