زخر الأدب العربي عبر السنين بنوابغ في فنون منه شتى، ومن بين هذه الفنون الشعر، فالشعر أشبه ما يكون بمرءاة صقلية، تنعكس فيها أحاسيس الشعراء عبارات منتظمة بسلاسل أفكار ومعان يراد منها إفهام حالة نفسية، أو وصف لشعور أو ثناء أو ما يشبه ذلك من أغراض الشعر وفنونه، والإسلام لا يُنكر على الشعر الجيد الذي فيه ذكر الله تعالى وتمجيده أو الذي فيه مدح النبي محمد صلوات ربي وسلامه عليه أو نحو ذلك من وجوه الخير، فالشعر حكمه في الإسلام هُوَ كلامٌ حَسَنُهُ حَسَنٌ، وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ وقد ثبتَت الأحاديثُ الصحيحةُ بأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سمع الشعرَ، وثبتَ أنه صلى اللّه عليه وسلم قال:( إنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً ) رواه البخاري، ولهذا نظّمت دار الفتوى أمسية شعرية أحياها ضيف الجالية الإسلامية في أستراليا الشاعر الأديب فضيلة الشيخ غانم جلول، حين استدرجت القصائد جمهور الشعر العربي إلى قاعة مدرسة الأمانة الإسلامية في محلة ليفربول بحضور حشد كبير من أبناء الجالية وشعرائها وأدبائها وضيوف ومتذوقي ومحبي الشعر إلى جانب مشايخ وأئمة مساجد وممثلي الجمعيات والجاليات الأثنية.

بدأت الأمسية بقراءة القرءان ثم بكلمة لعريفها الذي قدّم لفارس الأمسيّة، ولأن القصيدة العربية لها مذاقها الخاص ونكهتها المتميّزة التي تدغدغ أذواق المستمعين بالبهجة والعذوبة فقد استمع الحاضرون مطولًا إلى فضيلة الشاعر الشيخ “غانم جلول” الذي كان كالبحر في اتساع مداركه اللغوية والنحوية والشعرية وكالمطر في غزارته وكالنهر في انسيابه وكالربيع في بهائه ونضرته فبدت الأمسية وكأنها محفوفة بعليل نسيم ربوع بلادنا الخضراء، متلمسة حنان تلك الديم المعطاء، وكانت مناسبة كبيرة لاحتفاء الجالية الإسلامية بضيفها الكبير احتفاء النديم بالنديم.
وحضر الشعرُ العربي بأبهى حلله الزاهية المتبخترة بين قوافي المديح النبوي الشريف وأوزان بحور الرثاء -رثاء سماحة الشيخ نزار حلبي رحمه الله-، والثناء على المنهج المعتدل لجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية وشيخها المحدث العالم العلاّمة الشيخ عبدالله الهرري الحبشي حفظه الله، واشتعل فتيل التأهّب عندما عرض –الشاعر الشيخ- لبعض مآثر الجيش اللبناني البطل الذي يقدّم التضحيات الكبيرة والجهود الكثيرة للمحافظة على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي فكان لا بد من قصائد في حب لبنان الوطن الغالي، ليرسم كل ذلك لوحات رائعة من الإبداع الشعري المتميز والمتألق للشاعر الشيخ.

وفيما يلي بعض المقاطع المختارة من القصائد التي ألقاها الشاعر الأديب الشيخ غانم جلول.
في المديح النبوي :

فاحت طيوب عند ذكر محمدِ             عبقت بروحي من شذاها الأحمدي
ولد النبي فضاءت الدنيا لهُ              وشيا بحاشية الظلام الأسودِ
وبطاح مكة أزهرت بقدومهِ                وربوعها فرحا بقرب الموعدِ
فالكون يزهو والبلاد ربيعها               ثوب يحاك بعسجد وزبرجدِ
يا والهين بحب أحمد رنّموا                  بمديحه فاليومُ يومُ المولدِ
أنا في صراطك يا محمد سائرٌ           حتى تشفّع فيَّ يوم المشهدِ
أنا يا محمد قاصر عن حقكمْ            فبأي نعتٍ من علاكمْ أبتدي
ويدي القصيرة لا تنال نجومكمْ          وصفا لكم فأقول ما نالت يدي
لكن نظرتُ إلى العُلى فنسبتها           شريف قدرٍ من خصالكَ أمجدِ
سرد الزمان فضائلا من حسنكمْ         وفضائل في خدرها لم تُسردِ
مَن ردَّ عين قتادةٍ وإمامنا                 من ريق مَنْ فكأنّه لم يرمدِ
والجذع حنّ إلى حنان محمدٍ              وهو اليبيس غدا براحته نديّْ
وسرتْ علائم نوركم ترقى النهى          فحملتَ كلَّ فضيلة يا سيدي
وسموتَ حتى لا يُنال مقاكمْ              ورُفِعتَ حتى لا تُطال بسؤدَدِ
وعرجت في رتب الكمال وقد غدا        أدنى المنازل عند أبعد فرقدِ
وسما جبين الدهر بالهادي الذي          قسما لغير إلهه لم يسجدِ
من ضاع في لجج الحياة إن اهتدى       فلغير جود جنابكمْ لم يقصدِ
ربّيت للحق المبين صحابةً               نهلوا التقى عذبا بطيب الموردِ
سيماهمُ أثر السجودِ، خشوعهمْ       نورٌ تألَّق في جبين المهتدي
أنت المبارك حِبُّ كلِ مباركٍ            الأنبياءِ الراكعينَ السُّجَّدِ
عيسى أخوك ومريمٌ أختٌ لفاطمةَ      البتولِ بدربِ دينٍ واحدِ
فإذا دعوتَ فأنت أكرم من دعا       وإذا دُعيتَ فأنت أشجع منجدِ

وقال في رثاء سماحة الشيخ نزار حلبي رحمه الله:

ساروا الهوينا على أكبادهم حملوا                سماحة الدين والأكباد تشتعلُ
ماذا نسجل للتاريخ ملحمةً                     ماذا نردّ على الأجيال لو سألوا
نعش تهادى على بحر الدموع ضُحًى            ما بين عيني وقلبي راح ينتقلُ
فيحمل الدمع يسقي حرقةً صدعتْ            في صدر خافقة من أين يندملُ
تبكيك بيروتُ ثكلى كنت عزَّتِها               وكنت موئلَها إنْ ضاقت الحملُ
نور السلاطين يجلو حلو صفوتكمْ              وتاجك المنجيانِ العلمُ والعملُ
هل للجناة قلوب هل همُ بشرٌ                 لو يعرفون من الأحباب مَنْ قتلوا
شيخ بألف هو السلطان عرّفهُ                 فاقَ الجبال علاً مع أنه رجل

وقال:

يا أيها الأسمر المظلوم يا بطلا                  يا أيها الأهيب المنصور في المِحَنِ
حياتك الغيث منهلاًّ بأحسنِهِ                 وبعدك الريُّ يعطي الزهرَ للغصنِ
خُصَّ اعتدالٌ بكم كذي الفقار غدا         إذ ليس يحمله إلا أبو الحسنِ

في الثناء على جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية:

 جمعيتي نغمٌ عذبٌ مسمّاكِ                ما أجمل الوقع لما القلب ناداكِ
رنمت باسمك يا من رق معناكِ              وهمتُ بالمجتنى من روض مغناكِ
جمعيتي أملي والمؤمنون رأَوْا                  بشائر الخير تزهو في محيّاكِ
وقد دعاني الهدى فالقلب يتبعهُ            والطيبَ ذكّره أنفاسُ ريّاكِ
ضممت علما شريف القدر في سندٍ      حتى تضوّع نورا من ثناياكِ
إني وجدتك في حزني وفي فرحي           في كل منسلك للخير ألقاكِ

في مديح المحدث العالم العلامة الشيخ عبدالله الهرري الحبشي حفظه الله:

همْ أرشدوني لشمس الدين مشرقةً          همْ أنقذوني من الزلاتِ في الحفَرِ
همْ علّموني بأن الدين أفضل ما            أنفقتُ فيه نفيس الوقت والعمُرِ
همْ علّموني بأنّ اللهَ خالقُنا                  منـزَّهٌ عن صفات الجنِّ والبشَرِ
وأنَّ أحمدَ خيرَ الخلقِ قدوتُنا                 نبيُّ برٍّ أتى بالحق من مضرِ
ونور علم سرى منه إلى ورعٍ                أضاء ظلمتنا في وقتنا العسِرِ
شيخ الحقيقة والأبدال من هررٍ             كالطود كالبحر كالرئبال كالقمرِ
ما زال يرفعنا للحق يدفعنا                  بالحال والقال والإمداد بالنظرِ

في الوطنيات والثناء على الجيش اللبناني البطل:

إن كان رفَّ على الأبراج والقممِ               فالمجد ساريتي والمرتقى علمي
لبنان يا روضة الدنيا وبهجتها                   يا موطن النور والآمال والحلمِ
مهما العدو بغى استقلالنا جبلٌ                رغم الأعاصير تيّاه على القممِ
وخضرة الأرز تاج فوق مفرقهِ                   تختال رايته في رائق النسمِ

وقال:

ءابٌ أطلَّ على الأيام نشوانا                  فقد تبوّأ في الأزمان ريعانا
يا ءابُ غرسك جيش طاب منبتهُ            حتى تفتق بالأبطال بستانا
يا ءابُ عدتَ على الأحرار تمنحها           دفق المآثر في الأكباد ريّانا
حينا يشقُّ خصيب الترْب يزرعهُ              وفي الميادين كالرئبال أحيانا
هذا شعار جنود في الوغى شرفٌ              أبطال حرب إذا ما الحرب نادانا
والتضحيات دماء للشهيد سرتْ              من ترب لبنان للآفاق تيجانا
وإن تبارى بنو لبنان مطلبنا                   ركْب الوفاء فإن الجيش أوفانا

وقال:

للجيش في عرش العلى ءاثارُ               هذا الشعار وسيفه والغارُ
قد ءابَ ءابٌ فالورودُ نثيرةٌ                فوق الربى فكأنّه نوّارُ
صيف البطولة تاجه أعراسكمْ            حتى غدا منه الربيع يغارُ
يا أيها الجندي حسبك رتبةً               أن الوفاء مزيّة وشعارُ

وعن معاناة الشعب الفلسطيني قصة استشهاد محمد جمال الدرة في حضن أبيه:

هَدْهِدِيْهِ.. كان مشتاقا لحضنٍ يحتويهِ

هَدْهِدِيْهِ..سوف تبكين عليه وغدا لن تجديهِ

قبّليهِ..   أشبعي قلبك من وجهٍ سيُفقدْ

فصغير الأمسِ يا أمَّ محمّدْ

صار همًّا عربيا كل يوم يتجدَّدْ

صار في حضنِ أبيهِ

يرسلُ القبْلاتِ حرّى

فكما ربَّيْتِهِ حرًّا يموتُ اليومَ حرّا

وسلاماتٌ خجولةْ

ءاخر الأنفاس من عمر الطفولةْ

يا أبي أوصل سلاماتي لأمي

فأنا أشعر أني سوف أرحلْ

ورصاص العمْدِ قد مزّق لحمي

قد أصابوني بمقتلْ

سوف أرحلْ..

في أمان الله بعد الموتِ أخبرها بأني صرتُ أفضلْ

وقال:

هَدْهِدِيْهِ أنتِ يا أمَّ محمّدْ

هَدْهِدِيْهِ فله في جنةٍ ما يشتهيهِ

ودِّعيهِ ..وبدفء القلب هيا كفِّنيهِ

كلِّميهِ..بحنان الأم يا أمَّ محمّدْ

قبِّليهِ..في جبين الطهر وامحي الحزن عن بسمةِ فيهِ

ودِّعيهِ: في أمان الله يا حِبِّي محمّدْ

أيها الطفل الذي مات على حضن أبيهِ

هَدْهِدِيْهِ..كان مشتاقا لحضنٍ يحتويهِ

هَدْهِدِيْهِ..سوف تبكين عليه وغدا لن تجديهِ

قبّليهِ..

وعن الأم:

أمي يا حبا أَنْشُدُهُ             بشغاف فؤادي أعقدهُ
أدعو لك بالخير وأرجو        ما طاب لطفل مرقدهُ
أمي يا حضنا يؤويني           من خوف الآتي يحميني
من نبع الحب يروّيني           هل لي في يومٍ أفقدهُ؟!
أمي يا حبي وحياتي            وسلاما يملأ أوقاتي
يا ذكرى الأنس بغرباتي        وأمانا دوما أَنْشُدُهُ
أمي يا لحنا غنّيتُ             ونداء حلوا لبّيتُ
قسما ما طاب لنا البيتُ      إلا من وجهك يسعدهُ
أمي أمي كم أهواكِ          ما أجمل عمري برضاكِ
والله أنا لا انساكِ             وجميلك لا لا أجحدهُ
أمي سأعلّم أولادي          في حبك طيب الغنشادِ
فرضاك عليّ غدا زادي       كي أُرضي ربًّا أعبدهُ
أمي لك بين السجداتِ      دعواتٌ تلو الدعواتِ
اِسمك ما بين الكلماتِ       نغمٌ والقلبُ يردِّدُهُ
أمي يا طيب البسماتِ       وحنانا يمحو مأساتي
يا نورا يكشف ظلماتي       ويعود كصبح أَشْهَدُهُ
كم سهرتْ قربي عيناكِ      ودعتْ من أجلي شفتاكِ
ورعتني في المهد يداكِ         ودموع العين تُهَدْهِدُهُ

وفي ختام الحفل بدا الجميع متعطشين للمزيد المزيد من قصائد الشيخ جلول فقد وجدت قصائده حلاوة في قلوب سامعيها كيف لا وهو المعروف بأنه سهم مقدام وخطيب مفوه مندفع لحب الخير والدعوة الى الله، دُرَرُ الكلام تنساب على لسانه كنهر من يواقيت وجواهر، فيه صدق العاطفة ونصاعة المضمون، ولطف العبارة وحسن السبك، من القلب لسان الحال يقول شكراً لك يا أيها الأديب يا فضيلة الشيخ غانم جلول على هذه الأمسِّية الرائعة التي لم نشهد مثلها من قبل في هذه الديار.

القسم الإعلامي في دار الفتوى

< Previous Post

ليالي ليفربول تزهو في شهر رمضان المبارك

Next Post >

الدورات التعليمية لدار الفتوى سلسلة وضاءة لنشر التوعية

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map