الْخُطْبَةُ الْأُولَى

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ

اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَتَمَّ عَلَيْنَا فَضْلَهُ وَنِعْمَتَهُ بِفَرْحَةِ الْعِيدِ وَبَهْجَتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، اللهم إنا نوحدك ولا نحدُّك. ونؤمن بك ولا نكيفك. ونعبدك ولا نشبهك. ونعتقد أن من شبهك بخلقك ما عرفك. وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ فصَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أما بعد أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ، قَالَ تَعَالَى:( وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)([1]).

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :« إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ» ([2]) أي من أعظم الأيام، نَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ بِالْأَضَاحِي، عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)([3]).

وَهَذِهِ الْأَضَاحِي هِيَ سُنَّةُ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ الَّذِي قَالَ لاِبْنِهِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ:( يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى). فَقَالَ إِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:( يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)([4])  وَلَقَدْ فَدَى اللَّهُ تَعَالَى إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَزَاءً لَهُ عَلَى صَبْرِهِ، وَامْتِثَالِهِ أَمْرَ رَبِّهِ([5]).  قَالَ سُبْحَانَهُ:( فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ* وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ* وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)([6]).

 

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ  لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ

 

عِبَادَ اللَّهِ: يقَول الله تَعَالَى:( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا)([7]). وقَالَ سُبْحَانَهُ: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا)([8]).  فهُوَ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، الذي بلغ الغاية في المحبة لله، وَهُوَ جَامِعٌ لِكُلِّ خَيْرٍ، وَهَادٍ إِلَى كُلِّ بِرٍّ([9])، وهو قُدْوَةٌ لَنَا فِي طَاعَتِهِ لِرَبِّهِ، وَإِخْلَاصِهِ فِي عِبَادَتِهِ، وَاسْتِسْلَامِهِ لِأَمْرِهِ([10])، فَقد كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُتَضَرِّعًا لِخَالِقِهِ، خَاشِعًا، مُسْرِعًا إِلَى طَاعَتِهِ، شاكرا لأنعم ربه، فوَهَبَهُ الله عز وجل ذُرِّيَّةً صَالِحَةً، وَأَبْنَاءً بَرَرَةً، وكَانَ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَرِيصًا عَلَى تَرْبِيَتِهِمْ، وَيُوصِيهِمْ بِالتَّمَسُّكِ بِدِينِهِمْ، وَالاِسْتِقَامَةِ عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِمْ، قَالَ سُبْحَانَهُ:( وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)([11]).

وهذا من شأن الْآبَاءِ الصالحين أَنْ يرشدوا أَوْلَادَهُمْ إلى طاعة اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَيُرَسِّخُوا فِيهِمُ الْأَخْلَاقَ الْحَسَنَةَ، وَالْقِيَمَ الْفَاضِلَةَ، كَمَا فَعَلَ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَسريتهُ هَاجَرُ الَّتِي كَانَتْ وَاثِقَةً بِرَبِّهَا، طَائِعَةً لِإبراهيم، فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا تَرَكَهَا بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ، قَالَتْ لَهُ: آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ:«نَعَمْ». قَالَتْ: إِذًا لَا يُضَيِّعُنَا([12]) . وَصَبَرَتْ عَلَى تَرْبِيَةِ وَلَدِهَا، وَهَكَذَا شأن الزَّوْجَةِ الصالحة أَنْ تَجْتَهِدَ فِي التَّقَرُّبِ إِلَى خَالِقِهَا، وَطَاعَةِ زَوْجِهَا، وَالْعِنَايَةِ بِأُسْرَتِهَا، فَرَسُولُنَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:« إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا؛ قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ» ([13])

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُحْسِنًا حَلِيمًا، مِضْيَافًا كَرِيمًا، وَقَصَّ لَنَا الْقُرْءانُ الْكَرِيمُ سَعَةَ كَرَمِهِ، وَحُسْنَ ضِيَافَتِهِ، فَدَخَلَ إِلَى أَهْلِهِ خُفْيَةً فِي سُرْعَةٍ، وَانْتَقَى مِنْ أَجْوَدِ مَالِهِ، وَعَجَّلَ بِتَجْهِيزِ الطَّعَامِ لِضُيُوفِهِ، وَحَمَلَهُ إِلَيْهِمْ، وَخَدَمَهُمْ بِنَفْسِهِ. وَهَكَذَا ينبغي من الْمُسْلِمُ أن يَقْتَدِي بِكَرَمِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

عباد الله: إِنَّ هَذَا اليَوْمَ يَومُ عِبادَةٍ وَنُسُكٍ وَدُعاءٍ، إنه يَومُ الصَّفَاءِ والصِّدْقِ، يومُ الحُبِّ والوَفاءِ، يومُ البَذْلِ والعَطَاءِ، يومُ الإنفاقِ والعَطْفِ عَلَى الفُقَراءِ، هَذَا يَوْمٌ تُمْسَحُ فيهِ دَمْعَةُ اليَتيمِ، هذَا يَوْمُ بِرِّ الوَالدينِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُوصَلُ فيهِ الأَرْحامُ ابتغاءَ مرضاةِ ربِّ الأَنَامِ، ويومُ تفقدِ الـمَسَاكينِ، وزيارةِ قبور المسلمين، وَزِيارةِ الـمَرْضَى، وإِدْخالِ البَهْجَةِ والسُّرُورِ عَلَى الأَهْلِ والجِيرانِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تَتَصَافَحُ فيهِ الأَيْدِي، وَتَتَآلَفُ فيهِ القُلُوبُ، ويَسْعَى فيهِ السَّاعُونَ للإصلاحِ بينَ الـمُتخاصمينَ.

أعاد الله علينا وعليكم هذا العيد السعيد باليمن والخير والبركات وقد تحرر قدسنا الشريف.

هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ.

([1]) العنكبوت : 16.

([2]) أبو داود : 1765 .

([3]) الكوثر : 2.

([4]) الصافات : 102.

([5]) تفسير الطبري : (19/600).

([6]) الصافات : 103 – 107.

([7]) مريم : 41.

([8]) النساء : 125.

([9]) القرطبي : 9/10.

([10]) تفسير الطبري : (2/581).

([11]) البقرة : 132.

([12]) البخاري : 3364.

([13]) أحمد : 1683.

 

 

< Previous Post

خطبة عيد الأضحى المبارك للعام 1438

Next Post >

فضل العشر الأول من ذي الحجة

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map