خطبة الجمعة

إنَّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستهديْه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ منْ شُرورِ أنفُسِنا ومِن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، سبحانَه لا يحويهِ مكان، ليس حجمًا ولا شكلًا جَلَّ ربي عن صفاتِ الأجسام وعن أن يكونَ كالمخلوقات، وأشهدُ أن محمدًا رسولُ الله، نبيُّ الهدى ومِصباحُ الدُّجى، اللهمَّ صلِّ وسلِّم على سيِّدِنا محمدٍ وعلى ءالِه وأصحابِه الطيبينَ الطَّاهرين.

أما بعدُ عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ العليِّ العظيم، القائلِ في كتابِه الكريم: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا

إخوة الإيمان قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ. وروى البخاري ومسلم واللفظ له: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَزِيدَ اللَّيْثِيَّ، أَخْبَرَهُ أَنَّ حُمْرَانَ، مَوْلَى عُثْمَانَ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «دَعَا بِوَضُوءٍ ( بفتحِ الواوِ هو الماءُ الذي يُتوضأُ به) فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، (وحَدُّ الوجْهِ أحبابَنا طولًا مِنْ منابتِ شعرِ الرأسِ غالبًا إلى الذَّقَنِ وهو مُلْتَقَى اللَّحْيَيْنِ، وَحَدُّهُ عرْضًا مِنَ الأُذُنِ إلى الأذُن، والغَسْلُ لا بُدَّ أنْ يَعُمَّ الشَّعرَ والبَشرةَ في حَدِّ الوَجْهِ) ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، ( وبعدَ مسحِ الرأسِ يُسَنُّ أنْ يمسحَ أذُنَيْهِ فقد روى البيهقي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  «مَسَحَ أُذُنَيْهِ بِمَاءٍ غَيْرِ الْمَاءِ الَّذِي مَسَحَ بِهِ رَأْسَهُ») ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ». ثُمَّ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: ” وَكَانَ عُلَمَاؤُنَا يَقُولُونَ: هَذَا الْوُضُوءُ أَسْبَغُ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ أَحَدٌ لِلصَّلَاةِ “

إخوة الإيمان: هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ مَرَّةً مَرَّةً، وَعَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ سُنَّةٌ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي طَائِفَةٍ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِيهِ الْمَسْحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَمَا فِي بَاقِي الْأَعْضَاءِ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالكٌ وَأَحْمَدُ وَالْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ السُّنَّةَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا. وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ والأكثر أنهما سنتان. وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، فَالْمُرَادُ لَا يحدث بشىء من أمور الدنيا وما لا يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ. وروى مسلم عن عمر رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُسْبِغُ الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إِلا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ ».وزاد الترمذي: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ الـمُتَطَهِّرِينَ. وزاد أحمد في مسنده: ثُمَّ رَفَعَ نَظَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ.. إلخ.

وروى مسلم أيضا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ»وروى ابن حبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « مَنْ تَوَضَّأَ كَمَا أُمِرَ، وَصَلَّى كَمَا أُمِرَ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ». وَالْمُرَادُ بِالْغُفْرَانِ الصَّغَائِرُ.

أحبابنا الكرام: لا بد لصحة الوضوء من مراعاة الشُّروطُ كأنْ يكونَ الماءُ طاهرًا مُطَهِّرًا، وأن لا يكونَ هناك مانِعٌ على أعضاءِ الوُضوءِ يمنَعُ مِنْ وُصولِ الماءِ إلى العُضْوِ الـمَغْسُول كالشَّحْمِ الَّلاصِقِ بالجِلْدِ وما يسمى الـمَنَاكِيْر الذي تَضَعُهُ بَعْضُ النساءِ على أَظْفَارِهِنّ، ولا بد من مراعاة الأركانُ وهي سِتَّة في المذهب الشافعي: النِّيةُ أي أنْ يَقْصِدَ فِعْلَ الوُضوءِ أو نحوَ ذلك بقلبه، وغَسْلُ الوَجْهِ جميعِهِ، وغَسْلُ اليَدَيْن مَعَ المرفقين، ومسحُ بعضِ الرَّأسِ، وغَسْلُ الرِّجْلَين مَعَ الكَعْبَين، والترتيب على ما ذكرناه. وأما سننه فكثيرة فمنها: عَدَمُ الإسرافِ في الماء، فقد روى مسلم عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ، إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ»، وفي رواية لمسلم عن أنس: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ بِخَمْسِ مَكَاكِيكَ وَيَتَوَضَّأُ بِمَكُّوكٍ».

والـمُدُّ مِلءُ الكَفَّينِ المعتدِلَتَيْن، وَالصَّاعُ: أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ. والمكوك مقدار صاع ونصف كما يُفهم ذلك من القاموس وغيره.

وروى ابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِسَعْدٍ، وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَقَالَ: “مَا هَذَا السَّرَفُ؟ ” فَقَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ إِسْرَافٌ؟ قَالَ: “نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَارٍ“.

نسألُ اللهَ أن يُيَسِّرَ لنا أن نُؤَدِّيَ العِبَاداتِ على ما يُـحِـبُّ ويَرْضَى.                                                                                            هذا واستغفر الله لي ولكم.

< Previous Post

خطبة الجمعة | وجوب الإيمان بالقدر

Next Post >

الاعتبار بما جرى في حدوث بعض الزلازل والهزات الأرضية

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map