إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستغفرُه ونستعينُه ونستهديْه ونشكرُه، ونعوذُ باللهِ منْ شُرورِ أنفُسِنا ومن سيّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِلْ فلا هاديَ له،   وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، ولا مَثيلَ له ولا ضِدّ ولا نِدّ له. وأشهدُ أن سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنَا محمّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه، مَنْ بعثه اللهُ رحمةً للعالمين، هاديًا ومُبشِّرًا ونذيرًا، بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جزَى نَبِيًّا مِن أنبيائِه. اللهمَّ صلِّ على سيدِنا محمد وعلى ءالِ سيدنا محمد، كما صليتَ على سيدنا إبراهيمَ وعلى ءال سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى ءال سيدِنا محمد، كما باركتَ على سيدنا إبراهيم وعلى ءال سيدنا إبراهيم، إنك حميدٌ مَجيد.

اتقوا الله عباد الله، ولا تنسَوا يومًا يُقالُ فيه لِـمَنِ الـمُلْكُ اليوم، لله الواحدِ القهَّار، فاتقوا الله العليَّ القديرَ القائلَ في محكم كتابه:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ”.

تَقْوَى اللهِ إخوةَ الإيمانِ مَدارُها على أمرين عَظيمَين: أداءِ الواجباتِ واجتنابِ المحرَّمات .. اجتنابِ المعاصي، وكلامُنا اليومَ بإذنِ اللهِ تعالى عن معصيةٍ عدَّها العُلماءُ منْ معاصي القلبِ، وهي الكِبْرُ والعياذُ بالله. فالتَّكبُّر عبادَ الله، منْ معاصي القلب، وهو نوعان الأولُ ردُّ الحقِّ، أي أنْ يَعْرِفَ الحقَّ ولا يَلْتَزِم بِه، والثاني استحقارُ النَّاس، وسببُه ناشئٌ مِنَ القلب، وإنْ كانتْ مَظَاهِرُهُ مِنْ أعمالِ الجوارح، وذلك لأنَّ القَلبَ إذا حصلَ فيه الكِبْرُ ظَهَرَتْ ءاثارُهُ على الجوارح، فينظرُ الـمُتَكَبِّرُ بعينِ الاحتقارِ إلى الفقيرِ، أو يُعرِضُ عنه تَرَفُّعًا، أو يردُّ الحقَّ على قائِلِهِ معَ العِلْمِ بأن الصوابَ معَ القائلِ لكونِه أَصْغَرَ مِنْهُ سِنًّا أو أقلَّ جاهًا، أو يَتَكَبَّرُ في مِشيَتِهِ فَيَمْشِي مِشْيةَ الخُيلاءِ للتَّكَبُّر. كلُّ هذا مِنْ كبائرِ الذنوب.

وقد وردَ في الحديث أنَّ المتكبِّرينَ يُحشَرُونَ يومَ القيامةِ كأمثالِ الذَّرِّ- أيِ النملِ الأحمرِ الصغير- يَطَؤُهُمُ الناسُ بأقدامِهم.

فعليكم إخوةَ الإيمانِ بالتواضع، فقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:” إنَّكُم لَتَغْفُلُونَ عن أفضلِ العبادَةِ التَّوَاضُع” رواه البيهقيّ،  ولذلك كانَ أكابرُ الصحابةِ رضوان الله عليهم من أشدِّ الناس تواضعًا.

سيدُنا عمرُ رضي الله عنه خرجَ مرةً للجُمُعةِ ولَبِسَ اللباسَ الذي يلبَسُه المسلمُ للجُمُعةِ، وهو في طريقهِ نزلَ عليه منْ ميزابِ دارِ العَبَّاسِ دمُ فَرْخَيْنِ ذُبِحَا معَ ماءٍ، فذهَبَ وغَسَلَ ما نزلَ عليه ثم قال: يُزَالُ هذا الميزاب، فأُزيلَ، فقالَ العباسُ هذا الرَّسولُ وضَعَه، فقالَ عمرُ: يُعادُ كمَا كانَ، وقالَ للعبَّاسِ تَطْلُعُ على ظَهْرِي لِتُعيدَه كما كان، أميرُ المؤمنينَ عُمَر، يقولُ للعبَّاسِ عمِّ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تطلُعُ على ظَهْرِي، وعزَمَ عليه فطلَعَ العباسُ على ظهرِه وأعادَه.

التواضعُ أيُّها الإخوة نتيجتُه سلامةٌ منَ الفَخر، واللهُ تعالى لا يحبُّ الفَخْرَ مِنْ عبدِه، سواءٌ كان في الثِّيابِ أمْ في الأثَاثِ أمْ في المسكَنِ أمْ في نحوِ ذلك، بلِ الذي يعمَلُ العمَلَ للفَخر أي لإظهارِ أنَّ لهُ على الناسِ مَزِيَّةً وأنَّ غيرَه ليس له ذلكَ فعليهِ ذنبٌ كبير، فهؤلاءِ الذين يَلبَسون الثيابَ الفاخرةَ للفَخرِ، أو يَبْنُونَ البناءَ الجميلَ للفَخْر، أو يركَبونَ المركوباتِ النفيسةَ الجميلةَ للفَخر، لو عجَّلَ اللهُ عقوبتَهم لعاقَبَهم في الدُّنيا قبلَ الآخرة، لكنَّه يُؤخِّرُ عذابَ أكثرِ الخلقِ إلى الآخرة، وقد يُظهرُ اللهُ تبارك وتعالى عُقوبةً على البعضِ في هذه الدنيا لِيَعْتَبِرَ بها مَن شاءَ اللهُ له أن يَعتبر.

الرسولُ صلى الله عليه وسلم حدّثنا أنَّ رَجُلا ممنْ كانَ قبلَ هذهِ الأُمّةِ، أمّةِ محمّدٍ عليه الصلاةُ والسلام، كان يمشي مُتَبَخْتِرًا يَنْظُرُ في جانِبَيْه، أعجَبَهُ ثَوبُهُ وشَعَرُه، تَهْيِئَةُ شَعرِهِ وحُسنُ شعرِه، بينما هو يمشي مُتَبَخْتِرًا أمرَ اللهُ تبارك وتعالى بهِ الأرضَ فَبَلَعَتْهُ فهو يَتَجَلْجَلُ إلى يومِ القيامة، والتَّجَلْجُلُ معناهُ السَّوْخُ أيِ النّزولُ في الأرضِ معَ التحرُّكِ والاضطرابِ الشديدِ من شِقٍّ إلى شِقّ.

فالفخرُ إخوةَ الإيمان معناهُ أن يَفعلَ الشخصُ مثلَ ذلك لِيُعْجَبَ بهِ الناس، يريدُ أن يكونَ له اختصاصٌ عندَ الناسِ بالنظرِ إليهِ والتَّفْخِيم، فإذا لَبِسَ لباسًا جميلًا للفَخْرِ كانَ عليه إثم، وإذا اشْتَرَى أثاثًا جميلا للفخرِ كان عليه إثم، وإذا ركب سيارةً جميلةً للفخر كان عليه إثم، وإذا بنى بناءً للفَخر كان عليه إثم، أي منْ كبائر الذنوب. أمَّا إذا فعلَ مثلَ ذلك للتَّجَمُّلِ فقط، وليس للفخر، فيلبَسُ الثوبَ الأنيقَ للتَّجَمُّل، ويفرحُ بِنَفْسِه، لا للفَخر، ويركبُ السيارةَ الفاخرةَ للتَّجَمُّل ِلا للفخر فلا ذَنْبَ عليه.

أخي المؤمن، عِ مِنِّي ما أقول. أخي المؤمنَ المتوكلَ على الله، المقبلَ إلى الطاعة، الـمُدْبِرَ عنِ المعصيةِ استمع إلى ما أُلقِي إليكَ من قولِ أبي العَتَاهِيَة:

رَغيـفُ خُبـزٍ يـابِسٍ

تأكُلُـهُ فـي زاويَـهْ

وكـوزُ مـاءٍ بـاردٌ

تَشْرَبـُه مِن صافِيـَهْ

وغُـْرفَـةٌ ضَيِّقـَـةٌ

نَفْسُـكَ فيهـا خاليـَهْ

وَمَسْجِـدٌ بِمعـزِلٍ

عنِ الـوَرى بِنَاحيـَهْ

تـَدْرُسُ فيـهِ دَفْتَـرًا

مُســتَنِـدًا بسارِيـَــهْ

مُعتبِـرًا بِمَـن مَضَـى

مِـنَ القـرونِ الخاليـَهْ

خيـرٌ منَ الساعاتِ في

فَـيءِ القُصورِ العالِيَـهْ

تَعْقُبُهــا نَدامَةٌ

تُصلَـى بنـارٍ حامِيَـهْ

اللهمَّ اجعلنا منْ عبادِك المتواضعينَ الزاهدينَ الصالحينَ العابدينَ الناسِكين، الوَالِـهِينَ بمحبتِكَ يا أرحمَ الراحمين، يا أرحمَ الراحمين .

هذا وأستغفر الله لي ولكم

< Previous Post

تفسيرُ سورةِ الإخلاصِ وتفسيرُ الحديثِ ” الله أكثر”

Next Post >

التَّرْبِيَة الإِسْلامِيَّة وَدَوْر الأُسْرَة وَالْمُعَلِّم

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map