مما يجب الحذر منه قول بعض الملاحدة (إن النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم كان نسونجيا) أو مِنْ قَوْلِ بَعْضِهم (إِنَّ الرَّسُولَ كَانَ مُتَعَلِّقَ الْقَلْبِ بِالنِّسَاءِ لِذَلِكَ عَدَّدَ الزِّوَاج) وهذا القولان باطلان وكذب وكفر فوق كفرهم فإن نبينا صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ لم يتزوج قبل النبوة إلا خديجة ثم بعد أن صار عمره ثلاثًا وخمسين تزوج بغيرها، وقد كانت خديجة توفيت وهو بمكة، فعدد الزواج في خلال العشر سنوات التي قضاها بالمدينة المنورة حتى اجتمع عنده تسع، وكان غرضه صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ أن تنتشر أحكامًا شرعية من طريق النساء لأن تعلمهن من النساء أقرب إلى نفوسهن لأنه قد يمنعهن الاستحياء من تعلم أمور الدين من الرجال.
والدليل على أن الرسول لم يكن متعلق القلب بالنساء أن عائشة رضي الله عنها وهي أجمل نسائه وأحدثهن سِّنًا قالت:”كان رسول الله صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ في الليلة التي هي قسمي – أي حصتي – يذهب ليلًا الى الجبانة ليدعو لاهل القبور “رواه مسلم، وكان دور عائشة ليلة من تسع ليال، وكان لا يلزم الفراش تلك الليلة معها بل كان يتهجد فيتركها على الفراش ويقوم فيصلي ماشاء الله.
وَأَمَّا تَعْدِيدُ الزِّوَاجِ بِالنِّسْبَةِ لِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ فَمِمَّا خَصَّهُ اللهُ تَعَالَى بِهِ – وَهُوَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ – مِنَ الأَحْكَامِ حِلُّ الْجَمْعِ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ فِي ءَانٍ وَاحِدٍ وَتَحْرِيِمُ ذَلِكَ عَلَى أُمَّتِهِ، وَكَانِ وَاجِبًا عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِظْهَارُ هَذَا الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ تَشْرِيعٌ مِنَ اللهِ، وَفِي ذَلِكَ دِلاَلَةٌ عَلَى صِدْقِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ فِي دَعْوَى نُبُوَّتِهِ وَرِسَالَتِهِ، كَانَ هَمُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِرْضَاءَ رَبِّهِ بِتَبْلِيغِ تَشْرِيعِ مَوْلاَهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلاَ تَبْدِيلٍ وَلاَ تَقْصِيرٍ وَلاَ هَوَادَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ يَصْرِفُهُ عَنْ ذَلِكَ خَوْفٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ مِنْ وَقِيعَةٍ وَاعْتِرَاضِ بَعْضٍ عَلَيْهِ.
وَفِي هَذَا الْبَابِ قَالَ الْقَائِلُ:
إِنْ صَحَّ مِنْكَ الرِّضَا يَا مَنْ هُوَ الطَّلَبُ فَلاَ أُبَالِي بِكُلِّ النَّـاسِ إِنْ غَضِبُوا