هجرة إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى بلاد الشام (فلسطين) ودخوله مصر واستقراره في الأرض المقدسة
أصر قوم إبراهيم عليه الصلاة والسلام على الكفر والضلال ولم يؤمن به إلا نفر قليل منهم، ولما لم يجد إبراهيم عليه السلام منهم إقبالًا إلى الهدى والإيمان أراد أن يهاجر إلى بلد يتمكن فيه من عبادة الله ودعوة الناس فيه إلى الإيمان والإسلام، علَّه يجد هناك ءاذانًا صاغية وقلوبًا واعية تقبل الحق والإيمان وتُقرّ بوحدانية الله الملك الديان مالك السموات والأرض.
قال تعالى حكاية عن نبيه إبراهيم عليه السلام:{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}سورة الصافات، وذلك حين أراد هجرة قومه بعد هذا الإصرار والعناد منهم على كفرهم وضلالهم، أي إني ذاهب إلى حيث أمرني ربي عز وجل وهو الشام، أو المعنى إلى حيث أتمكن فيه من عبادة ربي عز وجل.
وقال تعالى في حق إبراهيم عليه الصلاة والسلام:{ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {26} وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}سورة العنكبوت.
وهاجر سيدنا إبراهيم عليه السلام مع زوجته سارة وابن أخيه لوط إلى أرض الشام، وبعث الله تعالى سيدنا لوطًا رسولا إلى أهل سدوم في أطراف الأردن المؤتفكة، وكانت هجرة إبراهيم عليه السلام إلى بر الشام بأمر الله فيها بركة، ثم وهبه الله تبارك وتعالى بهجرته هذه في سبيل الله الأولاد الصالحين وجعل في ذريته النبوة والكتاب، يقول الله تبارك وتعالى:{وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ{71}وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ{72}وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}سورة الأنبياء.
رحيل إبراهيم عليه السلام إلى مصر
يقال: إنه لما ضاقت سُبُل العيش في الشام وعمَّ القحط رحل إبراهيم عليه السلام إلى مصر وكانت معه زوجته سارة، وكان على هذه الأرض ملك كافر جبار متسلط، وكان قابضًا على زمام الحكم في هذه البلاد.
وكان من جملة الفساد الذي عند هذا الملك الخبيث أنه كان إذا دخلت إلى بلدته وأرضه امرأة جميلة يأخذونها إليه ليفعل الفاحشة بها، فلما دخل إبراهيم عليه السلام مع زوجته سارة إلى أرض الجبار وكانت سارة من أحسن وأجمل النساء وكانت لا تعصي إبراهيم عليه السلام. وصف حسن وجمال سارة عليها السلام لهذا الملك الجبار الخبيث فأرسل إلى إبراهيم فقال له: من هذه المرأة التي معك؟
ففطن إبراهيم عليه السلام إلى مقصده الخبيث ومأربه وخشي إن أخبره أنها زوجته أن يبيت له الشر فيقتله ليتخلص منه فيستأثر بسارة من بعده.
فقال له إبراهيم: أختي أي أختي في الإسلام.
فظن الملك الجبار أنها غير متزوجة، فطلب منه أن يحضرها إليه في قصره، وذهب إبراهيم عليه السلام إلى زوجته سارة وأخبرها بما جرى مع هذا الملك الجبار وقال لها: يا سارة ليس على وجه الأرض زوجان مؤمنان غيري وغيرك وإنَّ هذا سألني فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني.
ودخلت سارة على هذا الملك الجبار بعد أن قامت وتوضأت ودعت الله تعالى أن يكفيها شر هذا الملك الجبار، فلما رءاها هذا الملك أعجب بها ومدَّ يده إليها ليتناولها بيده لكنه أُخِذ ويبسَت يده، فقال لها: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت الله تبارك وتعالى فانفكت يده بعد يبسها وعادت الى طبيعتها، ولكنَّ هذا الخبيث طاوع نفسه الخبيثة وأمرته أن يمد يده إلى سارة ليتناولها مرة ثانية، فلما أهوى إليها يبست له مثل المرة الأولى أو أشد، فقال لها: ادعي الله لي ولا أضرك فدعت سارة الله تعالى فأطلق الله يده.
فلما رأى هذا الخبيث ما رأى ردها إلى إبراهيم عليه السلام، ودعا بعض حجبته فقال لهم: إنكم لم تأتوني بإنسان إنما أتيتموني بجنية.
ووهب لسارة وأخدمها هاجر، فأقبلت سارة عليها السلام بهاجر إلى زوجها إبراهيم عليه السلام وهو قائم يصلي، ثم لما سألها إبراهيم عما جرى معها قالت له: كفى الله كيد الكافرين وأخدمني هاجر، وقد روى هذه القصة بنحوها البخاري في صحيحه عن أبي هريرة موقوفًا، والبزار في مسنده والإمام أحمد عن أبي هريرة مرفوعًا.
فائدة: روى البخاري أنَّ سارة زوجة إبراهيم عليه السلام توضأت لما أتى إبراهيم أرض الجبار، وهذا يدلُّ على أن الوضوء كان موجودًا قبل أمة محمد عليه الصلاة والسلام، وفي شريعة الأنبياء السابقين.
مولد إسماعيل عليه السلام وقصة ماء زمزم
مكث إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع زوجته سارة في فلسطين واستقر بها وكانت زوجته عقيماً لا تلد وكان يحزنها أن ترى زوجها ليس له ولد قيل: كان قد بلغ من العمر ستًا وثمانين سنة وهي قد جاوزت السبعين، فوهبت سارة هاجر وأعطتها لزوجها إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فقبل إبراهيم ذلك فلما أعطت سارة هاجر لإبراهيم عليه السلام صارت ملكه وحلالًا له في شريعة الله لانها كانت أمة مملوكة.
فلما دخل إبراهيم بهاجر ولدت له غلامًا زكيًا هو سيدنا إسماعيل عليه السلام الذي كان من نسله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ففرح إبراهيم عليه الصلاة والسلام بهذا المولود الجديد كذلك فرحت زوجته سارة لفرحه.
ولما بلغ إبراهيم مع ابنه إسماعيل وأمه هاجر مكة وكانت هاجر ترضع ابنها إسماعيل، وضعها إبراهيم مع ابنه عند دوحة – وهي الشجرة الكبيرة- فوق زمزم في أعلى المسجد، في ذلك المكان القفر وليس بمكة يومئذ أحد ولا بنيان ولا عُمران ولا ماء ولا كلأ، تركهما هناك وترك لهما كيسًا فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثم لما أراد العودة إلى بلاد فلسطين وقفَّى راجعًا لحقته هاجر أم اسماعيل وهي تقول له: يا إبراهيم أين تتركنا في هذا المكان الذي ليس فيه سمير ولا أنيس؟ وجعلت تقول له ذلك مرارًا، وكان يريد أن يطيع الله فيما أمره عند ذلك فقالت له: ءالله أمرك بهذا؟ قال: نعم، فقالت له بلسان اليقين وبالمنطق القويم: إذًا لا يضيعنا، ثم رجعت.
ولما ابتعد إبراهيم عن ولده وأم إسماعيل هاجر قليلًا وعند الثنية التفت جهة البيت ووقف يدعو الله تبارك وتعالى ويقول:{رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}سورة إبراهيم.
مكثت هاجر أم إسماعيل مع ولدها إسماعيل حيث وضعهما إبراهيم عليه السلام وصارت ترضع ولدها إسماعيل وتشرب من ذلك الماء الذي تركه لهما إبراهيم، حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وجعل يبكي ويتلوى من شدة العطش، وجعلت تنظر إليه وهو يتلوى، وانطلقت كراهية أن تنظر اليه في هذه الحالة وصارت تفتش له عن ماء، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فصعدت عليه، ثم استقبلت الوادي وصارت تسعى سعي المجهود حتى وصلت إلى جبل المروة، فصعدت عليه ونظرت فلم تجد أحدًا، فأخذت تذهب وتجيء بين الصفا والمروة سبع مرات، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتًا، فقالت: أغثنا إن كان عندك غواث؟
فرأت ملكًا وهو جبريل عليه السلام يضرب بقدمه الأرض حتى ظهر الماء السلسبيل العذب وهو ماء زمزم، فجعلت أم إسماعيل تحوط الماء وتغرف منه بسقائها وهو يفور، وجعل جبريل يقول لها: لا تخافي الضياع فإن لله ههنا بيتًا وأشار إلى أكمة مرتفعة من الأرض يبنيه هذا الغلام وأبوه.
روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:”يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ” أَوْ قَالَ: لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنْ الْمَاءِ لَكَانَتْ عَيْنًا مَعِينًا“.
شربت هاجر من ماء زمزم، وارتوت وأرضعت ولدها إسماعيل شاكرةً اللهَ الكريمَ اللطيفَ على عظيم فضله ورحمته وعنايته، ثم بدأت الطيور ترد ذلك الماء وتحوم حوله، ومرَّت قبيلة جُرْهُم العربية فرأوا الطيور حائمة حول ذلك الماء، فاستدلوا بذلك على وجود الماء، فوصلوا إلى ماء زمزم واستأذنوا من أم اسماعيل أن يضربوا خيامهم حول ذلك المكان قريبًا منه فأذنت لهم واستأنست بوجودهم حولها، ثم أخذ العُمران يتكاثر ببركة هذا الماء المبارك الذي خلقه الله في ذلك المكان من هذه البقعة المباركة الطيبة.
شبَّ إسماعيل عليه السلام ولد إبراهيم بين قبيلة جرهم العربية وتعلم منهم العربية وترعرع بينهم، ولما أعجبهم سيرته وخلقه زوجوه امرأة منهم، وأصبحت مكة مأهولة بالسكان منذ ذلك الحين بعد أن كانت جرداء وقفرًا موحشًا، وكان سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام بعد أن رجع إلى فلسطين بعد كل مدة وحين ذهب إلى مكة بالبراق يتردد إليهم وينظر إليهم ويتفقدهم صلوات الله وسلامه عليه.
فائدة: جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا فتحتم مصر فاستوصوا بأهلها خيرًا فإنَّ لهم ذمة ورحمًا” قيل: يعني ولادة هاجر لإسماعيل، وقيل غير ذلك، والحديث رواه الطبراني، وقال الحافظ الهيثمي: “رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح”.
قصة الذبيح إسماعيل عليه السلام
قال الله تبارك وتعالى:{ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ }سورة الصافات.
يذكر الله تبارك وتعالى عن خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه لما هاجر من بلاد قومه إلى حيث يتمكن من طاعة الله وعبادته والجهاد في سبيله، سأل ربه أن يهبَه ولدًا صالحًا فبشره الله تبارك وتعالى بغلام مبارك حليم وهو إسماعيل عليه السلام، لأنه أول من ولد له على رأس ست وثمانين سنة من عمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
ومعنى قوله تعالى: { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ } أي شبَّ وصار يسعى في مصالحه الدنيوية والأخروية كأبيه إبراهيم عليهما الصلاة والسلام.
ثم رأى إبراهيم عليه السلام في منامه رؤيا أنَّ الله تعالى يأمره بذبح ولده إسماعيل ورؤيا الأنبياء وحي، فما كان من نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام بعد أن استيقظ من النوم إلا أن سارع لتنفيذ أمر الله تبارك وتعالى دون تردد، فقد قيل: لما أراد إبراهيم عليه السلام ذبح ولده إسماعيل قال له: انطلق فنقرِّب قربانًا إلى الله عز وجل، فأخذ سكينًا وحبلًا ثم انطلق مع ابنه إسماعيل وقيل إسحاق حتى إذا ذهبا بين الجبال قال له إسماعيل: يا أبت أين قربانك؟ فقال له إبراهيم: { إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى }سورة الصافات.
يقال: عرض إبراهيم ذلك على إسماعيل ليكون أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قسرًا ويذبحه قهرًا، فبادر إسماعيل الحليم أباه بقوله: { يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }سورة الصافات فكان جواب إسماعيل لأبيه إبراهيم في غاية السداد والطاعة لأبيه إبراهيم عليه السلام.
وأراد إسماعيل أن يخفف عن أبيه لوعة الثكل ويرشده إلى أقرب السبل ليصل إلى قصده فقال لأبيه إبراهيم: يا أبت اجعل لي وثاقًا وأحكم رباطي حتى لا أضطرب، واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح عليك من دمي فتراه أمي فتحزن، وأسرع مر السكين على حلقي ليكون أهون للموت علي فإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني، فأقبل إبراهيم برأفة وحنان الآباء يقبله ويبكي ويقول له: نعم العون أنت لي يا بني على أمر الله عز وجل، قال الله تعالى:{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}سورة الصافات، أي فلما استسلما لأمر الله وألقاه على وجهه، وقيل: أراد إبراهيم أن يذبحه من قفاه لئلا يشاهده في حال الذبح.
وأمر إبراهيم السكين على رقبة ولده إسماعيل فلم تقطع شيئًا لأن الله تبارك وتعالى لم يشأ لها أن تقطع، لأن السكين لا يقطع بطبعه وبذاته وإنما خالق القطع هو الله تعالى وحده، والسكين سبب للقطع فلا تقطع إلا بمشيئة الله فالله تبارك وتعالى خالقٌ للسكين وخالقٌ للقطع أي خالق للسبب والمسبَّب، فالأسباب لا تخلق شيئًا وإنما الخالق هو الله تعالى وحده، كما أن الله تعالى هو خالق الإحراق وخالق النار التي هي سبب للإحراق، فالنار لم تحرق نبي الله إبراهيم عندما ألقي فيها لأن الله تعالى خالق الإحراق ولم يشأ لها أن تحرق نبيه إبراهيم عليه السلام يقول الله جلت قدرته: { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }سورة الزمر.
وعندما أمرّ إبراهيم عليه الصلاة والسلام السكين على رقبة إسماعيل عليه السلام فلم تحك شيئًا ولم تقطع نُودي: { وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ }سورة الصافات.
أرسل الله عَظُمت قدرته لإبراهيم فداء لإسماعيل بذبح وهو كبش عظيم، قيل: كان قد رعي في الجنة أربعين سنة وكان هذا الكبش أبيض عظيمًا أقرنَ ذبحه إبراهيم بمنى فداء ابنه إسماعيل عليه السلام.
فائدة: لما أراد إبراهيم ذبح إسماعيل تنفيذًا لأمر الله ظهر له إبليس ثلاث مرات عند موضع الجمرات الثلاث اليوم، وذلك ليوسوس له بالمعصية فرماه سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام عند هذه المواضع بالحصى إهانة له، فأمة محمد صلى الله عليه وسلم أمروا بهذا الرمي إحياء لسنة نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وفي ذلك رمز لمشروعية مخالفة الشيطان وإهانته وليس معنى الرجم أن الشيطان يسكن هناك.
بناء إبراهيم وإسماعيل البيت الحرام في مكة المكرمة
يقول الله تبارك وتعالى: { وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ }سورة الحج.
أمر الله تبارك وتعالى إبراهيم عليه الصلاة والسلام ببناء البيت الحرام – الكعبة- وبوأه الله مكانه أي أرشده إليه ودله عليه، وقيل إن الذي دله على موضع البيت هو جبريل عليه السلام، فسار إبراهيم عليه السلام إلى مكة المكرمة، فلما وصل إلى مكة وجد إسماعيل يُصلح نبلًا له وراء زمزم فقال له: يا إسماعيل إن الله قد أمرني أن أبني بيتًا، قال له إسماعيل: فأطع ربك، فقال له إبراهيم: قد أمرك أن تعينني على بنائه، قال: إذن أفعل، فقام إبراهيم إلى مكان البيت، فجعل يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، وكلما أنهيا بناء صف منها ارتفع مقام إبراهيم به حتى يبني الذي فوقه، وهكذا حتى تمت عمارتها.
ومقام إبراهيم هو حجر كان يقف عليه إبراهيم عند بناء الكعبة وضعه له ابنه إسماعيل ليرتفع عليه لما تعالى البناء، قال الله تبارك و تعالى: { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ }سورة البقرة.
والمقصود أن إبراهيم الخليل بنى أشرف المساجد في أشرف البقاع في وادٍ غير ذي زرع، ودعا لأهلها بالبركة وأن يرزقوا من الثمرات مع قلة المياه وعدم الأشجار والزروع والثمار وأن يجعله الله حرمًا ءامنًا.
كذلك سأل إبراهيمُ عليه السلام اللهَ أن يبعث فيهم رسولًا منهم أي من جنسهم وعلى لغتهم الفصيحة البليغة يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ويطهرهم. وقد استجاب الله تعالى دعوة نبيه إبراهيم فبعث في العرب وفي أشرف القبائل منهم رسولًا عظيمًا وهو سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين.
وعندما أكمل إبراهيم بناء الكعبة قال لابنه إسماعيل: إيتني بحجر حسن أضعه على الركن فيكون للناس علمًا، فأتاه جبريل عليه السلام بالحجر الأسود فأخذه ووضعه موضعه.
تنبيه: ليعلم أن الحجر الأسود هو ياقوتة بيضاء من الجنة لكن لما تمسح به المشركون صار أسودَ.
وأن الكعبة هي أول بيت ومسجد وضع في هذه الأرض وءادم عليه السلام هو أول من بناه، وقد انهدم بطوفان نوح عليه السلام الذي عم كل الأرض، قال تعالى:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}سورة ءال عمران.
والكعبة وسط المعمورة وفوقها إلى السماء السابعة البيت المعمور وهو بيت مشرف هو لأهل السماء الملائكة كالكعبة لأهل الأرض، كل يوم يدخله سبعون ألف ملك يصلون فيه ثم يخرجون ولا يعودون أبدًا.
فائدة: عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي مسجد وضع أول؟ قال: “المسجد الحرام” قلت: ثم أي؟ قال: “المسجد الأقصى” قلت: كم بينهما؟ قال: “أربعون سنة” قلت: ثم أي؟ قال: “ثم حيث أدركته الصلاة فصلّ فكلُّها مسجد“.
وبعد أن فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت الحرام مع إسماعيل أمره الله أن يؤذن في الناس بالحج فأذن ودعاهم إلى حج بيت الله الحرام، وروي أنه نادى: أيها الناس إن الله قد كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق، وخرج إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع ولده إسماعيل وقاما بمناسك الحج، وروي أن جبريل هو الذي أرى إبراهيم كيف يحج.
وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إن إبراهيم قام على الحجر فقال: يا أيها الناس إن الله فرض عليكم الحج فأسمع من كان في أصلاب الآباء وأرحام النساء ممن ءامن وكتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة، فأجاب: لبيك اللهم لبيك. حسّن ذلك الحافظ ابن حجر، وهذا الذي ثبت عن ابن عباس مما لا يقال بالرأي بل بالتوقيف.
مولد إسحاق عليه الصلاة والسلام
قال تعالى في حق إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ}سورة الصافات.
وقال الله تبارك وتعالى:{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ}سورة الذاريات.
كان إبراهيم عليه السلام يذهب بعد كل مدة إلى مكة المكرمة يتفقد ولده إسماعيل وأمه هاجر عليهم السلام وقد صار إسماعيل عليه السلام بعدما تزوج هناك نبيًا.
وبعد أن بلغت زوجته سارة سن اليأس وهو السن الذي لا تلد المرأة فيه عادة وكانت امرأة عقيمًا وكان عمرها تسعين سنة رزقها الله ورزق زوجها إبراهيم عليه الصلاة والسلام ابنًا نجيبًا عليمًا هو اسحاق عليه السلام الذي صار بعد ذلك نبيًا كأخيه إسماعيل عليهما السلام.
أما كيف جاء إبراهيم وزوجته سارة البشارة بهذا الولد الطيب فقد ذكر الله تبارك وتعالى أن ثلاثة من الملائكة المكرمين عنده قيل هم: جبريل وميكائيل وإسرافيل لما وفدوا على نبي الله إبراهيم الخليل حسبهم أولًا ضيوفًا، فعاملهم معاملة الضيوف وشوى لهم عجلًا سمينًا من خيار بقره، فلما قربه إليهم وعرض عليهم لم ير لهم همة إلى الأكل لأن ملائكة الله الكرام لا يأكلون ولا يشربون ولا يتعبون ولا يتوالدون وليس فيهم حاجة إلى الطعام، فلما وجد إبراهيم عليه السلام أن ضيوفه ليس لهم همة على الأكل لم يعرفهم ونكرهم وأوجس منهم خيفة، عند ذلك هدّءوا روعه وقالوا له: لا تخف، وطمأنوه أنهم في طريقهم إلى مدائن قوم لوط الكافرين ليدمروها وينزلوا بهم العذاب لكفرهم وفجورهم، فاستبشرت عند ذلك سارة غضبًا لله عليهم، وكانت قائمة على رءوس الضيوف كما جرت به عادة الناس من العرب وغيرهم، وضحكت استبشارًا بذلك قال الله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}سورة هود، أي بشرتها الملائكة بذلك، عند ذلك أقبلت سارة في صرخة وصكّت وجهها كما يفعل النساء عند التعجب وقالت: كيف يلد مثلي وأنا امرأة كبيرة وعقيم وزوجي شيخ كبير فقالوا لها:{قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ}سورة هود، وكذلك تعجب إبراهيم استبشارًا بهذه البشارة فرحًا بها:{قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ}سورة الحجر، أي اليائسين، فأكدوا لإبراهيم هذه البشارة وبشروه وزوجته سارة بغلام عليم وهو إسحاق أخو إسماعيل عليهما الصلاة والسلام.
ذكر ثناء الله تعالى ورسوله الكريم محمد على نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام
يقول الله تبارك وتعالى في الثناء على نبيه إبراهيم الخليل عليه السلام:{وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى}سورة النجم، قيل: وفّى في جميع ما أمر به وقام بجميع خصال الإيمان وشعبه، وكان لا يشغله مراعاة الأمر الجليل عن القيام بمصلحة الأمر القليل ولا ينسيه القيام بأعباء المصالح الكبار عن الصغار.
وقال تعالى:{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}سورة البقرة.
قيل: لما وفّى إبراهيم عليه الصلاة والسلام ما أمره الله به من التكاليف العظيمة، جعله للناس إمامًا يقتدون به ويأتمون بهديه، وسأل إبراهيمُ ربَّه أن تكون هذه الإمامة متصلة بنسبه وباقية في ذريته فأجيب إلى ما سأل واستثني من نيلها الظالمون، واختص بها من ذريته العلماء العاملون والصالحون كما قال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}سورة العنكبوت، وقال الله تعالى:{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}سورة الأنعام.
فالضمير في قوله تعالى: {وَمِن ذُرِّيَّتِهِ} عائد على إبراهيم عليه السلام في المشهور، وقال تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ}سورة الحديد.
فقيل: كل كتاب أنزل من السماء على نبي من الأنبياء بعد إبراهيم الخليل فعلى ذريته وهذه منزلة عالية ومرتبة عليّة، وذلك أنه ولد لإبراهيم الخليل لصلبه ولدان ذكران عظيمان صارا نبيين ورسولين وهما: إسماعيل من هاجر، ثم إسحاق من سارة، وولد لإسحاق يعقوب وهو إسرائيل الذي كثرت جدًا في ذريته النبوة بحيث لا يعلم عددهم إلا الله تبارك وتعالى الذي بعثهم، حتى ختموا بعيسى ابن مريم من بني إسرائيل.
وأما إسماعيل عليه السلام الذي نشأ في قبيلة جرهم العربية وتعلم منهم اللغة العربية وتزوج منهم، فلم يوجد من سلالته من الأنبياء سوى خاتم الأنبياء على الإطلاق وسيدهم وسيد الأولين والآخرين وهو سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الذي ولد بمكة وهاجر إلى المدينة، فكان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي ينتهي نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام الجوهرة الباهرة والدرة الزاهرة وواسطة العقد الفاخرة الذي يغبطه الأولون والآخرون لأنه سيد ولد ءادم يوم القيامة.
وقد مدح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذي هو من ذريته وقد ثبت في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: “سأقوم مقامًا يرغب إليّ الخلق كلهم حتى إبراهيم“.
وروي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ: “إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ “.
وقال سيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلم:” إِنَّ الْكَرِيمَ ابْنَ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ“، قال تعالى:{ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}سورة ءال عمران.
والذين اتبعوه هم الذين كانوا على ملته ودينه الإسلام من أتباعه في زمانه ومن تمسك بدينه من بعدهم وقوله تعالى:{وَهَذَا النَّبِيُّ} يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم فإن الله شرع له الدين الإسلامي الحنيف وارتضاه له صلَّى الله عليه وسلم، لأن الأنبياء جميعهم مسلمون دينهم واحد هو الإسلام، قال الله تبارك وتعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ}سورة ءال عمران، وبيانًا لهذه الحقيقة يقول الله تبارك وتعالى:{قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}سورة الأنعام.
وقيل: قوله تعالى:{أمّةً} أي قدوة إمامًا مهتديًا داعيًا إلى الخير يقتدى به فيه، وقوله:{قانتًا لله} أي خاشعاً له في جميع حالاته وحركاته وسكناته، وقوله تعالى:{حنيفًا} أي مائلًا عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق وهو الإسلام.
فائدة: أول من اختتن إبراهيم، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي صلَّى الله عليه وسلم: “اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ، النَّبِيُّ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- وَهُو ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً، بِالْقَدُّومِ” وورد في الأخبار أنه أول من شاب.
وفاة إبراهيم عليه الصلاة والسلام
توفي سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام وله من العمر مائتي سنة كما يفهم ذلك من حديث ابن حبان السابق ذكره، وقيل: عاش سيدنا إبراهيم مائة وخمسًا وسبعين سنة.
وقد عاش عليه السلام بعد هجرته من العراق – بابل- في فلسطين وقد استقر بها، وكان يتردد إلى مكة المكرمة من حين لآخر ليتفقد ولده إسماعيل وأمه هاجر عليهما السلام.
وقد دفنه ابناه إسماعيل وإسحاق عليهما السلام في المغارة التي كان قد دفن فيها إبراهيم الخليل زوجته سارة بقرية حبرون وهو البلد المعروف اليوم بالخليل، وهذا ملتقى بالتواتر أمة بعد أمة وجيلًا بعد جيل من زمن إسرائيل إلى زماننا هذا.
الهوامش:
– ذكر أهل السير أن سارة غارت من هاجر فأخرجها إبراهيم عند ذلك وأنزلها وإسماعيل مكة.
– إن الله إذا أمر بشيء يكون حسنًا فالله يُبيح ما يشاء ويحرّم ما يشاء فقد أباح لنا أن نذبح بعض البهائم ونستمتع بأكلها، أما أمر الله لإبراهيم بذبح ولده إسماعيل فيه حكمة وهي إظهار كمال انقياد إبراهيم وإسماعيل لله.