معنى الحديث الشريف:”إياكَ والتنعُّمَ فإن عِبَادَ اللهِ ليسُوا بالمتنعِّمينَ“
روى البيهَقِيُّ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ لمعَاذِ بنِ جَبَلٍ:”إياكَ والتنعُّمَ فإن عِبَادَ اللهِ ليسُوا بالمتنعِّمينَ” أيْ خِيارَ عبَادِ اللهِ ليسُوُا كذلكَ. والتنعُّمُ هُوَ الاستمرَارُ بالتلذُّذِ بالطعامِ والشرابِ ومَفَاخِرِ الثيابِ ونحوِ ذلكَ.
أمَّا إذا كَانَ في بعضِ الأوقاتِ يأكُلُ الطَّعَامَ اللذيذَ أو يلبَسُ اللباسَ الجميلَ لا بأسَ في هذا لا يكونُ تنعُّمًا. وكذلكَ إذا أكلَ اللحمَ في بعضِ الأحْيانِ لِحفْظِ بَدَنهِ هذا لا يُنَافي تَرْكَ التنعُّمِ. ثمَّ إنَّ تركَ التنعُّمِ عَمَلُ الأنبياءِ والأولياءِ لأنهم يَنْظُرُونَ إلى راحَةِ مُسْتَقْبَلهم. وهذا مَقَامٌ كبيرٌ يصْعُبُ على النفسِ، وذلكَ لأنَّ التنعُّمَ يحُولُ بينَ الشخصِ وبينَ تقْديمِ ما يَنْفَعُهُ لآخِرتهِ ويكونُ لَهُ ذخْرًا لأنَّ الذي يَلزَمُ التنعُّمَ في عيشَتهِ نفسُهُ تَمْنَعُهُ عن تقدِيمِ مَا يكونُ ذخْرًا لَهُ في الآخِرَة تقولُ لهُ إذا قَدَّمتَ هذا تَنْقُصُ عَليكَ وسَائلُ التنعُّمِ فَيَمْنَعُهُ عن تقديمِ هذا العملِ الذي هوَ عَمَلُ برٍّ وإحسانٍ.
حُبُّ الدُّنيا إذا اسْتوْلى على القَلبِ هَانَ على صَاحِبهِ كُلُّ المفَاسِدِ.
عيسى عليهِ السَّلامُ كانَ يَلبَسُ الشعَرَ أي الصُّوفَ الذي يخْرُجُ مِنَ الغَنَمِ مِنْ غَيرِ أنْ يُنْسَجَ وغيرَ ذلكَ ويَأكُلُ الشَّجَرَ أي مِنْ بُقُولِ الأرضِ مِنْ نحوِ الملوخيَّةِ والهُندباءِ والخبيزةِ مِنْ دُونِ طَبْخٍ يَبيتُ حيثُ يُدْرِكُهُ المساءُ كَانَ يَبيتُ في المسجِدِ كَانوا يُسَمُّونَهَا بِيعَةً أو يَبيتُ في البرِيَّةِ تحتَ شجرةٍ.
والرَّسُولُ صلَّى الله عليه وسلم كَانَ يُنْقَعُ لَهُ الزَّبيبُ فيبيتُ الليلةَ ثمَّ يشربُ مِنْهُ ثمَّ الليلةَ الثانيةَ يشربُ والثالثةَ يشربُ ثمَّ قدْ يسقِيِه غيرَهُ أو يشرَبُهُ أو يُرمَى لأنهُ في البلادِ الحارَّةِ يُخشَى أنْ يصيرَ خَمْرًا في اليومِ الرَّابِع أو الخامِسِ. فالذي يترُكُ التنعُّمَ أقرَبُ إلى مواساةِ الغيرِ، لذلكَ تَرْكُ التنعُّمِ طريقٌ إلى تنويرِ القلبِ.