– أخرج مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا صَلَّىَ الْغَدَاةَ جَاءَ خَدَمُ الْمَدِينَةِ بِآنِيَتِهِمْ فِيهَا الْمَاءُ، فَمَا يُؤْتَىَ بِإِنَاءٍ إِلاَّ غَمَسَ يَدَهُ فِيهَا، فَرُبَّمَا جَاءوهُ فِي الْغَدَاةِ الْبَارِدَةِ فَيَغْمِسُ يَدَهُ فِيهَا.
وأخرج مسلم عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
لَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْحَلاَّقُ يَحْلِقُهُ، وَأَطَافَ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَمَا يُرِيدُونَ أَنْ تَقَعَ شَعْرَةٌ إِلاَّ فِي يَدِ رَجُلٍ.
قال النووي في شرح صحيح مسلم، الجزء الخامس عشر >> كتاب الفضائل >> باب قربه النبي عليه السلام من الناس، وتبركهم به وتواضعه لهم:
في هذه الأحاديث: بيان بروزه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للناس، وقربه منهم ليصل أهل الحقوق إلى حقوقهم ويرشد مسترشدهم ليشاهدوا أفعاله وحركاته فيقتدى بها، وهكذا ينبغي لولاة الأمور.
وفيها: صبره -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المشقة في نفسه لمصلحة المسلمين، وإجابته من سأله حاجة أو تبريكًا بمس يده وإدخالها في الماء كما ذكروا.
وفيه: التبرك بآثار الصالحين، وبيان ما كانت الصحابة عليه من التبرك بآثاره -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتبركهم بإدخال يده الكريمة في الآنية، وتبركهم بشعره الكريم وإكرامهم إياه أن يقع شيء منه إلا في يد رجل سبق إليه.اهـ
– أخرج البخاري عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ:
أَرْسَلَنِي أَهْلِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ، فِيهِ شَعَرٌ مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ إِذَا أَصَابَ الْإِنْسَانَ عَيْنٌ أَوْ شَيْءٌ بَعَثَ إِلَيْهَا مِخْضَبَهُ.
قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري، المجلد العاشر >> كتاب اللباس >> باب مَا يُذْكَرُ فِي الشَّيْبِ:
والمراد أنه كان من اشتكى أرسل إناء إلى أم سلمة فتجعل فيه تلك الشعرات وتغسلها فيه وتعيده فيشربه صاحب الإناء أو يغتسل به استشفاء بها فتحصل له بركتها.اهـ
– أخرج مالك والنسائي وابن حبان والبيهقي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ الأَنْصَارِىِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ:
عَدَلَ إِلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَنَا نَازِلٌ تَحْتَ سَرْحَةٍ بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَقَالَ: مَا أَنْزَلَكَ تَحْتَ هَذِهِ السَّرْحَةِ، قَالَ فَقُلْتُ: أَرَدْتُ ظِلَّهَا فَقَالَ: هَلْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: أَرَدْتُ ظِلَّهَا فَقَالَ: هَلْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: لاَ مَا أَنْزَلَنِى غَيْرُ ذَلِكَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهِ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِذَا كُنْتَ بَيْنَ الأَخْشَبَيْنِ مِنْ مِنًى وَنَفَخَ (أشار) بِيَدِهِ نَحْوَ الْمشْرِقِ فَإِنَّ هُنَاكَ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ السّرَرُ بِهِ شَجَرَةٌ سُرَّ تَحْتَهَا سَبْعُونَ نَبِيًّا ».
قال ابن عبد البر في التمهيد (13/64):
وفي هذا الحديث دليل على التبرك بمواضع الأنبياء والصالحين ومقاماتهم ومساكنهم وإلى هذا قصد عبد الله بن عمر بحديثه هذا، والله أعلم.
وفي لسان العرب، لابن المنظور الإفريقي. المجلد الرابع >> (ر) >> حرف الراء >> فصل السِّين المهملة، وفي النهاية في غريب الحديث والأثر. لابن الأثير، المجلد الثاني >> حرف السين >> باب السين مع الراء:
وحديث ابن عمر رضي اللّه عنهما <فإنَّ بها سَرْحَةً سُرَّ تحتها سبعُون نبيًا> أي قُطعت سُرَرُهم، يعني أنهم وُلِدوا تحتَها، فهو يَصِف برَكتَها، والموضعُ الَّذي هي فيه يُسَمى وادي السُّرَر، بضم السين وفتح الراء. وقيل هو بفتح السين والراء. وقيل بكسر السين. اهـ
قال الشيخ محمد الزرقاني في شرحه على موطأ الإمام مالك (2/530):
وفيه التبرك بمواضع النبيين.اهـ
– روى الحافظ ابن حجر في الإصابة، الجزء الخامس >> حرف الفاء >> القسم الأول [من ذُكِرَ له صحبة، وبيان ذلك] >> الفاء بعدها الراء:
عن صفية بنت بحرة قالت:
استوهب عمي فراس من النبي صلى الله عليه وسلم قصعة رآه يأكل فيها فأعطاه إياها، قال: وكان عمر إذا جاءنا قال: اخرجوا إليَّ قصعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنخرجها إليه، فيملأها من ماء زمزم فيشرب منها وينضحه على وجهه.اهـ
– روى الحافظ ابن حجر في الإصابة، الجزء الثامن >> حرف العين المهملة >> القسم الأول [من ذُكِرَ لها صحبة، وبيان ذلك]:
عن أم عامر أسماء بنت يزيد بن السكن قالت:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدنا المغرب فجئت منزلي فجئته بلحم وأرغفة، فقلت: تعشَّ، فقال لأصحابه: كلوا، فأكل هو وأصحابه الذين جاءوا ومن كان حاضرا من أهل الدار وإن القوم لأربعون رجلا والذي نفسي بيده لرأيت بعض العرق لم يتعرقه وعلبة الخبز، قالت: وشرب عندي في شجب فأخذته فدهنته وطويته، فكنا نسقي فيه المرضى ونشرب منه في الحين رجاء البركة. اهـ
– أخرج ابن حبان عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
رأيت أسامة بن زيد يصلي عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج مروان بن الحكم، فقال: تصلي إلى قبره، فقال: إني أحبه، فقال له قولا قبيحا ثم أدبر فانصرف أسامة بن زيد، فقال له: يا مروان إنك آذيتني وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الله يبغض الفاحش المتفحش”، وإنك فاحش متفحش.اهـ
– روى ابن أبي شيبة في مصنفه: عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّهُ كَانَ فِي طرِيقِ مَكَّةَ يَقُوْلُ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ يَثْنِيْهَا، وَيَقُوْلُ: لَعَلَّ خُفًّا يَقعُ عَلَى خُفٍّ، -يَعْنِي: خُفَّ رَاحِلَةِ النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. اهـ
وكذا ذكره أبو نعيم في حلية الأولياء، وابن رجب في فتح الباري، والذهبي في سير أعلام النبلاء.
– وفي الشرح الكبير (3/599) وكشاف القناع (2/517) للحنابلة:
عن ابْنِ عُمَرَ، أنه كان يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَقْعَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمِنْبَرِ ثُمَّ يَضَعُهَا عَلَى وَجْهِهِ.اهـ
– وقد ورد عن الإمام أحمد بن حنبل أنه تبرك بجبة يحيى بن يحيى نقل ذلك ابن مفلح الحنبلي، حيث قال في الآداب الشرعية (2/235): «قال المروذي في كتاب الورع: «سمعت أبا عبد الله يقول قد كان يحيى بن يحيى أوصى لي بجبته فجاءني بها ابنه فقال لي فقلت رجل صالح قد أطاع الله فيها أتبرك بها».