س: كثر الكلام بين الناس وعلى روابط الانترنت في أيامنا عن سفر المرأة بدون محرم فنرجو منكم بيان حكم سفر المرأة من غير نحو محرم ؟ وفقكم الله .
الجواب:
مِنْ مَعاصِي البدَن سفَر المَرأة بغَير نَحوِ مَحْرم، وقَد وَرد النَّهيُ عن ذلكَ ففِي بعضِ أحاديثِ النّهي عنه ذِكْرُ مَسِيرة ثلاثةِ أيّام، وفي بَعضِها ذِكْرُ مَسٍيْرة يومَين وفي بعضِها ذِكرُ مَسِيرة يوم وفي بعضِها ذِكرُ بَرِيد والبَريدُ مسِيرةُ نِصفِ يَوم وذلكَ يَدُلُّ على أنَّ المقصُودَ تَحرِيمُ ما يُسَمَّى سَفرًا على المَرأةِ بدونِ المَحارم أو الزّوج ( والمحرم يكون ذكرا بالغا) وذلكَ بشرط أن لا تكونَ ضرورةٌ للسّفَر، فأمّا إذا كانَت ضَرورةٌ بأن كانَ سَفَرُها لحَجّ الفَرضِ أو عُمرَةِ الفَرضِ أو لِتَعلُّم العِلم الضّروريّ إذا لم تَجِدْ في بلَدِهَا مَنْ يُعلِمُها ونحوِ ذلكَ فإنّه جَائِزٌ، أَمَّا لغير الحج الواجب وهو النفل فلا يجوزُ لها السفرُ من أجله وحدها ولا مع النسوة الثِّقات. ويشمل هذا الحكم سفرها لزيارة الأولياء أو لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم. فإذا كان لا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم أو زوج لحج النفل وزيارة قبر الرّسول ونحو ذلك فبالأولى أن لا يجوز لها السّفر وحدها للتنـزه إلا أن يكون سفرها لضرورة كأن تخاف على نفسها في بلدها أو لا تجد قوتها أو نحو ذلك.
ففي سنن أبي داود كتاب المناسك باب في المرأة تحج بغير محرم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو حرمة منها] (ورواه أحمد ومسلم ) وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال [لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يومًا وليلة] فذكر معناه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه إلا أنه قال [بريدًا] وعن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرًا فوق ثلاثة أيام فصاعدًا إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها] ( ورواه أحمد ومسلم والترمذي) وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال [لا تسافر المرأة ثلاثًا إلا ومعها ذو محرم]( ورواه أحمد والبخاري ومسلم ).
المقصود من تعدد الرويات:
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم الجزء التاسع ، تتمَّة كتاب الحجِّ ، باب سفر المرأة مع محرم إلى حجٍّ وغيره:” قال العلماء اختلاف هذه الألفاظ لاختلاف السائلين واختلاف المواطن وليس في النهي عن الثلاثة تصريح بإباحة اليوم والليلة أو البريد قال البيهقي كأنه صلى الله عليه وسلم سئل عن المرأة تسافر ثلاثًا بغير محرم فقال لا وسئل عن سفرها يومين بغير محرم فقال لا وسئل عن سفرها يومًا فقال لا وكذلك البريد فأدى كلٌّ منهم ما سمعه وما جاء منها مختلفًا من رواية واحد فسمعه في مواطن فروى تارة هذا وتارة هذا وكله صحيح وليس في هذا كلِّهِ تحديدٌ لأقل ما يقع عليه اسم السفر ولم يُرِدْ صلى الله عليه وسلم تحديدَ أقل ما يسمى سفرًا فالحاصل أن كل ما يسمى سفرًا تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يومًا أو بريدًا أو غير ذلك لرواية ابن عباس المطلقة وهي ءاخر روايات مسلم السابقة [لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم] وهذا يتناول جميع ما يسمى سفرًا والله أعلم اﻫ
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، شرح صحيح البخاري، المجلد الرابع ، أَبْوَابُ الْمُحْصَرِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ ، باب حَجِّ النِّسَاءِ: ” وقد عمل أكثر العلماء في هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقييدات .. وقال ابن المنير : وقع الاختلاف في مواطن بحسب السائلين “اهـ
قال في إعانة الطالبين (م1\ج2\283-284) :” وقوله [يومين] في الرواية الأولى [وثلاثة أيام] في الرواية الثانية [وبريدًا] في الثالثة ليس قيدًا والمراد كلُّ ما يسمى سفرًا سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يومًا أو بريدًا أو غير ذلك لرواية ابن عباس المُطْلَقَةِ [لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم] وهذا يتناول جميع ما يسمى سفرًا قوله (وإن قصر) أي السفر وهو غاية لحرمة السفر وحدها” اﻫ
ورواية ابن عباس أخرجها البخاري في باب حج النساء.
وفي كتاب رد المحتار على الدر المختار ، كتاب الحج : ” ( قوله في سفر ) هو ثلاثة أيام ولياليها فيباح لها الخروج إلى ما دونه لحاجة بغير محرم بحرٌ ، وروي عن أبي حنيفة وأبي يوسف كراهة خروجها وحدها مسيرة يوم واحد ، وينبغي أن يكون الفتوى عليه لفساد الزمان شرح اللباب ويؤيده حديث الصحيحين ” [ لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها ] ” وفي لفظ لمسلم ” [ مسيرة ليلة ] ” وفي لفظ ” [ يومٌ ] “اهـ
وفي شرح معاني الآثار ، كتاب مناسك الحج ، باب المرأة لا تجد محرما هل يجب عليها حج : ” قال أبو جعفر : فذهب قومٌ إلى أن المرأة لا تسافر سفرا قريبا أو بعيدا إلا مع ذي محرم واحتجوا في ذلك بهذه الآثار… وخالفهم في ذلك ءاخرون فقالوا : كل سفر هو دون البريد فلها أن تسافر بلا محرم وكل سفر يكون بريدا فصاعدا فليس لها أن تسافر إلا بمحرم…وخالفهم في ذلك ءاخرون فقالوا : كل سفر يكون ثلاثة أيام فصاعدا فليس لها أن تسافر إلا مع محرم وكل سفر يكون دون ذلك فلها أن تسافر بغير محرم…قالوا : ففي توقيت رسول الله الثلاث في ذلك دليلٌ على أن حكم ما دون الثلاث بخلاف ذلك وممن قال بهذا القول أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى “اهـ
سفر المرأة وحدها للضرورة
وقال النووي في شرح الحديث الذي فيه [فأتت على ناقة ذلول مجرسة] (11\102):” وفي هذا الحديث جواز سفر المرأة وحدها بلا زوج ولا محرم ولا غيرهما إذا كان سفر ضرورة كالهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام وكالهرب ممن يريد منها فاحشة ونحو ذلك والنهي عن سفرها وحدها محمول على غير الضرورة اﻫ ذكره في باب لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد.
قال ابن قدامة في المغني ،كتاب الحج، مسألة امرأة موسرة لم يكن لها محرم هل يجب عليها الحج:” وأمّا الأسيرةُ إذا تخلّصت من أيدي الكفار فإنّ سفرها سفر ضرورة لا يُقاس عليه حالة الاختيار، ولذلك تخرج فيه وحدها ، ولأنّها تدفع ضررًا متيقنًا بتحمل الضرر المتوهم فلا يلزم تحمل ذلك من غير ضرر أصلاً “اهـ
وفي صحيح مسلم بشرح النووي،الجزء التاسع تتمَّة كتاب الحجِّ باب سفر المرأة مع محرم إلى حجٍّ وغيره:” وقد قال القاضي (أي عياض ): واتَّفق العلماء على أنَّه ليس لها أن تخرج في غير الحجِّ والعمرة إلاَّ مع ذي محرم إلاَّ الهجرة من دار الحرب، فاتَّفقوا على أنَّ عليها أن تهاجر منها إلى دار الإسلام وإن لم يكن معها محرم”اهـ
وفي فتح الباري، شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، المجلد الرابع ، أَبْوَابُ الْمُحْصَرِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ ، باب حَجِّ النِّسَاءِ :” قال البغوي لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض إلا مع زوج أو محرم إلا كافرة أسلمت في دار الحرب أو أسيرة تخلصت”اهـ
سفر المرأة لحج الفرض
قال النووي الشافعي في المجموع(7\86) عن سفر المرأة وحدها لحج الفرض: ” وروى الكرابيسيُّ عنه إذا كان الطريق ءامنًا جاز من غير نساء وهو الصحيح” اﻫ
وفي فتح الباري، شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، المجلد الرابع ، أَبْوَابُ الْمُحْصَرِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ ، باب حَجِّ النِّسَاءِ وفي قول نقله الكرابيسي وصححه في المهذب تسافر وحدها إذا كان الطريق آمنا، وهذا كله في الواجب من حج أو عمرة”اهـ.
وفي صحيح مسلم بشرح النووي، الجزء التاسع ، تتمَّة كتاب الحجِّ ، باب الحجِّ عن العاجز لزمانة وهرم ونحوهما، أو للموت:” جواز حجِّ المرأة بلا محرم إذا أمنت على نفسها وهو مذهبنا”اهـ
وفي المجموع شرح المهذب للنووي، كتاب الحج، باب الفوات والإحصار، أحرمت المرأة بغير إذن الزوج، فرع خروج المرأة للحج مع زوج أومحرم أو نسوة ثقات: ” وقال أبو حنيفة وأحمد : لا يجوز إلا مع زوج أو محرم ، قال الشيخ أبو حامد : والمسافة التي يشترط أبو حنيفة فيها المحرم ثلاثة أيام فإن كان أقل لم يشترط “اهـ.
وفي المغني لابن قدامة الحنبلي، كتاب الحج ، مسألة امرأة موسرة لم يكن لها محرم هل يجب عليها الحج:” وعنه ( أي عن أحمد ) رواية ثالثة أنّ المحرم ليس بشرط في الحج الواجب” اهـ
وفي كتاب الحاوى الكبير للماوردى :”وقال مالك : يجوز أن تخرج في الفرض مع نساء ثقات ، لكن لا يجوز أن تخرج مع امرأة واحدة”اهـ
سفر المرأة وحدها لحج التطوع ونحوه
قال النووي في المجموع (8\341) :” قالوا فإن كان الحج تطوعًا لم يجز أن تخرج إلا مع محرم وكذا السفر المباح كسفر الزيارة والتجارة لا يجوز خروجها في شىء من ذلك إلا مع محرم أو زوج اﻫ
وفي صحيح مسلم بشرح النووي، – الجزء التاسع تتمة كتاب الحج – باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره : ” واختلف أصحابنا في خروجها لحج التطوع وسفر الزيارة والتجارة ونحو ذلك من الأسفار التي ليست واجبة.فقال بعضهم: يجوز لها الخروج فيها مع نسوة ثقات كحجة الإسلام.وقال الجمهور: لا يجوز إلا مع زوج أو محرم وهذا هو الصحيح للأحاديث الصحيحة” اهـ .
وفي كتاب الحاوى الكبير للماوردى : فأما إن كان الحج تطوعا سفر المرأة بدون محرم ، لم يجز أن تخرج إلا مع ذي محرم ، وكذلك في السفر المباح ، كسفر الزيارة والتجارة ، لا يجوز أن تخرج في شيء منها إلا مع ذي محرم ، ومن أصحابنا من قال : يجوز أن تخرج مع نساء ثقات ، كسفر الحج الواجب ، وهو خلاف نص الشافعي ، وقال مالك : يجوز أن تخرج في الفرض مع نساء ثقات ، لكن لا يجوز أن تخرج مع امرأة واحدة ، وقال أبو حنيفة : لا يجوز أن تخرج في الفرض والتطوع إلا مع ذي محرم ” اهـ