س: نسألكم عن حكم إفراد الجمعة بصيام ؟ وإذا وافق يوم الجمعة يوم عرفة مثلا هل له أن يفرده ؟
الجواب:
يكره أن يصوم يوم الجمعة وحده ، فإن وصله بيوم قبله أو بيوم بعده لم يكره ؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده” رواه البخاري ومسلم ، وفي المسألة أحاديث أخر، من ذلك حديث محمد بن عباد قال : ” سألت جابرا أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة ؟ قال : نعم ” رواه البخاري ومسلم . وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” لا تخصوا ليلة الجمعة بصيام من بين سائر الليالي ، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين سائر الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم ” رواه مسلم . وعن جويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها :” أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة ، فقال : أصمت أمس ؟ قالت : لا ، قال : أتريدين أن تصومي غدا ؟ قالت : لا ، قال : فأفطري ” رواه البخاري . وعن ابن مسعود قال : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من غرة كل شهر ثلاثة أيام ، وقلما كان يفطر يوم الجمعة ” رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وغيرهم ، قال الترمذي : ” حديث حسن ، لذا فالقول المعتمد عند العلماء : أنه يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم فإن وصله بصوم قبله أو بعده أو وافق عادة له بأن نذر صوم يوم شفاء مريضه، أو قدوم زيد أبدا، فوافق الجمعة لم يكره ،لحديث أبي هريرة وغيره مما سبق، وهذا الذي ذكرناه من كراهة إفراد يوم الجمعة بالصوم هو الصحيح المشهور، وبه قطع الجمهور.
قال النووي في المجموع شرح المهذب،كتاب الصيام، باب صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها، صوم يوم الجمعة :” الحكمة في كراهة إفراد يوم الجمعة بالصوم أن الدعاء فيه مستحب، وهو أرجى فهو يوم دعاء وذكر وعبادة من الغسل والتبكير إلى الصلاة وانتظارها واستماع الخطبة وإكثار الذكر بعدها لقوله تعالى :” فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا “، ويستحب فيه أيضا الإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من العبادات في يومها فاستحب له الفطر فيه ليكون أعون على هذه الطاعات وأدائها بنشاط وانشراح والتذاذ بها من غير ملل ولا سآمة، وهو نظير الحاج بعرفات فإن الأولى له الفطر كما سبق لهذه الحكمة” اهـ
وقال النووي في شرح مسلم، الجزء الثامن، تتمة كتاب الصيام، باب كراهة صيام يوم الجمعة منفردا:” يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم إلا أن يوافق عادة له فإن وصله بيوم قبله أو بعده أو وافق عادة له بأن نذر أن يصوم يوم شفاء مريضه أبدا فوافق يوم الجمعة لم يكره لحديث ” لا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صيام يصومه أحدكم ” اهـ رواه مسلم. انتهى. إذا لم يوافق إفراد يوم الجمعة عادة له كأن كان يصوم يوما ويفطر يوما أو يصوم عاشوراء أو عرفة فوافق يوم صومه فلا كراهة كما في صوم يوم الشك . أنظر فتح الوهاب (1\125) وشرح الرملي (3\209) وغيرهما . قال البرماوي خرج نفس الصوم فإنه مندوب اﻫ ونقله عنه في حاشية الجمل من غير إنكار قال في شرح الرملي ويؤخذ من ذلك أيضا أن كراهة صومه ليست ذاتية بل لأمر عارض ويؤيده انعقاد نذره كما يعلم مما يأتي في النذر ويقاس به اليومان الآخران اﻫ أي السبت والأحد. قال في فتح الوهاب أما إذا صامه [أي يوم الجمعة] بسبب كأن اعتاد صوم يوم وفطر يوم فوافق صومه يوما منها فلا كراهة كما في صوم يوم الشك اﻫ ثم قال وقيس بالجمعة الباقي اﻫ
وفي فتح الباري، شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، المجلد الرابع، كتاب الصوم، باب صوم يوم الجمعة فإذا أصبح صائما يوم الجمعة فعليه أن يفطر يعني إذا لم يصم قبله ولا يريد أن يصوم بعده : ” وهذه الأحاديث تقيد النهي المطلق في حديث جابر وتؤيد الزيادة التي تقدمت من تقييد الإطلاق بالإفراد، ويؤخذ من الاستثناء جوازه لمن صام قبله أو بعده أو اتفق وقوعه في أيام له عادة بصومها كمن يصوم أيام البيض أو من له عادة بصوم يوم معين كيوم عرفة فوافق يوم الجمعة، ويؤخذ منه جواز صومه لمن نذر يوم قدوم زيد مثلا أو يوم شفاء فلان”اهـ.
وفي نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، كتاب الصيام، باب صوم التطوع، إفراد يوم الجمعة بالصوم:” ( ويكره ) ( إفراد ) يوم ( الجمعة ) بالصوم ( وإفراد السبت ) أو الأحد بالصوم…. ومحل ما تقرر إذا لم يوافق إفراد كل يوم من الأيام الثلاثة عادة له وإلا كأن كان يصوم يوما ويفطر يوما أو يصوم عاشوراء أو عرفة فوافق يوم صومه فلا كراهة كما في صوم يوم الشك . ذكره في المجموع “اهـ
وفي حاشية تحفة المحتاج في شرح المنهاج،كتاب الصيام، باب صوم التطوع:” ينبغي أن مثل موافقة العادة وما ذكروه معها ما إذا طلب صومه في نفسه كيوم النصف من شعبان فإذا وافق يوم جمعة ينبغي أن لا يكره بل يطلب ويخصص النهي عن صوم الجمعة بالأمر بصوم يوم النصف وقد يقال بين الأمرين المذكورين عموم وخصوص من وجه فإذا خصصنا عموم كل بخصوص الآخر تعارضا في يوم الجمعة إذا وافق يوم النصف فيحتاج للترجيح وقد يرجح المنع ؛ لأنه الاحتياط وقد يرجح خلافه ؛ لأن الأصل في العبادة طلبها وعدم المنع منها . ( قوله إذا وافق عادة ) أي : كأن كان يصوم يوما ويفطر يوما فوافق يوم صومه يوم الجمعة نهاية ومغني وإيعاب . ( قوله أو نذرا إلخ ) وكذا إذا وافق يوما طلب صومه في نفسه كعاشوراء أو عرفة ونصف شعبان نهاية وسم، ( قوله أو قضاء ) أي أو كفارة نهاية وشرح بافضل ( قوله هنا ) أي : في الجمعة ( قوله وفي الفرض ) أي الشامل للقضاء والنذر والكفارة . ( قوله ما يقع فيه ) أي : في يوم الجمعة من نحو موافقة العادة .اهـ.
وفي المغني لابن قدامة، كتاب الصيام، مسألة أيام التشريق منهي عن صيامها، فصل إفراد يوم الجمعة بالصوم:” فصل : ويكره إفراد يوم الجمعة بالصوم، إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه، مثل من يصوم يوما ويفطر يوما فيوافق صومه يوم الجمعة، ومن عادته صوم أول يوم من الشهر، أو آخره، أو يوم نصفه، ونحو ذلك . نص عليه أحمد، في رواية الأثرم . قال : قيل لأبي عبد الله : صيام يوم الجمعة ؟ فذكر حديث النهي أن يفرد ، ثم قال : إلا أن يكون في صيام كان يصومه، وأما أن يفرد فلا . قال : قلت : رجل كان يصوم يوما ويفطر يوما ، فوقع فطره يوم الخميس، وصومه يوم الجمعة، وفطره يوم السبت، فصام الجمعة مفردا ؟ فقال : هذا الآن لم يتعمد صومه خاصة، إنما كره أن يتعمد الجمعة”اهـ .