حدث في مثل هذا الشهر الهجري
رمضان
* في منتصفِ رمضان من السنةِ الثالثةِ من الهجرة النبويةِ الشريفةِ وُلدَ سبطُ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ وريحانتُه، سيدنا الحسنُ بنُ علي رضي اللهُ عنهما، وبه كان والدُه يُكنّى.
كان رضي اللهُ عنهُ شبيهًا بالنبيّ الأعظمِ صلى اللهُ عليه وسلم، سماهُ النبيُّ الحسن، وعقَّ عنهُ يوم سابعه، وحلقَ شعرَه، وأمرَ أن يُتصدقَ بزِنةِ شعرهِ فِضة.
له مناقبٌ كثيرة، إذ كان سيّدًا حليمًا، ذا سكينةٍ ووقار وحشمة، جوَادًا ممدوحًا، يكرهُ الفتنَ، وقد حجّ إلى بيتِ اللهِ الحرامِ خمسًا وعشرينَ حَجةً ماشيًا، وإن الإبلَ لتُقاد معه.
وكان مشهورًا عنهُ أنه يتزوجُ كثيرًا ويطلّق، حتى إنّه يروى أن سيدنا عليًّا رضي اللهُ عنه قال: يا أهل الكوفةِ، لا تزوجوا الحسنَ فإنّه رجل مِطلاقٌ (أي كثيرُ الطلاق) فقال رجلٌ من همدان: واللهِ لنـزوجنَّه، فما رضيَ أمسك، وما كرِه طلَّق (وذلك لبركةِ النسبِ الشريف).
وَلِيَ الحسنُ رضي اللهُ عنهُ الخلافةَ بعد استشهادِ والدهِ الإمامِ عليّ بن أبي طالبٍ وذلك بمبايعةِ أهل الكوفةِ، فأقام فيها ستةَ أشهرٍ وأيامًا ثم تنازلَ عنها لمعاويةَ بن أبي سفيانَ حقنًا لدماءِ المسلمين، إذ قُتلَ الكثيرونَ من جراءِ المعاركِ فيما بينهما. ورُوي عنهُ أنه قال: قد كانت جماجم العربِ في يديَّ يحاربونَ مَنْ حاربتُ ويسالمونَ من سالمتُ، فتركتها ابتغاءَ وجهِ الله وحقنِ دماءِ أمةِ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم.
توفي الحسنُ رضي اللهُ عنهُ بالمدينةِ مسمومًا ودُفن بالبقيعِ إلى جنبِ أمّه السيدةِ فاطمةَ الزهراء رضي اللهُ عنها.
* وفي السابعَ عشرَ من رمضانَ من سنةِ أربعينَ للهجرةِ وُلدَ أبو محمدٍ عليّ بن عبدِ اللهِ بن العباسِ. كان سيدًا شريفًا بليغًا، وكان أجملَ قرشي على وجه الأرضِ في عصره، ومن أكثرِ الناس صلاة، ويقالُ إنه كان له خمسمائةِ شجرة زيتون يصلي كلّ يومٍ عندَ كلّ شجرةٍ ركعتينِ للهِ.
وقد وُلدَ الإمامُ عليّ بن عبدِ اللهِ بن العباسِ رضي اللهُ عنهُ في الليلةِ التي قُتل فيها سيدنا عليّ بن أبي طالبٍ كرم اللهُ وجهَهُ.
وكان رضي اللهُ عنهُ عظيمَ الشأنِ عند أهل الحجازِ، ويومًا قدِمَ إلى الحجّ فعطَّلَت قريشٌ مجالسَها في المسجدِ الحرامِ، وتركتْ مواضعَ حِلَقِها ولزمتْ مجلسَه إعظامًا وتبجيلاً له ولعلمهِ، فإن قعدَ قعدوا وإن نهضَ نهضوا، وإن مشى مشوا جميعًا حوله، ولا يزالونَ هكذا حتى يخرجَ من الحرمِ.
وكان أسمر اللونِ جسيمًا له لحية طويلةٌ، وكان طويلاً، وإذا كافَ كأنما الناسُ حولَه مشاةٌ وهو راكبٌ من طوله، وكان مع هذا الطولِ يصلُ إلى منكبِ أبيهِ عبد اللهِ، وولد للإمامِ عليّ بن عبد اللهِ بن العباسِ نيفٌ وعشرونَ ولدًا ذكرًا، وتوفي رضي اللهُ عنهُ سنة مائةٍ وسبعَ عشرةَ وهو ابنُ ثمانينَ سنة.
* قبل طلوعِ شمس الثامنِ من شهر رمضانَ لسنةِ ثلاثٍ وثمانينَ للهجرةِ وُلدَ الإمامُ جعفرُ بنُ محمدٍ الباقر بن عليّ زين العابدينَ ابن الحسينِ السبط، الهاشميُّ القرشيّ أبو عبد اللهِ الملقّب بالصادق.
كان رضي اللهُ عنهُ من أجِلاّء التابعينَ وله منـزلةٌ رفيعة في العلم. أخذ عنهُ جماعةٌ ومنهم الإمامانِ أبو حنيفةَ ومالكٌ رضي اللهُ عنهما. له أخبارٌ مع الخلفاءِ من بني العباسِ وكانَ جريئًا عليهم صدّاعًا بالحقّ. من أشهرِ أقوالهِ في التنـزيهِ والتوحيدِ: منْ زعمَ أن الله في شىءٍ أو على شىءٍ أو من شىءٍ فقد أشركَ، إذ لو كانَ في شىءٍ لكانَ محصورًا، ولو كانَ على شىءٍ لكانَ محمولاً، ولو كانَ من شىءٍ لكان مُحدَثًا أي مخلوقًا. وسئلَ يومًا لمَ حرَّمَ اللهُ الربا؟ فقال: لئلا يتمانعَ الناسُ المعروف.
وروى أبو نُعيم في الحليةِ أن سيدَنا جعفرًا الصادق قال للإمامِ سُفيانَ الثوري: إذا أنعمَ اللهُ عليكَ بنعمةٍ فأحببتَ بقاءَها ودوامَها فأكثرْ منَ الحمدِ والشكر عليها، فإن اللهَ عزّ وجلّ قال في كتابهِ :{ولئنْ شكرتُم لأزيدنَّكُم} وإذا استبطأتَ الرزقَ فأكثرْ من الاستغفارِ فإن اللهَ تعالى قال في كتابه إخبارًا عن سيدنا نوحٍ :{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (12)} (سورة نوح). يا سفيان، إذا ألمَّ بكَ همّ من ظالمٍ فأكثرْ مِنْ “لا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله” فإنها مِفتاحُ الفرجِ وكنـزٌ من كنوزِ الجنَّةِ.
* وفي شهر رمضانَ من سنةِ مائتينِ واثنتين وثمانينَ للهجرةِ المباركةِ توفي الزاهدُ العابدُ الإمامُ عبدُ اللهِ بنُ المباركِ الذي جمعَ بين العلمِ والزهد، تفقَّهَ على سفيان الثوريّ ومالكِ بن أنسٍ رضي اللهُ عنهما، وكان كثيرَ الانقطاعِ محبًّا للخلوة، شديدَ التورعِ وكذلك كان أبوه.
ويُحكى عن أبيهِ أنه كان يعمل في بستانٍ لمولاه وأقامَ فيه زمانًا، ثم إنَّ مولاهُ جاءَه يومًا وقال له: أريدُ رُمانًا حُلوًا، فمضى إلى بعضِ الشجرِ وأحضر منه رُمَّانًا فكسرَه فوجدَه حامضًا، فغضبَ وقال: أطلب الحلوَ فتحضرُ لي الحامض، هات حلوًا، فمضى وقطعَ من شجرةٍ أخرى، فلما كسرَه وجدَه أيضًا حامضًا فاشتدّ غضبه، وفعل كذلك مرةً ثالثة، فقال له بعد ذلك: أنت ما تعرفُ الحلوَ من الحامض؟ فقال: لا، فقال: كيف ذلك؟ قال: لأنني ما أكلتُ منه شيئًا حتى أعرفَه، فقال: ولمَ لمْ تأكل؟ قال: لأنّك ما أذِنتَ لي، فكشفَ عن ذلك َفوجدَ قولَه حقًّا، فعظُم في عينه وزوجه ابنتَه، ويقال إن عبدَ اللهِ وُلد له من تلك الابنةِ فتمّت عليه بركةُ أبيهِ، وقيل إن هذه القصةَ منسوبةٌ إلى سيدنا إبراهيم بن أدهمَ العبدِ الصالح.
كان مولدهُ رضي اللهُ عنه “بمرو” سنة مائةٍ وثماني عشرة للهجرةِ ودفن “بهِيت” وهي مدينة على الفراتِ فوقَ الأنبار.
* في شهر رمضانَ من عام مائتينِ وسبعةٍ وخمسينَ للهجرةِ توفي بمصرَ الفقيهُ المالكيّ المصريُّ عبد اللهِ بن عبدِ الحكَم، وأفضتْ إليه رئاسةُ المالكيةِ بعد أشهب، وروى عن مالكٍ الموطأ سمَاعًا، وروى بشرُ بنُ بكرٍ قال: رأيتُ مالكَ بنَ أنسٍ في النومِ بعدما ماتَ بأيامٍ، فقال: إنَّ ببلدِكُم رجلاً يقال له ابنُ عبدِ الحكم فخذوا عنهُ فإنّه ثقة.
دُفن بعد موتهِ إلى جانب قبرِ الإمام الشافعيّ رضي اللهُ عنهُ مما يلي القبلة، وهو الأوسط من القبور الثلاثة.
* في الثالثِ والعشرينَ من شهرِ رمضانَ لعام مائتين وعشرين للهجرةِ وُلدَ الأمير أحمدُ بنُ طولونَ صاحبُ الديارِ المصريةِ والشامية والثغور، كان عادلاً جوَادًا شجاعًا متواضعًا حسنَ السيرةِ، صادقَ الفراسة، ويَعْمُرُ البلادَ ويتفقّدُ أحوال الرعية، ويحبُّ أهل العلم، وكانت له مائدةٌ يحضُرها كلَّ يومٍ الخاصُّ والعام، وكان له ألفُ دينارٍ في كلّ شهرٍ للصدقةِ.
وكان رحمهُ اللهُ يحفظُ القرءانَ الكريم وكان حسنَ الصوتِ، وكان من أدرسِ الناسِ للقرءانِ الكريمِ، وبنى الجامعَ المنسوبَ إليهِ وأنفقَ على عمارتِه مائةً وعشرين ألف دينار.
توفي في ليلة الأحدِ لعشرٍ بقينَ من ذي القَعدةِ سنةَ مائتينِ وسبعينَ بعلّةِ الإسهال، رحمه الله.
* وفي رمضانَ من سنة مائتينِ وسبعٍ وعشرين للهجرةِ وقيل في غير هذا الشهرِ توفّي الزاهدُ العابدُ أبو نصرٍ بشرٌ الحافي رحمه الله. أسلمَ على يدِ سيدنا عليّ بنِ أبي طالبٍ رضي اللهُ عنه، وسيدنا بشرٌ أحدُ رجالِ الطريقةِ السالكينَ مسلكَ الصوفية، كان من كبارِ الصالحين، وأعيانِ الأتقياءِ الورعين.
وسببُ توبتهِ أنهُ أصابَ في الطريقِ يومًا ورقةً وفيها اسمُ اللهِ تعالى مكتوب، وقد وطِئتْها الأقدامُ، فأخذها واشترى بدرهمٍ كان معه عطرَ الغاليةِ فطيَّبَ بها الورقةَ وجعلها في شقّ حائطٍ، فرأى في النومِ كأنّ قائلاً يقول له: يا بشرُ طيّبتَ اسمَ اللهِ في الأرضِ ليُطيبنَّ اللهُ اسمكَ في الدنيا والآخرة، فلما قام من نومهِ تابَ إلى الله.
من أقوالهِ رضي اللهُ عنهُ: عقوبةُ العالم في الدنيا أن يُعمى بصرُ قلبِه، وقال: من طلبَ الدنيا فليتهيَّأ للذلّ.
توفّي ودُفن ببغدادَ رحمه اللهُ وأمدّنا بأمداده ونفعنا ببركاتهِ.
*وفي السادسِ من شهرِ رمضانَ من عامِ مائتينِ وسبعةٍ وخمسينَ للهجرةِ توفّي أحدُ رجالِ الطريقةِ وأصحابِ الحقيقةِ الإمامُ الزاهدُ أبو الحسن سريٌّ السَّقَطي رحمهُ اللهُ، كان أوحدَ زمانِه في الورع وعلومِ التوحيد، وهو خال أبي القاسمِ الجنيد البغدادي وأستاذُه، وكان تلميذَ معروفٍ الكرخي رضي اللهُ عنه، دفن عند موته ببغداد وقبرُه ظاهرٌ معروفٌ وإلى جنبه قبرُ الجنيد رضي اللهُ عنهما.
* في الثاني والعشرين من شهر رمضانَ من سنةِ ثلاثمائةٍ وأربعٍ وخمسينَ للهجرةِ توفّي الشاعرُ المشهورُ أبو الطيّب أحمدُ بنُ الحسينِ الكِنديُّ الكوفيُّ المعروف بالمتنبّي، ولد بالكوفةِ في محلةٍ تسمّى كِندة وإليها نسبتُه، وليس هو من كِندةَ التي هي قبيلة، ونشأ بالشامِ ثم تنقّل في الباديةِ يطلبُ الأدبَ وعلمَ العربيةِ وأيامَ الناس، وقال الشعرَ صبيًّا، وقد ادعّى النبوةَ في باديةِ السمَاوةِ بين الكوفةِ والشام فكفرَ بهذه الدعوى وتبعه الكثيرون، وقبل أن يستفحل أمرُه خرجَ إليه لؤلؤ أميرُ حمص ونائب الإخشيدِ فأسرَه وسجنَه حتى تراجعَ عن كفرِه وتابَ إلى اللهِ وعاد عن دعواهُ الباطلة وبقي الاسم عليه فلذلكَ شُهر بالمتنبي.
* وفي شهر رمضانَ من سنة خمسمائةٍ وأربعٍ وأربعينَ للهجرةِ توفي القاضي أبو الفضل المعروفُ بالقاضي عياض بن موسى اليحصبيّ السَّبتيّ، وهو عالمُ المغربِ وإمامُ أهلِ الحديثِ في وقتهِ، كان من أعلمِ الناسِ بكلامِ العربِ وأنسابِهم وأيامهم، وكان عالمًا بالتفسيرِ فقيهًا أصوليًّا عالمًا بالنحوِ واللغةِ، بصيرًا بالأحكام، عاقدًا للشروط، حافظًا لمذهبِ مالكٍ رحمه الله، وكان شاعرًا وخطيبًا بليغًا، صبورًا حليمًا، جميلَ العِشرة، جوادًا سمْحًا كثيرَ الصدقة، دؤوبًا على العمل، شديدًا في الحقّ. ولي قضاء سبْتة، وفيها مولدُه ثم ولي قضاءَ غرناطة، وله الكثير من التصانيف منها “كمال المعلّم في شرح صحيح مسلم” و”كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم” و”ترتيبُ المدارك وتقريب المسالك في معرفة أعلام مذهب الإمام مالك”، وله “مشارق الأنوار” و”الإلماعُ إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع”.
توفّي بمراكش رحمه الله ودُفن بباب إيلان داخل المدينة.
* في يومِ عيد الفِطر من سنةِ ستمائةٍ وستٍ للهجرةِ وبعد انتهاءِ شهر رمضانَ المبارك توفّي الفقيه الشافعيّ فريدُ عصرِه الإمامُ فخرُ الدينِ محمدُ بن عمر بن الحسين الرازيّ رحمه اللهُ.
فاق أهلَ زمانِه في علم الكلامِ والمعقولاتِ وعلمِ الأوائل، له التصانيف المفيدةُ في فنونٍ عديدةٍ منها تفسيرُ القرءانِ الكريمِ. ومن تصانيفه “البيانُ والبرهان في الردّ على أهل الزيغِ والطّغيان” وكتاب “تهذيب الدلائل وعيونُ المسائل”، وصنَّف في علمِ الفِراسة، وله مصنَّفٌ في مناقبِ الإمام الشافعيّ، وقد انتشرتْ تصانيفُه في البلادِ. وكان لهُ في الوعظِ اليدُ البيضاءُ، ويعظُ باللسانينِ العربيّ والعجمي، وكان يلحقُه الوجدُ في حالِ الوعظِ ويُكثرُ البكاءَ، وكان يحضُر مجلسَه بمدينةِ “هَراة” أصحابُ المذاهبِ والمقالاتِ ويسألونَهُ وهُو يُجيبُ كلَّ سائلٍ بأحسنِ إجابة، ورجَع بسببهِ خلقٌ كثيرٌ من أهلِ البدعِ وغيرِهم إلى مذهبِ أهلِ الحقّ.
كانت ولادةُ الإمامِ فخرِ الدينِ الرازيّ في الخامسِ والعشرينَ من شهرِ رمضانَ سنة خمسمائةٍ وثلاثٍ وأربعينَ للهجرةِ، وكما أوردنا سابقًا فقد توفّي في عيدِ الفطر سنةَ ستمائةٍ وستّ بمدينة هراةَ ودُفنَ ءاخر النهار، وله وصيةٌ أملاها في مرضِ وفاتِه على أحدِ تلامذتِه تدلُّ على حُسن العقيدةِ.
* وفي الخامس والعشرينَ من شهرِ رمضانَ من عامِ خمسمائةٍ وثمانيةَ عشرَ للهجرةِ توفّيَ أبو الفضلِ أحمدُ بنُ محمدٍ الميدانيُّ رحمهُ اللهُ، كان عارفًا باللغةِ وأمثالِ العرب. مات ودفنَ بنيسابورَ على بابِ “مَيدان زياد”.
* وفي التاسعَ عشرَ من شهرِ رمضانَ سنةَ خمسمائةٍ وسبعٍ وثمانينَ للهجرةِ توفّي الملكُ تقيُّ الدينِ أبو سعيدٍ عُمرُ بنُ نورِ الدولةِ بن أيوبَ صاحبُ حماه، وهو ابنُ أخي السلطان صلاح الدين رحمهُ اللهُ. كان شجاعًا مقدامًا منصورًا في الحروب، مؤيدًا في الوقائع، وله في أبوابِ البِرّ حسناتٌ كثيرةٌ، وكان كثيرَ الإحسانِ إلى العلماءِ والفقراءِ. ماتَ تقيُّ الدينِ ودُفن بحماه رحمهُ اللهُ تعالى.
* وفي الرابعَ عشرَ من شهرِ رمضانَ المبارك سنةَ ستمائةٍ وثلاثينَ للهجرةِ توفّي الملكُ المعظّمُ مظفَّرُ الدينِ كوكبري بنُ أبي الحسنِ صاحبُ إربل. كان رحمهُ اللهُ كريمَ الأخلاقِ، كثيرَ التواضع، محبًّا للعلماءِ والفقهاءِ. ومن أشهرِ إنجازاتِه احتفالُه بالمولدِ النبويّ الشريفِ حيثُ لم يسبقْهُ أحدٌ إليهِ، وأجازَه على فعلِه العلماءُ والفقهاءُ والحُفَّاظ.
ولما توفّي رحمهُ اللهُ حُمل بوصيةٍ منهُ إلى مكَّةَ شرفَّها اللهُ تعالى، وكان قد أُعد لهُ بها قبّة تحتَ الجبلِ في ذيلِه يُدفن فيها، فلما توجَّه الركبُ إلى الحجازِ اتفقَ مع رجوعِ الحاجّ تلك السنةِ وعدم تمكّنهم من الوصول لفتنةِ قطَّاعِ الطرقِ فلم يصلوا به إلى مكَّةَ، فردُّوهُ ودفنوهُ بالكوفةِ.