جَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ
نسبه
جَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ حَرَامٍ، السَّلَمِيُّ الإِمَامُ الكَبِيْرُ، المُجْتَهِدُ، الحَافِظُ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، المَدَنِيُّ، الفَقِيْهُ، مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ، وَكَانَ آخِرَ مَنْ شَهِدَ لَيْلَةَ العَقَبَةِ الثَّانِيَةِ مَوْتًا.
رواياته للحديث
رَوَى عِلْمًا كَثِيْرًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ، وَمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وَالزُّبَيْرِ، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُسَيَّبِ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَالحَسَنُ البِصْرِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ، وَمُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَخَلْقٌ. وَكَانَ مُفْتِي المَدِيْنَةِ فِي زَمَانِهِ.
(مُسْنَدُهُ): بَلَغَ أَلْفًا وَخَمْسَ مائَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ حَدِيْثًا.
اتَّفَقَ لَهُ الشَّيْخَانِ: عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَخَمْسِيْنَ حَدِيْثًا، وَانْفَرَدَ لَهُ البُخَارِيُّ: بِسِتَّةٍ وَعِشْرِيْنَ حَدِيْثًا، وَمُسْلِمٌ: بِمائَةٍ وَسِتَّةٍ وَعِشْرِيْنَ حَدِيْثًا.
مشاهده مع رسول الله
شَهِدَ لَيْلَةَ العَقَبَةِ مَعَ وَالِدِهِ، وَكَانَ وَالِدُهُ مِنَ النُّقَبَاءِ البَدْرِيِّيْنَ، اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَقَدِ انْكَشَفَ عَنْهُ قَبْرُهُ إِذْ أَجْرَى مُعَاوِيَةُ عَيْنًا عِنْدَ قُبُوْرِ شُهَدَاءِ أُحُدٍ، فَبَادَرَ جَابِرٌ إِلَى أَبِيْهِ بَعْدَ دَهْرٍ، فَوَجَدَهُ طَرِيًّا لَمْ يَبْلُ.
وعَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
غَزَوْتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّ عَشْرَةَ غَزْوَةٍ، لَمْ أَقْدِرْ أَنْ أَغْزُوَ حَتَّى قُتِلَ أَبِي بِأُحُدٍ، كَانَ يُخَلِّفُنِي عَلَى أَخَوَاتِي، وَكُنَّ تِسْعًا، فَكَانَ أَوَّلَ مَا غَزَوْتُ مَعَهُ حَمْرَاءُ الأَسَدِ.
وَكَانَ جَابِرٌ قَدْ أَطَاعَ أَبَاهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَقَعَدَ لأَجْلِ أَخَوَاتِهِ، ثُمَّ شَهِدَ الخَنْدَقَ وَبَيْعَةَ الشَّجَرَةِ، وَشَاخَ، وَذَهَبَ بَصَرُهُ، وَقَارَبَ التِّسْعِيْنَ.
وَقَدْ وَرَدَ: أَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا.
قِيْلَ: إِنَّهُ عَاشَ أَرْبَعًا وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، فَعَلَى هَذَا، كَانَ عُمُرُهُ يَوْمَ بَدْرٍ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنْتُ فِي جَيْشِ خَالِدٍ فِي حِصَارِ دِمَشْقَ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: شَهِدَ جَابِرٌ العَقَبَةَ مَعَ السَّبْعِيْنَ، وَكَانَ أَصْغَرَهُم.
وَقَالَ جَابِرٌ: قَالَ لَنَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ: (أَنْتُمُ اليَوْمَ خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ). وَكُنَّا أَلْفًا وَأَرْبَعَ مائَةٍ.
وروى البخاري في الصحيح في: باب صَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضُوءَهُ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ:جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي وَأَنَا مَرِيضٌ لا أَعْقِلُ، فَتَوَضَّأَ، وَصَبَّ عَلَيَّ مِنْ وَضُوئِهِ، فَعَقَلْتُ.
بعض مروياته عن رسول الله:
ما رواه البخاري وغيره عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَالسُّورَةِ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ: إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ، قَالَ وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ.
وأخرج البيهقي عن مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قال: رأيت جابرًا وهو يبكي عند قبر رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقولُ: ههنا تسكب العبرات، سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:”ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة”.
رحلته الطويلة في طلب حديث واحد
قال الإمامُ البخاريُّ في الصحيحِ في باب الْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ: وَرَحَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ.
وهو حديثٌ أخرجَهُ البخاريُّ في الأدبِ المفردِ وأحمدُ وأبو يَعْلَى في مُسنديهما من طريقِ عبدِ الله بنِ محمد بنِ عقيل أنه سمع جابرَ بنَ عبدِ الله يقول: بلغني عن رجلٍ حديثًا سَمِعَه منْ رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاشتريتُ بعيرًا ثم شَدَدْتُ رَحلِي فَسِرْتُ إليه شهرًا، فإذا عَبْد اللَّهِ بْن أُنَيْسٍ، فقلت للبواب: قلْ لَهُ جابرٌ على البابِ.
فقال: ابنُ عبدِ اللهِ؟ قلتُ: نَعَمْ. فَخَرَجَ فاعْتَنَقَني. فقلْتُ: حديثٌ بلغني عنكَ أنَّكَ سمعتَه مِنْ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخشيتُ أنْ أموتَ قبلَ أنْ أسمعَهُ. فأخبَرَهُ الحديثَ.
قالَ العلماءُ: وفي حديثِ جابرٍِِ دليلٌ على طلبِ عُلُوِّ الإسنادِ، لأنَّهُ بلغه الحديث عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ فلم يقنعه حتى رَحَلَ فأخذَهُ عَنْه بِلا واسِطَة.
وفاته
كَانَ جابر آخِرَ مَنْ شَهِدَ العَقَبَةَ مَوْتًا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. قَالَ الوَاقِدِيُّ وَطَائِفَةٌ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، وَرَأَيْتُ عَلَى سَرِيْرِهِ بُرْدًا.
وَصَلَّى عَلَيْهِ: أَبَانُ بنُ عُثْمَانَ، وَهُوَ وَالِي المَدِيْنَةِ.
رضي الله عنه وأرضاه.