تَفْسِيرُ الآيَةِ: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)﴾ سورة طه
يَجِبُ أن يكونَ تفسيرُ هذه الآية بغيرِ الاستِقْرارِ والجلُوسِ ونحوِ ذلكَ ويَكْفُر منْ يعتَقِدُ ذَلِكَ، فَيَجِبُ تَركُ الحَمْلِ علَى الظّاهِر بَلْ يُحمَلُ على مَحْمِلٍ مُسْتَقِيمٍ في العُقُولِ فتُحمَلُ لفْظَةُ الاسْتِواءِ علَى القَهْرِ ففي لُغَةِ العَرَبِ يُقَالُ اسْتَوى فُلانٌ على الممَالِكِ إذَا احْتَوَى علَى مَقَالِيدِ الملْكِ واسْتَعْلَى علَى الرّقَابِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ: (الرجز)
قَد اسْتَوَى بِشْرٌ علَى العِراقِ مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ ودَمٍ مُهْراقِ
وفَائِدَةُ تَخْصِيص العَرْشِ بالذّكْرِ أنَّهُ أعْظَمُ مَخلُوقَاتِ الله تَعَالى حجمًا فيُعْلَمُ شُمُولُ ما دُوْنَه مِنْ بَابِ الأَوْلَى.
قَالَ الإمَامُ عَلِيٌّ: “إنَّ الله تَعَالى خَلَقَ العَرْشَ إِظْهَارًا لقُدْرَتِهِ، ولمْ يَتّخِذْهُ مَكَانًا لِذَاتِهِ“، رواهُ الإمامُ المحدثُ الفقيهُ اللغويُّ أبو منصورٍ التميميُّ في كتابهِ الفرق بين الفرق (ص/333)، أَوْ يُقَالُ اسْتَوَى اسْتِوَاءً يَعْلَمُهُ هُوَ مَع تَنزِيْهِهِ عن اسْتِواءِ المخْلُوقِيْنَ كَالجُلوسِ والاسْتِقرارِ.
واعْلَم أَنَّه يَجِبُ الحَذَرُ مِنْ هؤلاءِ الذينَ يُجِيزُوْنَ علَى الله القُعُودَ علَى العَرْشِ والاسْتِقْرارَ عليه مُفَسّرينَ لِقَوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ بالجُلُوسِ أو المحاذاةِ من فوق، ومُدَّعِينَ أَنَّه لا يُعْقَلُ مَوْجُودٌ إلا في مَكَانٍ، وحُجَّتُهم دَاحِضَةٌ، ومُدَّعِيْنَ أيضًا أنَّ قَوْلَ السَّلَفِ اسْتَوى بلا كَيْفٍ مُوافِقٌ لذَلِكَ وَلم يَدْرُوا أنَّ الكَيْفَ الذي نَفاهُ السَّلَفُ هُوَ الجُلُوسُ والاسْتِقْرارُ والتّحَيُّزُ في المَكَانِ والمُحَاذاةُ وكلُّ الهيئاتِ من حركةٍ وسكونٍ وانتقالٍ.