الحمدُ لله مكون الأكوان، الموجود أزلا وأبدًا بلا كيف ولا مكان، الذي بعثَ نبيّه محمّدًا شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى اللهِ بإذنه وسراجًا منيرًا، وأمرَهُ أن يُبَشِّرَ المؤمنينَ بأنَّ لهم منَ اللهِ فضلاً كبيرًا وأيَّدَ نبيَّهُ بالمعجزاتِ القاطعاتِ الدالة على نبوته وجعلَهُ خاتمًا للأنبياءِ فانقطعتُ بهِ النُّبُوَّة وبقيت المبشرات. والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ مَنْ بَشَّرَ المؤمنينَ بالجنَّاتِ وأخبرهُم بالبشائرِ والآياتِ وتلا ممَّا تلا قوله تعالى
* بَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * (سورة البقرة ءاية 25 ) .
أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ، فإني أوصيِكُم وأُوصِي نفسِي بتقوى اللهِ الَّذي وَعَدَ المؤمنينَ فقالَ * إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * ( سورة الانفطار 13 ).
إخوةَ الإيمانِ، لقد صدَقَ اللهُ وَعدَهُ وبالحقِّ أنطَقَ نبيَّهُ وعبدَهُ.
فكلُّ ما أَتَى بهِ الرَّسولُ فَحَقُّهُ التسليمُ والقبولُ
ومن شأن المؤمن التصديق والتسليم بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يكون توَّاقًا لدخولِ الجنَّةِ خائفًا مِن عذاب الله فيدفعُهُ الشوقُ والخوفُ والقلقُ للاستعدادِ ليومِ المعادِ وللرحيل عن الدنيا للآخرةِ بخير زادٍ، وقد بشّر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلَّم أناسًا بالعموم كمَا في قوله { مَنْ قالَ رضيتُ باللهِ رَبًّا وبالاسلامِ دينًا وبِمحمَّدٍ نبيًّا أنا الزعيمُ يومَ القيامةِ لآخُذّنَّ بيدهِ حتى أُدخِلَهُ الجنَّة } فيا فوز من داوم على قول هذه الكلمة بعد الصبح كل يوم.
كما بشَّرَ بعض الناس بخصوصهم فأخبرَ صلَّى الله عليهِ وسلَّم أنَّ أبا بكرٍ في الجنَّةِ وأنَّ عمر في الجنَّة وأنَّ عثمان في الجنَّة وأن عليًّا في الجنَّة وأن طلحة في الجنَّة وأن الزبير في الجنَّة وأن سعدًا في الجنَّة وأن سعيدًا في الجنَة وأن عبدَ الرحمنِ بنَ عوف في الجنَّة وأن أبا عبيدةَ في الجنَّة.
وجاءَ عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنَّة، وأن الجنَّة تشتاقُ لعليٍّ وعمار وبلال، وانَّ جعفرًا الطيَّار لَمَّا قُطِعَت يداهُ في غزوةِ مؤتة أَبدَلَهُ اللهُ بهما جنَاحَيْنِ يطيرُ بهما في الجنَّة.
فإنْ قال قائِلٌ أولئكَ قومٌ رضيَ الله عنهُم ورَضُوا عنه ولقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعوا كلامه وبشرهم بلسانه فسَعِدوا بما بشَّرَهُم به فهل من بُشرى لنا وبيننا وبينَ رسول الله مئات السنين؟
فالجواب أيها الأحبة ماقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لاينطق عن الهوى:
{ ذَهَبَتِ النُّبُوَةُ وبَقِيَتِ المبشِّرات، قيل وما المبشِّراتُ يارسولَ الله؟قال: الرؤيا الصالحة يراها المؤمنُ أو تُرى له }.
ومن هذه المبشِّرات بل من أعظمها معشرَ الحضور أنَّ مَن رأى النَّبيَّ المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم في المنام كان هذا بشارةٌ له بالوفاة على الإيمان، فالرَّسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم بَشَّرَ مَن رءاهُ في المنامِ بدخولِ الجِنانِ فقال { مَنْ رَءاني في المنامِ فسَيَراني في اليقظة } رواه البخاريُّ.
وليس المراد بذلك أن يراه في الآخرة فإن المؤمِن الذي رءاه في المنام والذي لم يره في المنام يراه في الآخرة فلا يكون هناك مزية لمن رأى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلم في الدنيا في المنام، إنما معنى الحديث أنه لا بد أن يراه في اليقظة، وليس معنى ذلك أن النّبيَّ يحضر عنده إنما يرى النَّبيَّ وهو في قبره صلى الله عليه وسلَّم بقدرة الله تعالى القادر على كل شىء فإنَّ الله تعالى قادر على أن يجعل مابين الرائي وبين النَّبيّ صلى الله عليه وسلَّم كالزجاج فيراه وهو في قبره الشريف كأنه أمامه وفي ذلك بشرى عظيمة للرائي.
إخوةَ الإيمان، لقد وردَ بالإسنادِ المتَّصِلِ أنَّ رجلاً كان في عصر السلفِ أي بعد نحو مائة وخمسين سنة من وفاة الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم ويسمَّى الحسن بنَ حيِّ هذا كان من العلماءِ العاملينَ من أهلِ الحديثِ الأتقياءِ وله أخٌ مثله، فلما كان الحسن بن حيِّ على فراش الموت سَمِعَهُ أخوهُ يقرأُ قولَهُ تعالى
* وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا * ( سورة النساء ءاية 69). فلمَّا سمِعَهُ يتلو ءالاية قال له:” يا أخي تقرأ هذا من باب التلاوة أم ماذا؟ قال بل أرى رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يضحك لي ويُبَشِّرني بالجنَّة وأرى الملائكة وأرى الحورَ العين .”
أحبابنا الكرام، فإنْ قالَ قائلٌ وكيف لي أن أعرفَ أنَّ الَّذي رأيتُهُ في المنام هو سيِّدنا محمَّد صلّى الله عليه وسلَّم؟ فالجواب أنه يقع في قلبك وتطمئِنُّ نفسك أنَّ هذا هو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
وإنْ قال ما أوصافه الخِلْقِيَّة حتىّ أعرفه بها؟ فالجواب أنه صلَّى الله عليه وسلَّم كامل في ذاته مكمَّل في أوصافهِ جميل الصورة، مربوع القامة ليس بالطَّويل الذاهب ولا بالقصير، عظيم الرأس، بعيد مابين المنكبين، سواء البطن والصدر، مشرق الوجه، كأنَّه البدر ليلة التمام، أجلى الجبهة، قمريّ الجبين واسعه، كحيل الطرف، أهدب العينين، حاجباه يكادان أن يتصلا من غير اتصال، أبيض اللون مُشْرَبٌ بالحمرة، واسع الفم، جميل الابتسام، مفلَّج الأسنان أي أسنانه لا يركب بعضها بعضا بل بين السنّ والسنّ فُرجة، كثيف اللحية أسود الشعر ليس فيه شيب إلا بضع شعرات، قالت السيِّدةُ عائشة في وصفه:
وأجمل منكَ لم ترَ قطُّ عينٌ وأجمل منكَ لم تلِد النِّساءُ
خُلِقْت مبرَّءًا من كلِّ عيبٍ كأنَّكَ قد خُلِقْتِ كما تشاءُ
فمن رءاه في المنام على صورته التي هي صورته فقد ثبتت له البشرى الواردة في الحديث ومن رءاه على غير هذه الصورة ولكن وقع في قلبه في المنام أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأغلب العلماء على أن البشرى ثبتت له أيضًا.
اللهّم ارزقنا رؤيته صلّى الله عليه وسلّم في المنام على صورته التي هي صورته وارزقنا رؤيته يقظة قبل الموت بمنِّكَ وكَرمِكَ يا أكرم الأكرمين.
هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية.
الحمد لله ذي الصفات العليّة وأصلي وأسلم على نبيّ الهدى الموصوف بالأفضلية، عباد الله اتقوا الله الذي بعث محمدًا رحمة للعالمين وجعل رؤيته في المنام بشرى للرائين.
أما بعد عباد الله، يقول الله تعالى * وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ {الرُّوم:23}
يا أحباب رسول الله، قد يسئل محب متلهف تواق لرؤية المصطفى في المنام ما السبيل إلى رؤيته صلى الله عليه وسلم؟
والجواب أن من أسباب الرؤيا الصالحة أن يشتغل المرء بالذكر حتى النوم وأن ينام على طهارة كاملة مستقبلاً القبلة وأن يعلق قلبه برسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يكثر من الصلاة على رسول الله ليلاً ونهارًا، ومن الصيغ المجربة في ذلك ما رواه أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { من سرّه أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل اللهمَّ صلِ على محمَّد النَّبيِّ وأزواجِهِ أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على ءال إبراهيم إنك حميد مجيد }.
فردّدوا أيها الأحبة هذه الصيغة مائة مرة فأكثر في كل يوم عسى أن تحظوا برؤيته صلى الله عليه وسلم فكم من شخص فعل هذا فنال هذه النعمة العظيمة.
واعلَموا أنَّ الله أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاة والسلام على نبيِّهِ الكريم فقال * إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا *(سورة الأحزاب ءاية 56) اللهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى* يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ * (سورة الحج ءاية 1 – 2 ).
اللهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفِرِ اللهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ، ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسنَةٌ وفي الآخِرَةِ حسنةٌ وقِنا عذابَ النارِ، اللهُمَّ اجعلْنا هُداة مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّف.
عبادَ الله * إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * اذكُروا الله العظيم يُثبكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتَّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجا. وَأَقِمِ الصلاةَ.