العارف بالله السرّي السقطي رضي الله عنه
نسبه ومولده
هو الإمام الهمام المعروف بطبيب الغذاء وتصفية القلوب، السَّرِيُّ بنُ الـمُغَلِّسِ السَّقَطِيُّ الإِمَامُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو الحَسَنِ البَغْدَادِيُّ خالُ الجنيد وأستاذه، وهو تلميذ معروف الكرخي.
كان وحيدَ زمانه وفريدَ دهره في الورع وأحوال السنة وعلوم التوحيد.
وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ السِّتِّيْنَ وَمائَةٍ.
حَدَّثَ عَنِ: الفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ وَغَيْره، وَاشتَغَلَ بِالعِبَادَةِ، وَصَحِبَ مَعْرُوْفًا الكَرْخِيَّ، وَهُوَ أَجَلُّ أَصْحَابِهِ.
رَوَى عَنْهُ: الجُنَيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَالنُّورِيُّ أَبُو الحُسَيْنِ، وَأَبُو العَبَّاسِ بنُ مَسْرُوْقٍ، وغيرهم.
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: كَانَ السَّرِيُّ أَوَّلَ مَنْ أَظهَرَ بِبَغْدَادَ لِسَانَ التَّوْحِيْدِ، وَتَكَلَّمَ فِي عُلُوْمِ الحَقَائِقِ، وَهُوَ إِمَامُ البَغْدَادِيِّيْنَ فِي الإِشَارَاتِ.
من حكمه ومواعظه
قَالَ الجُنَيْدُ: سَمِعْتُ سَرِيًّا يَقُوْلُ: أَشْتَهِي مُنْذُ ثَلاَثِيْنَ جَزَرَةً أَغمِسُهَا فِي دِبْسٍ وَآكُلُهَا، فَمَا يَصِحُّ لِي.
قَالَ الجُنَيْد: مَا رَأَيْتُ أَعْبَدَ للهِ مِنَ السَّرِيِّ، أَتَتْ عَلَيْهِ ثَمَانٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً مَا رُئِيَ مُضْطَجِعًا إِلاَّ فِي عِلَّةِ المَوْتِ.
قَالَ الجُنَيْدُ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: إِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى أَنْفِي كُلَّ يَوْمٍ مَخَافَةَ أَنْ يَكُوْنَ وَجْهِيَ قَدِ اسْوَدَّ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَمُوتَ حَيْثُ أُعْرَفُ، أَخَافُ أَنْ لاَ تَقْبَلَنِي الأَرْضُ، فَأَفْتَضِح.
قال أبو العباس بن مسروق: بلغني أن السري كان يتجر في السوق وهو من أصحاب معروف الكرخي؛ فجاء معروف يومًا ومعه صبي يتيم؛ فقال له: اكْسُ هذا اليتيم، قال السري: فكسوته، ففرح به معروف وقال: بغّضَ الله إليك الدنيا، وأراحك مما أنت فيه. فقمت من الحانوت وليس شىءٌ أبغض إليّ من الدنيا، وكل ما أنا فيه من بركات معروف.
وقال: لو أشفقت هذه النفوس على أبدانها شفقتها على أولادها للاقت السرور في معادها.
وقال: المغبون من فنيت أيامه بالتسويف.
وقال: التوكل الانخلاع عن الحول والقوة.
وقال أربع خصال ترفع العبد: العلم والأدب والعفة والأمانة.
وقال: من استعمل التسويف طالت حسرته يوم القيامة.
وقال أبو بكر العطشي للسري السقطي: ماذا أراد أهل الجوع بالجوع، فقال: ماذا أراد أهل الشبع بالشبع، إن الجوع أورثهم الحِكم، وإن الشبع أورثهم الغم.
قال رجل لسرى السقطي كيف أنت فأنشأ يقول:
من لم يبت والحب حشو فؤاده لم يدر كيف تفتت الأكباد
وقال: من لم يعرف قدر النعم سُلبها من حيث لا يعلم، ومن هانت عليه المصائب أحرز ثوابها.
وقال أحسن الأشياء خمسة: البكاء على الذنوب، وإصلاح العيوب، وطاعة علام الغيوب،وجلاء الرين عن القلوب، وأن لا تكون لما تهوى ركوب.
وفاته
تُوُفِّيَ: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحدَى وَخَمْسِيْنَ. وَقِيْلَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ.
دفن بعد العصر وكان دفنه في مقبرة الشونيزية وقبره ظاهر معروف والى جنبه قبر الجنيد رضي الله عنهما وجمعنا معهما تحت لواء المصطفى عليه الصلاة والسلام.