Thu, 19th Sep, 2024 /
16 Rabīal-Awwal, 1446
الخميس ١٩ , سبتمبر , ٢٠٢٤ / 16 رَبِيع ٱلْأَوَّل , 1446

الصَّبْرُ وَالتَّرَاحُمُ

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا مَثيْلَ وَلَا ضَدَّ وَلَا نِدَّ لَهُ، كَوَّنَ الْأَكْوَانَ وَدَبَّرَ الزَّمَانَ فَهُوَ الْمَوْجُودُ أَزَلًا وَأَبَدًا بِلَا كَيْفٍ وَلَا مَكَانٍ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَنَبِيُّهُ وَحَبِيبُهُ وَخَلِيلُهُ، أَدَّى الْأَمَانَةَ وَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَنَصَحَ الْأُمَّةَ وَجَاهَدَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، فَجَزَاهُ اللَّهُ عَنَّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَائِهِ عَنْ أُمَّتِهِ، اللَّهُمَّ فَصَّلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ وَأَنْعِمْ وَأَعْظِمْ وَأَكْرِمْ عَلَى هَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيمِ الْحَلِيمِ الْعَظِيمِ وَعَلَى ءَالِهِ وَأَصْحَابِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ فَيَقُولُ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالى:” وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ”.

عِبَادَ اللَّهِ أُوْصِي نَفْسِي وَأَوْصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَالثَّبَاتِ عَلَى نَهْجِ رَسُولِهِ الْكَرِيمِ وَخُلُقِ النَّبِيِّ الْحَمِيدِ، فَإِنَّ أَحْسَنَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ أَيْ سِيرَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَطُوبَى لِمَنْ كَانَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الصَّابِرِينَ عَلَى الْبَلَاءِ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَفِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي كُلِّ حَالٍ، فِي كُلِّ أَوَانٍ وَلَمْحَةٍ وَنَفَسٍ، كَمَا أَنَّنِي أُذَكِّرُ نَفْسِي وَأُذَكِّرُكُمْ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي حَضَّنَا فِيهِ عَلَى التَّرَاحُمِ وَالتَّعَاضُدِ وَعَلَى أَنْ يَكُونَ أَحَدُنَا لِلْآخَرِ كَالْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ وَكَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى” اهـ[ رواهُ مُسلم]، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَبِّهًا وَمُحَذِّرًا مِنْ تَرْكِ الرَّحْمَةِ:” مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ“، اهـ[ رواه البخاريُّ ومسلم]، فَارْحَمُوا بَعْضَكُمْ إِخْوَةَ الْإِيمَانِ وَتَرَاحَمُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ.

وَإِنَّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالتَّرَاحُمِ أَنْ تَبَرَّ وَالِدَيْكَ، اللَّذَيْنِ رَبَّيَاكَ صَغِيرًا ضَعِيفًا حَتَّى قَوِيتَ وَكَبِرْتَ، فَإِيَاكَ أَنْ تُهْمِلَهُمَا إِذَا ضَعُفَا وَكَبِرَا، فَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ طَاعَةٌ عَظِيمَةٌ قَدْ تُرْزَقُ بِسَبَبِهَا، قَالَ رَبُّنَا تَعَالَى فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ:” وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا“.

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ، ثُمَّ صِلَةُ الْأَرْحَامِ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ التَّرَاحُمِ، فَإِيَاكَ أَنْ تُقَصِّرَ فِي صِلَتِهِمْ بِدَعْوَى الْخَوْفِ مِنْ طَلَبِ مُسَاعَدَتِهِمْ، فَقَدْ أَرْشَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ فَقَالَ:” وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ“، اهـ[ رواه مسلم]، وَقَالَ:” وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ“، اهـ[ رواه البيهقيُّ في السُّنن]، حَثَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التَّرَاحُمِ، وَأَمَرَنَا بِالرَّحْمَةِ وَالْعَطْفِ عَلَى النَّاسِ وَقَضَاءِ حَاجَاتِ النَّاسِ، وَكَانَ هُوَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَعْمَلَ النَّاسِ بِهَذِهِ الْوَصَايَا.

وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْثُ عَلَى رَحْمَةِ الْبَهَائِمِ، فَقَدْ أَدْنَى بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ الْجَفْنَةَ، أَيْ قَرَّبَ الْوِعَاءَ الَّذِي فِيهِ الطَّعَامُ لِلْهِرَّةِ لِتَأْكُلَ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِي الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ الزَّانِيَةِ الَّتِي أَنْقَذَتْ كَلْبًا مِنَ الْهَلَاكِ مِنَ الْمَوْتِ بِسَبَبِ الْعَطَشِ، خَلَعَتْ مُوقَهَا أَيْ حِذَاءَهَا، وَاسْتَقَتْ فِيهِ مَاءً مِنَ الْبِئْرِ فَسَقَتِ الْكَلْبَ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْمَاءِ، وَكَادَ الْعَطَشُ يَقْتُلُهُ صَارَ يَأْكُلُ الثَّرَى التُّرَابَ مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ. إِخْوَةَ الْإِيمَانِ حَرَّكَتْهَا الرَّحْمَةُ حَتَّى اسْتَخْرَجَتِ الْمَاءَ بِنَعْلِهَا وَقَدَّمَتْهُ لِلْكَلْبِ فَأَنْقَذَتْهُ، فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا غُفِرَ لَهَا بِسُقْيَاهَا الْكَلْبِ.[ رواه البخاريُّ ومسلم]،  إِنْ كَانَ هَذَا لِلْكَلْبِ، فَكَيْفَ إِنْ كَانَ ذَلِكَ لِإِنْقَاذِ الْمُضْطَرِّ أَوْ لِإِنْقَاذِ الْجَائِعِ أَوْ لِإِنْقَاذِ الْمُحْتَاجِ وَالضَّائِعِ وَالْمَرِيضِ؟

يَا إِخْوَانِي الرَّحْمَةُ إِذَا رُفِعَتْ مِنْ بَيْنِنَا هَلَكْنَا، فَتَرَاحَمُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ وَتَعَاوَنُوا وَقَدِّمُوا الْعَوْنَ لِبَعْضِكُمْ، يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيمَا يَرْوِيْهِ عَنْ رَبِّهِ:” حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ”، اهـ[ رواه الحاكمُ في المستدرك]، أَيْ لِلَّذِينَ يَبْذُلُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، أَيْ كُلٌّ مِنْهُمْ يُعِينُ الْآخَرَ وَيَبْذُلُ لَهُ.

أَيْنَ الرَّحْمَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، أَيْنَ الرَّحْمَةُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، بَعْدُ مَا حَصَلَتْ مَجَاعَةٌ حَقِيقِيَّةٌ، وَانْظُرُوا إِلَى الْأَخْبَارِ الَّتِي نَسْمَعُهَا عَنْ قَسْوَةِ قُلُوبِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، هَذَا الَّذِي يَرْمِي الْمُسْتَأْجِرَ فِي الشَّارِعِ وَلَا يَصْبِرُ عَلَيْهِ، وَذَاكَ الَّذِي لَا يَصْبِرُ عَلَى الْمُعْسِرِ، وَءَاخَرُ يَعْلَمُ بِجَارِهِ يَتَضَوَّرُ جُوعًا وَلَا يُعِينُهُ، هَذَا لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَلَا مِنْ أَخْلَاقِ الْكُمَّلِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْكَعْبَةِ، مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ.

إِخْوَةَ الْإيمَانِ، الَّذِي يَصْبِرُ عَلَى الْمُعْسِرِ يَصْبِرُ عَلَى هَذَا الْإِنْسَانِ الَّذِي صَارَ فَقِيرًا، مَا عَادَ مُسْتَطِيْعَا عَلَى رَدٍّ وَسَدَادِ الدَّيْنِ، يُمْهِلُهُ وَيَصْبِرُ عَلَيْهِ يَكُوْنُ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَاذَا تُرِيدُونَ مِنَ الدُّنْيَا !!؟؟ مَاذَا نُرِيدُ مِنَ الدُّنْيَا إذا كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَا يَرْحَمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، لَا يَرْحَمُونَ الْفُقَرَاءَ وَالْأَطْفَالَ وَالْأَيْتَامَ وَالْأَرَامِلَ وَالْمَهْجَّرِيْنَ، فَمَنْ لَهُمْ؟، يَا أَخِي يَا أُخْتِي، أَيْنَ نَحْنُ مِمَّا فَعَلَهُ الْأَنْصَارُ مَعَ الْمُهَاجِرِينَ، أَنْصَارُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ كَانَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ يُقَاسِمُ الْمُهَاجِرَ بَيْتَهُ وَمَالَهُ!

فِيَا إِخْوَانِي، كُوْنُوا مُتَرَاحِمِيْنَ بَيْنَكُمْ، كُوْنُوا مُتَعَاوِنِيْنَ عَلَى إِنْقَاذِ بَعْضِكُمْ وَعَلَى إِنْقَاذِ النَّاسِ مِنَ الْمِحْنَةِ، مِنَ الْبَلَاءِ مِنَ الْهَمِّ مِنَ الْمجَاعَةِ مِنَ الْفَقْرِ مِنَ الضَّيَاعِ مِنَ الْهَلَاكِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ.

هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم

< Previous Post

سلسلة الذهب- الأئمة أحمد عن الشافعي عن مالك

Next Post >

تعظيم الله والشكر له- خطبة الجمعة

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map