إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له، ولا ضِدّ ولا نِدّ له، سبحانك اللهم إنا نوحدك ولا نحدُّك. ونؤمن بك ولا نكيفك. ونعبدك ولا نشبهك. ونعتقد أن من شبهك بخلقك ما عرفك. وأشهد أنّ سيّدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمّدًا عبده ورسوله وصفيّه وحبيبه، صلّى الله وسلّم عليه وعلى كلِّ رسول أرسله.
أما بعد عباد الله فإنّي أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليّ العظيم القائل في محكم التنـزيل: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ] {الحشر:18}.
وقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا والْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ. رواه مالك وأحمد في مسنده والبخاري ومسلم والأربعة [أبو داود، الترمذي، النسائي، ابن ماجه] عن أبي هريرة.
وقال أيضا:”مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ“. رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
والحج المبرور أي المقبول هو الذي لا رياء فيه ولا فسوق، فالحجُّ المبرورُ يتطلَّب إخلاصًا لله، وأن يكون المال حلالا طيبا، وأن يتجنب فيه الكبائر والفسوق، وأن يكون العمل موافقا لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لذا كان صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول محذرا ومعلما: اللّهُمَّ حِجَّة لاَ رِيَاءَ فِيهَا وَلاَسُمْعَة. أخرجه ابن ماجه من حديث أنس بن مالك.
عباد الله:
ومن علامة القبول أنه يرجع خيرًا مما كان. يرجع زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة. فعلامة قبول الطاعة أن توصل بطاعة بعدها، فما أوحش ذل المعصية بعد عز الطاعة، سلوا الله الثبات إلى الممات، وتعوذوا من الحور بعد الكور، فقد كان الإمام أحمد يدعو ويقول: اللهم أعزني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك، وكان عامة دعاء إبراهيم بن أدهم: اللهم انقلني من ذل المعصية إلى عز الطاعة.
نعم مَنْ حجُّه مبرور قليل، ما كلُّ مَن حج قبل، ولا كل من صلى وصل، فقد قيل لعبد الله بن عمر: ما أكثرَ الحاج ؟ فقال: ما أقلَّهم. وقال شريح: الحاج قليل والركبان كثيرة. أخرجهما عبد الرزاق في المصنف. وروي عن ابن عباس أنه قال في حصاة الجمار: ما يقبل منه رفع، وما لم يتقبل منه ترك. أخرجه إسحاق بن راهويه.
إخوة الإيمان:
بدأ حجّاجنا الكرام يتوافدون عائدين إلى ديارهم، فسلوا الله لهم القبول، وسلوهم أن يستغفروا الله لكم. ففي الحديث الشريف: اللهمّ اغفِر للحاجِّ ولمن استغفر له الحاجُّ. رواه البيهقي وصححه الحاكم.
وإن قدموا لكم من ماء زمزم، فاشربوا على نية قضاء حاجة لكم لِما في هذا الماء من الخصوصيّة. وهذا مما عَمِلَ العلماءُ والأخيارُ به، فشربُوه لمطالبَ لهم جليلةٍ فنالوها. قال العلماء: فيُستحبّ لمن شربَه للمغفرة أو للشفاء من مرضٍ ونحو ذلك أن يقول عند شربه: اللَّهُمَّ إنَّهُ بَلَغَنِي أنَّ رَسُولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: “ماءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ” اللَّهُمَّ وإني أشْرَبُهُ لِتَغْفِرَ لي، فاغْفِرْ لي، اللَّهُمَّ إني أشْرَبُهُ مُسْتَشْفِيًا بِهِ فَاشْفِني، أو: اللهمّ إني أسألك علمًا نافعًا ورزقًا واسعًا وشفاءً من كلِّ داء”.
وإن قدموا لكم التمر سيما عجوة المدينة، فاقبلوا، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:” مَنْ تَصَبَّحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ “. رواه البخاري ومسلم.
وإن قدموا لكم طِيبًا أو سواكا أو سبحة، فاقبلوا، وتتطيبوا سيما من المسك كما قال عليه الصلاة والسلام: أَطْيَبُ الطِّيبِ المِسْكُ. رواه أحمد في مسنده ومسلم وأبو داود والنسائي عن أبي سعيد.
واستعملوا السواك ففوائده كثيرة منها أنه يُطِّهرُ الفم ويُرضي الربّ ويشدّ اللثة ويضاعف الأجر ويبيض الأسنان ويذكِّر بالشهادة عند الموت ويساعد في إخراج الحروف، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “السِّواكُ مَطْهَرةٌ للفَمِ ومَرْضاةٌ للرَبِّ” رواه أحمد في مسنده والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن وابن ماجه.
وأما السُّبْحَة فإنها تُذَكِّر حاملها بتسبيح الله عزّ وجلّ وتمجيده.
عباد الله:
ومما أحذركم منه وأحذر حجاجنا الكرام، تلك الكتيبات الصغيرة الملوّنة المزخرفة التي توزع مجانا، وقد ملئت بالعقائد الفاسدة والأفكار الكاسدة، التي تدعو إلى تشبيه الله الخالق بمخلوقاته، وتكفير المؤمنين، وتحريم التوسل والتبرك بالصالحين.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد.
هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم