إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا من يهدِهِ الله فهو المهتد ومن يُضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضدّ له ولا ندّ له وأشهد أنّ سيّدنا وحبيبنا وقرّة أعيننا محمّدًا عبده ورسوله وصفيّه وحبيبه صلّى الله عليه وعلى كلّ رسول أرسله من بعثه الله رحمة للعالمين هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة فجزاه الله عنّا خير ما جزى نبيًا من أنبيائه.
أما بعد فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليّ العظيم ، يقول الله تعالى في القرءان الكريم:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ ءامَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } سورة التحريم ءاية 8
أخي المسلم، بعد وداع شهر التوبة اثبت على التوبة، بعد وداع شهر الطاعة اثبت على الطاعة. فالتوبة النّصوح، التوبة الكاملة هذا الذي يحبّه ربّنا تبارك وتعالى، أن تتوب من كلِّ الذنوب التي سبق وتلوّثت بها ولا تعود إليها.
فكم هو جميل ثباتك يا ثابت، ثابت البناني الذي كانت تُسمع تلاوة القرءان من قبره، ورد عن الذي ألْحده في قبره، أدخله في قبره أنه قال: “أنا -والذي لا إله إلا هو- أدخلت ثابتًا البناني لحده فلمّا سوّينا عليه اللَّبِنَ سقطت لَبِنَةٌ (يعني حجر) فنـزلت فأخذتها من قبره فإذا به يصلي في قبره. (وجده قائمًا يصلي في قبره) قال: فقلت للذي معي: أتراه؟ قال: اسكت، فلمّا سوّينا عليه التراب وفرغنا أتينا ابنته فقلنا لها: ما كان عمل ثابت، ماذا كان يفعل في هذه الدنيا ؟ قالت: وما رأيتم ؟ فأخبرناها ، فقالت: كان يقوم الليل خمسين سنة فإذا كان السَحرُ قال في دعائه: اللهمّ إن كنت أعطيت أحدًا الصلاة في قبره فأعطِنيها، فما كان الله ليردَّ ذلك الدعاء” ا هـ .
هذا الرجل الصالح ثبت على صلاة النّافلة، صلاة التطوع خمسين سنة ويدعو الله تعالى أن يرزقه الصلاة في قبره فأكرمه الله بذلك. ومن النّاس اليوم من يتكاسلون عن تأدية الفريضة، منهم من يصلّي في رمضان فقط، وبعد رمضان ينقطع عن الصلاة والعياذ بالله تعالى .
ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء والمعراج رأى قومًا تُرضخ رؤوسهم أي تُكسر رؤوسهم ثم تعود كما كانت فقال جبريل عليه السلام هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن تأدية الصلاة.
فيا أخي المسلم ، هي ساعات أو دقائق أو أقلّ تمضي على كلّ واحد منّا ثمّ ينتهي به الأمر إلى القبر. ترى أليس الكيّس من دان نفسه وعمل لِما بعد الموت ؟ بلى والله .
أليس الكيّس الفطن الذكيّ هو الذي حاسب نفسه في هذه الدنيا قبل أن يُحاسَب في الآخرة ؟ بلى والله . فالغفلة لا تنفع ، ومتاع الدنيا قليل.
فكم هي عظيمة فرحة العبد المؤمن الصالح بما قام به من الخيرات في رمضان، وكم هو عظيم ثباته عليها بعد رمضان من الإمساك عن الكلام الذي لا يرضي الله، من الابتعاد عمّا حرّم الله، وكذلك من الثبات على طاعة الله من صلاة وصيام (لمن كان عليه قضاء صيام) وتعلم، نعم بإقبال بهمّة عالية إلى مجالس علم الدين، لا تشبع أخي المؤمن من تحصيل علم الدين، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يشبع مؤمن من خير يسمعه حتى يكون منتهاه الجنّة”.
إخواني، يمرّ على الإنسان أحيانًا أوقات يكون فيها من الغافلين ثم يتيقّظ وينتبه فيطرق باب التوبة إلى الله تبارك وتعالى، وباب التوبة مفتوح ما لم تصل الروح إلى الحلقوم أي ما لم يغرغر، ولم تطلع الشمس من مغربها، وما لم يَرَ مَلَك الموت عزرائيل عليه السلام.
فهنيئًا لمن تاب إلى الله توبة نصوحًا فالفرحة بعيد الفطر عظيمة وكبيرة ولكن الفرحة عظيمة جدًا حينما يجد المؤمن التقي الطيب الطاهر الصالح في صحيفة أعماله يوم القيامة ما يسرّه بينما هناك ءاخرون خاسرون هالكون.
وهو مع المؤمنين على سرر متقابلين يُسقون من رحيق الجنّة، يطعمون من طعامها، يجتمعون بسيّد العالمين محمد صلى الله عليه وسلم.
وأذكركم إخوة الإيمان بصيام ستٍ من شوال وذلك لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان وأتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر” . وليس شرطًا أن يكون هذا الصيام متتاليًا متتابعًا لأن العلماء قالوا بعدم اشتراط أن تكون متتابعة .
اللهمّ إنّا نسألك حبّك وحبّ من يحبّك والعمل الذي يبلّغنا حبّك، اللهمّ اجعل حبّك أحبّ إلينا من أنفسنا ومن أهلنا ومن الماء البارد.
هذا وأستغفر الله لي ولكم