الحمدُ لله وكفى، وسلامٌ على عبادِه الذين اصْطَفَى، الحمدُ لله الواحدِ الأحدِ الفردِ الصمدِ الذي لم يلِدْ ولم يولَدْ ولم يَكن له كُفُوًا أحد، والصلاةُ والسلام على سيِّدنا وحبيبِنا وعظيمِنا وقائدِنا وقرّةِ أعيُنِنَا محمدٍ، مَن بعثَه الله رحمةً للعالمين، مُبَشّرًا ونَذيرًا وداعيًا إلى اللهِ بإذنه وسِراجًا منيرًا، فهَدى الله به الأُمَّةَ، وكَشَفَ به عنها الغُمَّةَ، فجزاه اللهُ عنّا خيرَ ما جزى نبيًّا مِنْ أنبيائه. وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ الملكُ الحقُّ الْمُبين، وأشهدُ أنّ سيدَنا محمّدًا رسولُ الله الصَّادِقُ الوعدِ الأمين، صلواتُ ربي وسلامُه على محمدٍ النبيِّ الأُميِّ وعلى ءالِه وصحابتِه الطيبينَ الطاهرين.

أما بعدُ أيّها الأحبةُ المسلمون، أُوصي نفسيَ وإياكم بتقوى اللهِ العظيم، يقولُ اللهُ تعالى في القرءانِ الكريم:” وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَـوَى . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى“. اللهُ تبارك وتعالى الذي يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ ومَا تُخْفِي الصُّدُور، مُطَّلِعٌ على جميعِ أَحْوَالِ العِبَادِ، فالعبدُ الفائزُ الرَّابحُ هو الذي اتَّبعَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم والتزمَ إِرشاداتِه وتَعليماتِه وتَوجيهاتِه. العبدُ الفائزُ النَّاجحُ هو الذي خافَ يومَ الحساب، هذا معنى قولِه تعالى:” وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ” أي خافَ سؤالَ الحسابِ، واستعدَّ لما بعدَ الموت، خلافًا لأولئكَ الذين يخافونَ الفضيحةَ في الدنيا، ولا يستعدونَ لما بعدَ الموت، ولا يُعِدُّونَ لِيومِ السؤالِ لِيوم الحساب. وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ، أي خافَ سؤالَ يومِ الحسابِ، واستعَدَّ له بِأَنْ تجنَّبَ المحرماتِ، وأدَّى الواجباتِ التي فَرَضَها اللهُ تبارك وتعالى،” وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَـوَى” خافَ مَقامَ ربِّه، خافَ سُؤالَ يومِ الحسابِ، ونهى النَّفْسَ عنِ الهوى، الهوى المذمومُ هو ما تميلُ إليه النفسُ الأمّارةُ بالسُّوءِ مما فيه مخالفةٌ لشرعِ الله تبارك وتعالى، كحُبِّ الاستعلاءِ على الرِّقاب، كأن يكونَ الإنسانُ أخًا أكبرَ لأشِقَّائِه فيأكلُ أموالَهم بدَعوى رعايةِ مصالحهِم بعدَ موتِ أبيهم، يكونُ عندَه هوَى الاستِعلاء. وكالزوجةِ الناشِزِ التي خرجَتْ عنْ طاعةِ زوجِها حُبًّا لِلاستعلاءِ، حُبًّا لِلتَّسلُّط. وكذلكَ حالُ بعضِ الشُّرَكاءِ الذينَ يَدخُلونَ في معاملةٍ ماليَّة. هَوَى النَّفْسِ منه ما هو ظاهرٌ ومنه ما هو خَفِيّ. بعضُ الشُّرَكاءِ يدخلونَ على تَراضٍ وحُبٍّ ظاهرٍ بينهما، ثم تجدُهُمـَا صارا مُتباغِضَينِ مُتَحاسِدَينِ مُتَنازِعَين، يكادُ الشِّقاقُ بينَهما يُوصِلُ إلى التَّقاتُلِ والتَّنَاحُرِ والتَّذَابح، حُبُّ المال، حُبُّ الدنيا، حُبُّ التَّسلُّطِ طَغَى عَلى قُلوبِ كثيرين. وَمِنْ هَوَى النَّفْسِ الخَفِيِّ أيْضًا أنَّ بعضًا مِنَ النَّاس عندهُم شَهْوَةُ حُبِّ الظُّهورِ والاستعلاءِ ودعوَى المشيَخَةِ الصُّوفيةِ وهُم فارِغُون، لِيَكُونَ لهم على غيرِهم جاه، لِيَنْكَبَّ الناسُ على تقبيلِ أيدِيْهِم وهُمْ فارغون، لِيَأْتِيَهمُ الناسُ بالهدايا والعطايا، فتجدُ الواحدَ منهم يدَّعي الولايةَ والكرامةَ وهو بَعْدُ لم يُؤَدِّ الواجباتِ ولم يجتنبِ المحرمات، ومِنْ هؤلاءِ الأدْعياءِ مَنْ تجدُهُم عندَ حَلَقاتٍ بِاسْمِ الذِّكْرِ بَدَلًا مِنْ أنْ يقولُوا الله الله الله، تجدُهُم يهتمونَ بالأنغامِ والتَّمايُلِ والتَّراقُصِ فَيُحرِّفونَ اسمَ اللهِ فيقولونَ (اللا) وسبحانْ (اللا) والحمد (للا) يُنْقِصُونَ أحْرُفًا مِن اسمِ الله، ومِنْهُم مَنْ يُلْحِدُ في أسماءِ اللهِ، كَمَنْ يُسَمِّي اللهَ القُوَّةَ الخَالِقَةَ، واللهُ تعالى وَصَفَ نفسَه في القُرءان بقولِه ” ذُو القُوَّةِ “، أيِ الموصوفُ بالقُوةِ وهيَ القُدرةُ، فلا يجوزُ أن يُقالَ عن اللهِ قُوَّة، ولا يجوزُ أن يُقالَ عن الله مَحَبَّة، ولا يجوزُ أن يُقالَ عن اللهِ عِلْمٌ أو قُدْرَةٌ أو إرادةٌ، بلِ اللهُ مَوْصُوفٌ بالقُدرةِ والإرادةِ والعلمِ، فأسماءُ اللهِ توقيفيَّة، فلا يجوزُ أن يُسمَّى اللهُ بما لم يَرِدْ به الإذنُ شرعًا، قال اللهُ تعالى:” وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَــــآئِهِ“.

فيا أيها الأحبةُ المسلمون، العلمُ يحرسُكَ وأما المالُ فأنتَ تحرُسُه، فاحرِصْ على أن تُحصِّلَ ما يحرُسُكَ قبلَ أن تُحصِّلَ ما أنتَ تحرُسُه.

وقد رُوِيَ عنِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم أنه قال رُبَّ مُكْرِمٍ لِنَفْسِهِ وهو لها مُهِيْن.

قد يَصْطَدِمُ اثنانِ على الطّريقِ في زحمةِ سَيْرٍ، فيبطش الواحدُ بغَيره وَيَسُبّ ربَّ العالمين والعياذُ بالله، يَظنُّ أنه أكرمَ نفسَه بهذا، وإنما هو لنفسِه مُهين. أهلكَ نفسَه والعياذُ بالله تعالى.

فعندَ الشِّدَّةِ والرَّخاءِ والبأساءِ والضَّرَّاءِ، والفَقْرِ والغِنَى لِنَقْتدِ بالأنبياءِ عليهمُ الصلاةُ والسلامُ الذينَ هم أهلُ صَبْرٍ على البلاءِ معَ الإحسانِ إلى مَن أساءَ إليهم. قد يُسيءُ الزوجُ إلى زوجتِه فلا تجدُ مَنْ يُرشدُها، بل أغلبُ مَن حولَها يُحرِّكونها عليه، فيُخرِّبونَ بيتَها بتحريضِها على طلَبِ الطلاق، بدلًا منْ إرشادِها إلى الصبرِ ومقابلةِ الإساءةِ بالإحسان، وقد تُسيءُ الزوجةُ إلى زوجِها، فبدلَ مِنْ أن يُبادرَ مَن حولهما إلى الإصلاح يبادرُ كثيرونَ إلى هدمِ البيتِ، إلى تحطيمِ الطَّرَفِ الآخَرِ ونُصْرةِ أحدِهما في غيرِ محلِّه. مَنِ ابْتُلِـيَ فلْيصبِرْ على البلاءِ، ولْيُحسِنْ إلى مَن أساءَ إليه. ما سببُ ارتماءِ كثيرينَ وغرقِهم في هوى النفس، ما سببُ وقوعِ كثيرين في البَطْشِ والسبِّ واللعْنِ والخيانةِ وأكلِ أموالِ الناسِ بالباطلِ وأكلِ أموالِ الأيتامِ بالباطلِ وأكلِ أموالِ الزَّوجاتِ بالباطل؟ حبُّ الدنيا، حبُّ الدنيا والعياذُ بالله تعالى، وسببُه أيضا الجهلُ في الدِّين. فلا بُدَّ لكلٍّ مِنَّا مِنْ أنْ يتفقهَ في دينِ الله تعالى، لِيَعْرِفَ ما يَحِلُّ لَه لُبْسُه وما يحرُم، ما يَحِلُّ له أكلُه وشُربُه وما يحرم، ما يَحِلُّ له الاستماعُ إليه والنظرُ إليه وما يحرم، ما يَحِلُّ له أن يطلُبَهُ منَ الغَيرِ وما يحرم، ما يَحِلُّ له أن يَطْلُبَ مِنْ زوجتِه أو أنْ تطلُبَ مِنْ زوجِها وما يحرم. فلا حولَ ولا قوةَ إلا بالله.

أقولُ قولي هذا وأستغفرُ الله العظيمَ لي ولكم

< Previous Post

كيف يثبت رمضان

Next Post >

خطبة الجمعة | ليلة القدر العظيمة

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map