Sun, 6th Oct, 2024 /
3 Rabī ath-Thānī , 1446
الأحد ٠٦ , أكتوبر , ٢٠٢٤ / 3 رَبِيع ٱلثَّانِي , 1446

الْحَمْدُ للهِ ثُمَّ الْحَمْدُ للهِ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ شَهْرَ رَمَضَانَ عَلَى سَائِرِ الشُّهُورِ سَيِّدًا وَكَمَّلَ فِيهِ الْفَخْرَ فَجَعَلَهُ لِلْخَيْرَاتِ وَالْبَرَكَاتِ مَوْرِدًا وَأَنْزَلَ فِيهِ الْقُرْءَانَ رَحْمَةً وَشِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ مُتَوَكِّلاً عَلَيْهِ مُعْتَمِدًا وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَدًا وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَعَظِيمَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ مَا أَكْرَمَهُ عَبْدًا وَسَيِّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى ءَالِهِ وَصَحْبِهِ صَلاَةً وَسَلاَمًا دَائِمَيْنِ مُتَلاَزِمَيْنِ إِلَى أَنْ يُبْعَثَ النَّاسُ غَدًا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلاَةً تَحُلُّ بِهَا عُقْدَتَنَا وَتُقِيلُ بِهَا عَثْرَتَنَا وَتُخْرِجُنَا بِهَا مِنْ وَحْلَتِنَا وَتُفَرِّجُ بِهَا كُرْبَتَنَا وَتَغْفِرُ بِهَا ذُنُوبَنَا وَتُصْلِحُ بِهَا عُيُوبَنَا وَسَلِّمْ يَا رَبِّ تَسْلِيماً كَثِيرًا

عِبَادَ اللهِ: أُوصِي نَفْسِي وَأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَاتَّقُوهُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَتُوبُوا إِلَيْهِ فَاللهُ يَعْلَمُ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، وَاعْلَمُوا إِخْوَانِي أَنَّ الْعُمُرَ قَصِيرٌ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرَ مَنْ قَيَّدَ نَفْسَهُ بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَاجْتِنَابِ الْحَرَامِ فَقَدْ أَطْلَقَ سَرَاحَهَا.

 إِخْوَةَ الإيِمَانِ: قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْكَريِمِ: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْءانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان﴾.

نَحْنُ الْيَوْمَ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ الْمُبَارَكِ، ثُمَّ يَلِي ذَلِكَ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الشُّهُورِ عَلَى الإِطْلاَقِ وَفِيهِ لَيْلَةٌ هِيَ أَفْضَلُ اللَّيَالِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا الْقُرْءَانُ دَفْعَةً وَاحِدَةً إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ فِي السَّمَاءِ الأُولَى.

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ هَذِهِ الشُّهُورَ مِنَ الأَشْهُرِ الْفَاضِلَةِ الْعَظِيمَةِ الشَّأْنِ فَلْنَسْتَعِدَّ فِيهَا بِالطَّاعَةِ وَالْعَمَلِ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلْنُهَيِّئْ فِيهَا الزَّادَ الَّذِي يَنْفَعُنَا لِلآخِرَةِ فَإِنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا سَرِيعَةُ الزَّوَالِ. 

وَلَكِنْ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ وَفِي كُلِّ أَيَّامِ السَّنَةِ أَنْ يَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَأَنَّ الْمَوْتَ ءَاتٍ لاَ مَحَالَةَ فَيُحَاسِبَ نَفْسَهُ وَيَنْظُرَ مَاذَا أَعَدَّ لآِخِرَتِهِ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، لأَِنَّ الآخِرَةَ لاَ يَنْفَعُ فِيهَا سِوَى الإيِمَانِ بِاللهِ وَتَقْوَى اللهِ وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ مَعْنَاهُ لِيَنْظُرِ الْمَرْءُ أَيْ لِيَتَفَكَّرْ مَاذَا أَعَدَّ لآِخِرَتِهِ أَيْ بِالْعَمَلِ الَّذِي يُرْضِي اللهَ تَعَالَى وَذَلِكَ يَكُونُ فِي كُلِّ الأَيَّامِ وَاللَّيَالِي الَّتِي يَعِيشُهَا الإِنْسَانُ لأَِنَّ أَنْفَاسَ الإِنْسَانِ مَعْدُودَةٌ وَأَجَلَهُ مَحْدُودٌ وَمَا فَاتَ وَمَضَى مِنْ عُمُرِهِ لَنْ يَعُودَ.

عِبَادَ اللهِ: مَا هِيَ إِلاَّ أَيَّامٌ قَلِيلَةٌ تَفْصِلُنَا عَنْ شَهْرِ رَمَضَانَ هَذَا الشَّهْرِ الْمُبَارَكِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ شَهْرِ الصَّدَقَةِ وَصِلَةِ الأَرْحَامِ، شَهْرٌ يُتَفَقَّدُ فِيهِ الْمَسَاكِينُ وَالأَيْتَامُ شَهْرٌ تُفَتَّحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجِنَانِ وَتُغَلَّقُ فِيهِ أَبْوَابُ النِّيرَانِ وَيُجْزَى فِيهِ بِالإِحْسَانِ.

فَالصِّيَامُ عِبَادَةٌ لاَ يَطَّلِعُ عَلَى صِدْقِ صَاحِبِهَا إِلاَّ اللهُ سُبْحَانَهُ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ الَّذِي يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ، وَالْعَبْدُ الصَّالِحُ يُخْضِعُ نَفْسَهُ وَهَوَاهُ لِطَاعَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَيَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ، فَإِنَّ اللهَ يُجْزِلُ لَهُ الأَجْرَ وَيُضَاعِفُ لَهُ الثَّوَابَ مُضَاعَفَةً تَقَرُّ بِهَا عَيْنُهُ وَيَفْرَحُ بِهَا فِي يَوْمٍ لاَ يَنْفَعُ فِيهِ مَالٌ وَلاَ بَنُونُ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيِمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ]، وَوَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي فَضَائِلِ الصِّيَامِ مِنْهَا أَنَّهُ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ]، وَوَرَدَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: “إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ  يُقَالُ: “أَيْنَ الصَّائِمُونَ” فَيَقُومُونَ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ]، وَفِي حَدِيثٍ ءَاخَرَ: “إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ [رَوَاهُ مُسلِمٌ].

مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِين: رَمَضَانُ لاَ يَثْبُتُ أَوَّلُهُ إِلاَّ بِرُؤْيَةِ الْهِلاَلِ أَوْ بِاسْتِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ يَوْمًا وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَلاَ تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ” وقال : صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ يَوْمًا“.

فَلاَ يَجُوزُ الاِعْتِمَادُ فِي صِيَامِ رَمَضَانَ عَلَى الْحِسَابِ لأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “نَحْنُ أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا مَعْنَاهُ إِمَّا تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا أَوْ ثَلاَثُونَ يَوْمًا وَلاَ يُعْرَفُ ذَلِكَ إِلاَّ بِمُرَاقَبَةِ الْهِلاَلِ.

وَلْيُعْلَمْ أَنَّ رَمَضَانَ فُرِضَ صِيَامُهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِلْهِجْرَةِ، وَقَدْ صَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ سَنَوَاتٍ تُوُفِّيَ بَعْدَهَا.

أَيُّهَا الأَحِبَّةُ الْكِرَامُ: بِمَا أَنَّ صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ مِنَ الْفَرَائِضِ الْعَظِيمَةِ وَهُوَ أَحَدُ أَهَمِّ أُمُورِ الإِسْلاَمِ، كَانَ يَنْبَغِي عَلَى الصَّائِمِ أَنْ يَعْرِفَ أَحْكَامَ الصِّيَامِ الضَّرُورِيَّةَ حَتَّى يَكُونَ صِيَامُهُ صَحِيحًا مَقْبُولاً بِإِذْنِ اللهِ.

فَالصِّيَامُ لَهُ شَرَائِطُ وُجُوبٍ وَفَرَائِضٌ وَمُفْسِدَاتٌ فَلاَ بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا وَمُرَاعَاةِ الشُّرُوطِ وَالْفَرَائِضِ وَتَجَنُّبِ الْمُفْسِدَاتِ. فَأَمَّا شَرَائِطُ وُجُوبِ الصِّيَامِ فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ قَادِرٍ عَلَى الصِّيَامِ.

فَلاَ يَصِحُّ الصِّيَامُ مِنَ الْكَافِرِ الأَصْلِيِّ وَلاَ مِنَ الْمُرْتَدِّ (وَالْمُرْتَدُّ هُوَ مَنْ كَانَ مُسْلِمًا ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الإِسْلاَمِ بِوُقُوعِهِ فِي الْكُفْرِ).

وَلاَ يَصِحُّ مِنْ حَائِضٍ وَلاَ نُفَسَاءَ وَلَوْ صَامَتَا حَالَ وُجُودِ الدَّمِ فَعَلَيْهِمَا مَعْصِيَةٌ وَلاَ يَصِحُّ مِنْهُمَا بَلْ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَلاَ يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ أَيْ غَيْرِ الْبَالِغِ وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّهِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالصِّيَامِ إِنْ أَكْمَلَ سَبْعَ سِنِينَ وَكَانَ قَادِرًا عَلَى الصِّيَامِ وَيُشَدِّدَ عَلَيْهِ إِذَا تَرَكَهُ إِنْ بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ وَهُوَ يُطِيقُهُ وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إِنْ أَفْطَرَ.

وَلاَ يَجِبُ عَلَى الْمَجْنُونِ وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلاَ يَجِبُ عَلَى الْمَرِيضِ الَّذِي يَضُرُّهُ الصِّيَامُ وَلاَ عَلَى الْمُسَافِرِ سَفَرًا طَوِيلاً وَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ، وَلَوْ صَامَ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ صَحَّ مِنْهُمَا وَلَكِنْ إِذَا ضَرَّهُمَا حَرُمَ عَلَيْهِمَا.

وَأَمَّا فَرَائِضُ الصِّيَامِ فَهُمَا أَمْرَانِ: النِّيَّةُ وَالإِمْسَاكُ، فَأَمَّا النِّيَّةُ: فَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ وَيَجِبُ تَبْيِيتُهَا أَيْ إِيقَاعُهَا لَيْلاً قَبْلَ الْفَجْرِ لِكُلِّ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ.

وَيَجُوزُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنْ يَنْوِيَ عَنِ الشَّهْرِ كُلِّهِ وَلَكِنْ لاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ النِّيَّةُ لَيْلَةَ الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنْ رَمَضَانَ فَيَقُولُ بِقَلْبِهِ: “نَوَيْتُ صِيَامَ ثَلاَثِينَ يَوْمًا عَنْ شَهْرِ رَمَضَانَ هَذِهِ السَّنَةَ.

وَيَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفََسَاءِ إِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ لَيْلَةَ الصِّيَامِ أَنْ تَنْوِيَ صِيَامَ الْيَوْمِ التَّالِي وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ بَعْدُ.

وَأَمَّا الإِمْسَاكُ: فَهُوَ الإِمْسَاكُ عَنِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَعَنْ إِدْخَالِ كُلِّ مَا لَهُ حَجْمٌ وَلَوْ صَغِيرًا إِلَى الرَّأْسِ وَالْبَطْنِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ كَالْفَمِ أَوِ الأَنْفِ أَوِ الْقُبُلِ أَوِ الدُّبُرِ مِنَ الْفَجْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ.

أَمَّا مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا وَلَوْ كَثِيرًا لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ وَلَوْ كَانَ صِيَامَ نَفْلٍ فَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: “مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ“.

وَيَجِبُ الإِمْسَاكُ عَنِ الاِسْتِقَاءَةِ أَيْ إِخْرَاجِ الْقَيْءِ بِالإِصْبَعِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا مَنْ غَلَبَهُ الْقَيْءُ وَلَمْ يَبْلَعْ مِنْهُ شَيْئًا فَلاَ يُفْطِرُ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يُطَهِّرَ فَمَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْلَعَ رِيقَهُ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ (أَيْ غَلَبَهُ) وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَمَنِ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ” [رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالأَرْبَعَةُ].

كَمَا يَجِبُ الإِمْسَاكُ عَنِ الْجِمَاعِ وَإِخْرَاجِ الْمَنِيِّ بِالاِسْتِمْنَاءِ أَوِ الْمُبَاشَرَةِ لأَِنَّ ذَلِكَ مُفَطِّرٌ أَمَّا خُرُوجُهُ بِالنَّظَرِ أَوِ الْفِكْرِ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ أَوْ أَثْنَاءَ النَّوْمِ فِي النَّهَارِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُفَطِّرٍ.

مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: يَجِبُ الإِمْسَاكُ عَنِ الْكُفْرِ، وَيَجِبُ الثُّبُوتُ عَلَى الإِسْلاَمِ عَلَى الدَّوَامِ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ، لأَِنَّ الْكُفْرَ هُوَ أَكْبَرُ الذُّنُوبِ وَهُوَ مُحْبِطٌ لِثَوَابِ الأَعْمَالِ، فَاسْتِمْرَارُ إيِمَانِ الصَّائِمِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ صِيَامِهِ لأَِنَّ الْكُفْرَ مُبْطِلٌ لِلصِّيَامِ.

وَالْكُفْرُ ثَلاَثَةُ أَقْسَامٍ: كُفْرٌ اعْتِقَادِيٌّ كَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللهَ جِسْمٌ أَوْ أَنَّهُ فِي جِهَةٍ وَمَكَانٍ أَوْ شَبَّهَهُ بِخَلْقِهِ. وَكُفْرٌ فِعْلِيٌّ كَرَمْيِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ.

وَكُفْرٌ  قَوْلِيٌّ كَسَبِّ اللهِ أَوْ سَبِّ نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللهِ أَوْ مَلَكٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ وَالاِسْتِهْزَاءِ بِالصَّلاَةِ أَوِ الصِّيَامِ أَوْ أَحْكَامِ الدِّينِ سَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا أَوْ مَازِحًا أَوْ غَاضِبًا.

وَمِمَّا يُفْسِدُ الصِّيَامَ الأَكْلُ وَلَوْ قَدْرَ سُمْسُمَةٍ وَالشُّرْبُ وَلَوْ قَطْرَةَ مَاءٍ أَوْ دَوَاءٍ. وَكَذَلِكَ الْقَطْرَةُ فِي الأَنْفِ وَالْحُقْنَةُ فِي الدُّبُرِ أَوِ الْقُبُلِ، أَمَّا الإِبْرَةُ فِي الْجِلْدِ أَوِ الشِّرْيَانِ فَغَيْرُ مُفَطِّرَةٍ.

وَيَفْسُدُ صِيَامُ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ كُلَّ الْيَوْمِ مِنَ الْفَجْرِ إِلَى الْغُرُوبِ وَكَذَلِكَ مَنْ جُنَّ وَلَوْ لَحْظَةً.

وَكَذَلِكَ إِذَا طَرَأََ عَلَى الْمَرْأَةِ حَيْضٌ أَوْ نِفَاسٌ أَثْنَاءَ النَّهَارِ وَلَوْ قُبَيْلَ الْغُرُوبِ أَفْطَرَت.

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ تَعَلُّمَ أَحْكَامِ الصِّيَامِ أَمْرٌ مُهِمٌّ حَتَّى يُؤَدِّيَ الإِنْسَانُ هَذِهِ الْعِبَادَةَ الْعَظِيمَةَ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ فَيَنَالَ فَضْلََهَا وَعَظِيمَ ثَوَابِهَاِ.

شَهْرُ رَمَضَانَ هُوَ شَهْرُ الصَّبْرِ وَالصَّبْرُ ثَوَابُهُ الْجَنَّةُ، وَشَهْرُ الْمُوَاسَاةِ، مَنْ فَطَّرَ فِيهِ صَائِمًا كَانَ مَغْفِرَةً لِذُنُوبِهِ وَعِتْقَ رَقَبَتِهِ مِنَ النَّارِ وَكَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَىْءٌ، وَهُوَ شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ وَءَاخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ سَقَى صَائِمًا سَقَاهُ اللهُ مِنْ حَوْضِ النَّبِيِّ شَرْبَةً لاَ يَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.

< Previous Post

خطبة الجمعة | إِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ ءَادَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا

Next Post >

خطبة الجمعة | أسباب المغفرة والثبات على التوبة

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map