بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة على سيد المرسلين وحبيب رب العالمين محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم

إن الله تبارك وتعالى أرسل الأنبياء جميعا عليهم السلام بدين واحد هو الإسلام، وفضلهم على سائر المخلوقات، وجعل محمدًا خاتـمهم وأفضلهم وأكثرهم أتباعًا وأكثرهم بركة عليه الصلاة والسلام.

اعْلَم أنَّ الصّحابةَ رضوانُ الله عليهم كانوا يتبَرَّكونَ بآثار النَّبي صلى الله عليه وسلم في حياتِه وبعدَ مَماتِه ولا زالَ المسلمونَ بعدَهُم إلى يومِنا هذا على ذلكَ، وجوازُ هذا الأمرِ يُعرَفُ مِن فِعلِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وذلكَ أنّه صلى الله عليه وسلم قَسَمَ شَعَرهُ حينَ حَلَقَ في حَجَّةِ الودَاعِ وأظفَارَهُ.

أمّا اقتسَامُ الشَّعر فأخرجَهُ البخاريُّ ومسلِمٌ من حديثِ أنَسٍ، ففي لفظِ مسلمٍ أنهُ قال لمَّا رَمَى صلى الله عليه وسلم الجمْرَةَ ونَحَرَ نُسُكَهُ وحلَقَ ناولَ الحالِقَ شِقَّهُ الأيمنَ فحلَقَ ثمَّ دَعَا أبا طلحةَ الأنصاريَّ فأعطاهُ ثمَّ ناولَهُ الشِّقَّ الأيْسَرَ فقال:”احْلِق“،فحلَقَ فأعطاهُ أبا طلحةَ فقالَ: “اقسِمْهُ بينَ النَّاسِ“.

وفي روايةٍ لمسلم أيضًا “فبدأَ بالشّقّ الأيْمَنِ فوزَّعَهُ الشّعْرَةَ والشَّعرَتينِ بين النَّاسِ” ثم قالَ بالأيْسَرِ فصنَعَ مثلَ ذلكَ ثم قال: “هاهُنا أبو طلحةَ” فدفعَهُ إلى أبي طلحةَ.  وفي روايةٍ أُخرى لمسلمٍ أيضًا أنّه عليه الصلاةُ والسلامُ قال للحَلاقِ “ها“، وأشارَ بيدِهِ إلى الجانبِ الأيْمَنِ فقسَمَ شعَرَهُ بينَ مَن يليْهِ، ثم أشارَ إلى الحلاقِ إلى الجانبِ الأيْسَرِ فحلَقَهُ فأعْطاهُ أُمَّ سُلَيْم.

فمعنَى الحديثِ أنّهُ وزَّعَ بنَفْسِه بَعْضًا بينَ النّاسِ الذينَ يَلُونَهُ وأعْطَى بعضًا لأبي طلحةَ ليوزّعَهُ في سائرِهم وأعْطَى بعضًا أمّ سُلَيم ففيهِ التبَرُّكُ بآثارِ الرسولِ، فقد قَسمَ صلى الله عليه وسلم شعرَهُ ليتَبرَّكُوا به وليسْتَشفِعُوا إلى الله بما هو منهُ ويتقرَّبوا بذلكَ إليهِ، قسمَ بينَهُم ليكونَ برَكةً باقيةً بينَهُم وتَذْكِرَةً لهم.

ثم تَبِعَ الصَّحابةَ في خُطَّتِهم في التبرّكِ بآثارِهِ صلى الله عليه وسلم من أَسْعَدَهُ الله وتوارَدَ ذلكَ الخَلَفُ عن السَّلَفِ. وأمَّا اقتِسامُ الأظْفارِ فأخرجَ الإمامُ أحمدُ في مُسْنَدِه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قلَّمَ أظفَارَهُ وقسَمَها بينَ النّاس، ومعلومٌ أنَّ ذلكَ لم يكن ليأكُلَها الناسُ بل ليتبرَّكُوا بها.

وعن ثابتٍ قالَ “كنتُ إذا أتيتُ أنَسًا يُخبَرُ بمَكاني فأَدخلُ عليه فآخذُ بيدَيه فأقبِلُهما وأقولُ بأبي هاتانِ اليَدانِ اللَّتانِ مسَّتا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأُقَبّلُ عَينيه وأقولُ بأبي هاتانِ العَيْنانِ اللّتانِ رأتا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم”.

وروى البيهقيُّ في دلائلِ النُّبوةِ والحاكمُ في مُستَدْرَكِهِ وغيرُهما بالإسنادِ أن خالدَ بنَ الوليدِ فَقَدَ قَلَنْسُوَةً له يومَ اليَرْمُوكِ فقالَ اطلبُوها، فَلَم يجِدُوها، ثمَّ طلبُوها فوجَدُوها، فقال خالدٌ “اعتمَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فحلَقَ رأسَهُ فابتَدَرَ الناسُ جوانِبَ شَعَرِهِ فسَبَقْتُهُم إلى نَاصيتِهِ فجعَلْتُها في هذهِ القلَنسُوَةِ فلَمْ أشهدْ قِتالا وهي معي إلا رُزِقتُ النَّصْرَ”.

وهذه القصةُ صحيحة كما ذكرَ ذلك الشيخُ حبيبُ الرحمن الأعظميّ في تعليقهِ على المطالبِ العاليةِ فقال “قال البوصيري رواه أبو يعلى بسندٍ صحيحٍ وقال الهيثميُّ رواهُ الطبرانيُّ وأبو يعلى بنحوهِ ورجالُهما رجالُ الصحيحِ” اهـ.

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء: قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: رَأَيْتُ أَبِي يَأْخُذُ شَعرةً مِن شَعرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَضَعُهَا عَلَى فِيْهِ يُقبِّلُهَا.وَأَحسِبُ أَنِّي رَأَيْتُهُ يَضَعُهَا عَلَى عَيْنِهِ، وَيَغْمِسُهَا فِي المَاءِ وَيَشرَبُه يَسْتَشفِي بِهِ.ورَأَيْتُــهُ أَخذَ قَصْعَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَسلهَا فِي حُبِّ المَاءِ، ثُمَّ شَرِبَ فِيْهَا، وَرَأَيْتُهُ يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ يَسْتَشفِي بِهِ، وَيَمسحُ بِهِ يَدَيْهِ وَوَجهَه، قُلْتُ: أَيْنَ المُتَنَطِّعُ المُنْكِرُ عَلَى أَحْمَدَ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ سَأَلَ أَبَاهُ عَمَّنْ يَلمَسُ رُمَّانَةَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَمَسُّ الحُجْرَةَ النَّبَوِيَّةَ، فَقَالَ: لاَ أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا، أَعَاذنَا اللهُ وَإِيَّاكُم مِنْ رَأْيِ الخَوَارِجِ وَمِنَ البِدَعِ. اهـ

‏وروى البخاري عَنْ ‏‏ابْنِ سِيرِينَ ‏‏قَالَ قُلْتُ ‏لِعَبِيدَةَ ‏عِنْدَنَا مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏أَصَبْنَاهُ ‏‏مِنْ قِبَلِ ‏‏أَنَسٍ ‏‏أَوْ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ ‏‏أَنَسٍ فَقَالَ: ‏‏لَأَنْ تَكُونَ عِنْدِي ‏شَعَرَةٌ ‏ مِنْهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا . اهـ

وذكر النووي في كتاب تهذيب الصفات ج3ص24: وأوصى عمر بن عبد العزيز أن يدفن معه شىء كان عنده من شعر النبي صلى الله عليه وسلم وأظفار من أظفاره وقال: إذا مت فاجعلوه في كفني. ففعلوا ذلك

هذا قليل من كثير فالتبرك بالنبي وءاثاره أمر يحبه الله ورسوله لا كما تقول المجسمة إنه من عادات الوثنيين، ومعنى التبرك أن يخلق الله لنا البركة بسبب ذلك.

كيف لا ومحمد خير خلق الله كلهم ذاك محمد وله الحوض الأكبر ذاك محمد وله نهر الكوثر ولواء الحمد المرفوع وكلام الحق المسموع محمد شمس الدنيا بدر الكون الأنور محمد نور الدهر وأكثر، قائد ركب الحق وسيد كل الخلق، حبيب الله محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محمد.

إذًا تَبِعَ الصَّحابةَ في خُطَّتِهم في التبرّكِ بآثارِهِ صلى الله عليه وسلم من أَسْعَدَهُ الله وتوارَدَ ذلكَ الخَلَفُ عن السَّلَفِ. واستمر ذلك إلى هذا الوقت فلا التفاتَ بعدَ هذا إلى دَعوَى مُنكري التوسلِ والتبركِ بآثارِهِ الشريفةِ صلى الله عليه وسلم.

نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا ببركات النبي محمد وسائر الأنبياء والصالحين.

< Previous Post

سيدنا عيسى المسيح عليه السلام – آيات وأحاديث دليل دينه ونزوله قبل يوم القيامة

Next Post >

صِفَةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map