رُؤْيَةُ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ لأِحْيَاءِ الطُّيُورِ الأَمْوَاتِ

 

أَيَّدَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَبِيَّهُ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِمُعْجِزَاتٍ بَاهِرَاتٍ، كَانَتِ الدَّلِيلَ السَّاطِعَ عَلَى نُبُوَّتِهِ، وَمِنْهَا إِحْيَاءُ الطُّيُورِ الَّتِي مَاتَتْ عَلَى يَدَيْهِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَشِيئَتِهِ.

مَا كَانَ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي وَقْتٍ مِنَ الأَوْقَاتِ شَاكًّا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ كَانَ مُنْذُ صِغَرِهِ قَدْ أُلْـهِمَ الرُّشْدَ وَالإِيْمَانَ، وَلَمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ وَأُوتِيَ النُّبُوَّةَ وَبَعَثَهُ اللَّهُ رَسُولاً يُعَلِّمُ النَّاسَ الإِسْلامَ، ذَهَبَ إِلَى مَلِكِ الْبِلادِ نُمْرُودَ الَّذِي كَانَ كَافِرًا جَاحِدًا لا يَعْتَرِفُ بِوُجُودِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَهُوَ يُجِادِلُهُ: ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَقَالَ نُمْرُودُ: ﴿أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ أَطْلَقَ سَرَاحَ رَجُلٍ كَانَ سَجِينًا عِنْدَهُ مَحْكُومًا عَلَيْهِ بالقتل، فَقَالَ: “لَقَدْ أَحْيَيْتُهُ” ثُمَّ قَتَلَ رَجُلاً ءَاخَرَ فَقَالَ: “لَقَدْ أَمَتُهُ”، فَغَلَبَهُ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ لَمَّا قَالَ لَهُ: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ. وَلَكِنَّ نُمْرُودَ لَمْ يَتَوَقَّفْ عِنْدَ هَذِهِ الْحَادِثَةِ بَلْ قَالَ حَسَبَ مَا يُرْوَى: قُلْ لِرَبِّكَ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى وَإِلاَّ قَتَلْتُكَ، فَلَمْ يَخَفْ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَرَى نُمْرُودُ وَأَتْبَاعُهُ إِحْيَاءَ الْمَوْتَى عَلَّهُمْ يُؤْمِنُونَ فَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى وَقَالَ: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى [سُورَةَ الْبَقَرَة].

وَصُودِفَ مُرُورُ سَيِّدِنَا “إِبْرَاهِيمَ” عَلَيْهِ السَّلامُ قُرْبَ الْبَحْرِ فَشَاهَدَ جِيفَةَ بَهِيمَةٍ مَطْرُوحَةً عَلَى الشَّاطِئِ، فَإِذَا هَاجَتِ الأَمْوَاجُ دَفَعَتْهَا إِلَى الْبَرِّ فَأَكَلَتْ مِنْهَا السِّبَاعُ، فَإِذَا ذَهَبَتِ السِّبَاعُ جَاءَتِ الطُّيُورُ فَأَكَلَتْ مِنْهَا ثُمَّ طَارَتْ، ثُمَّ إِذَا سَحَبَ الْمَوْجُ الْجِيفَةَ إِلَى الْبَحْرِ أَكَلَتْ مِنْهَا الأَسْمَاكُ وَالْحِيتَانُ، فَدَعَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ رَبَّهُ وَقَالَ: “رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تَجْمَعُ أَجْزَاءَ الْحَيَوَانِ فِي بُطُونِ السِّبَاعِ وَالطُّيُورِ وَحَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ لِيَزْدَادَ يَقِينِي”.

وَعِنْدَهَا تَحْصُلُ مُعْجِزَةٌ كَبِيرَةٌ بَاهِرَةٌ دَالَّةٌ عَلَى صِدْقِ هَذَا النَّبِيِّ الْعَظِيمِ وَأَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، إِذِ اسْتَجَابَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِدُعَاءِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ وَعَلَّمَهُ كَيْفَ يَصْنَعُ أَوَّلاً، فَأَمَرَهُ كَمَا قِيلَ بِأَنْ يَأْخُذَ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ، فَأَخَذَ دِيكًا أَحْمَرَ، وَحَمَامَةً بَيْضَاءَ، وَطَاوُوسًا أَخْضَرَ وَغُرَابًا أَسْوَدَ، ثُمَّ ذَبَحَهَا وَأَسَالَ دَمَهَا، وَبَعْدَ ذلَكِ قَطَّعَهَا قِطَعًا صَغِيرَةً، وَخَلَطَ لُحُومَهَا بِبَعْضِهَا مَعَ الدَّمِ وَالرِّيشِ حَتَّى يَكُونَ أَعْجَبَ، ثُمَّ وَزَّعَ أَجْزَاءَ هَذَا الْخَلِيطِ الْغَرِيبِ عَلَى سَبْعَةِ جِبَالٍ، وَوَقَفَ هُوَ بِحَيْثُ يَرَى تِلْكَ الأَجْزَاءَ، وَأَمْسَكَ رُءُوسَ تِلْكَ الطُّيُورِ فِي يَدِهِ ثُمَّ قَالَ: “تَعَالَيْنَ بِإِذْنِ اللَّهِ”.

فَتَطَايَرَتْ تِلْكَ الأَجْزَاءُ، فَجَعَلَ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ يَنْظُرُ إِلَى الرِّيشِ يَطِيرُ إِلَى الرِّيشِ، وَالدَّمِ إِلَى الدَّمِ، وَاللَّحْمِ إِلَى اللَّحْمِ، وَالأَجْزَاءِ مِنْ كُلِّ طَائِرٍ، يَتَّصِلُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ. وَعَادَتِ الأَشْلاءُ تَتَجَمَّعُ، حَتَّى قَامَ كُلُّ طَائِرٍ وَحْدَهُ وَلَكِنْ مِنْ غَيْرِ رَأْسٍ، لِيَكُونَ أَبْلَغَ لِسَيِّدِنَا إِبْرَاهيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الرُّؤْيَةِ الَّتِي سَأَلَـهَا، وَعَادَتِ الرُّوحُ إِلَيْهَا وَسَعَتْ إِلَيْهِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ مُسْرِعَةً، وَصَارَ كُلُّ طَائِرٍ يَجِيءُ لِيَأْخُذَ رَأْسَهُ الَّذِي فِي يَدِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَإِذَا قَدَّمَ لَهُ رَأْسًا غَيْرَ رَأْسِهِ لا يَقْبَلُهُ، فَإِذَا قَدَّمَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ تَرَكَّبَ مَعَ بَقِيَّةِ جَسَدِهِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ، فَاللَّهُ عَزِيزٌ لا يَغْلِبُهُ شَىْءٌ، وَلا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مَا يُرِيدُ.

ثُمَّ طَارَتِ الطُّيُورُ كَمَا كَانَتْ مِنْ جَدِيدٍ بِإِذْنِ اللَّهِ، بَعْدَ أَنْ تَحَقَّقَتْ مُعْجِزَةٌ كَبِيرَةٌ لِنَبِيٍّ مِنْ أَعْظَمِ الأَنْبِيَاءِ قَدْرًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُؤْمِنْ نُمْرُودُ إِذْ قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ شَقَاوَتُهُ فَأَذَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ سَلَّطَ عَلَيْهِ نَوْعًا مِنَ الْحَشَرَاتِ دَخَلَ رَأْسَهُ وَلَمْ يَكُنْ يَهْدَأُ أَلَمُهُ حَتَّى يُضْرَبَ بِالأَحْذِيَةِ وَالْكُفُوفِ الْمُجْتَمِعَةِ إِلَى أَنْ مَاتَ.

 

 

< Previous Post

مُحَاوَلَةُ إِحْرَاقِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ

Next Post >

قِصَّةُ الذَّبِيحِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map